رام الله- أعلنت الحكومة الفلسطينية، أمس الاثنين، أن إدارة الشؤون العامة “في حالة طوارئ”، وبالتالي إدارة الموارد المالية المتاحة وإعداد الموازنة والأنشطة خلال 2024 بما يتفق مع تلك الحالة.
و”حسبما يتوفر من مال”، قالت الحكومة إنها ملتزمة بتأدية التزاماتها تجاه الموظفين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس “وكذلك للأسرى وأُسر الشهداء”.
وفي بيانها، لم تعلن الحكومة “حالة الطوارئ “وفق ما هو متعارف عليه، وإنما حالة تلامس الطوارئ ودونها بقليل، ما يتيح لها إدارة ما يتوفر من مال، بحسب ما أفاد به مختصون للجزيرة نت.
وفي كلمته بمستهل جلسة الحكومة، قال رئيس الوزراء محمد اشتية إن إسرائيل خصمت في ديسمبر/كانون الأول الماضي 517 مليون شيكل (نحو 140 مليون دولار) من أموال المقاصة التي بلغت 750 مليون شيكل (نحو 200 مليون دولار)، “وأرسلت الباقي لنا، فرفضنا استلامها”.
تغطية صحفية | الحكومة الفلسطينية: “قررنا إدارة الشؤون العامة على أنها في حالة طوارئ، وإعداد موازنات وأنشطة حكومية للعام 2024 تتفق مع هذه الظروف، وبما يضمن استمرار تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين”. pic.twitter.com/LwYUiuRQcX
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) January 8, 2024
الأسرى والشهداء خط أحمر
وترفض السلطة الفلسطينية استلام المقاصة للمرة الثانية، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويتعلق الأمر بعائدات ضرائب تجبيها إسرائيل عن بضائع واردة لأراضي السلطة، ويفترض أن تحولها شهريا.
ويقول وزير الاتصالات في الحكومة الفلسطينية الدكتور إسحق سدر، للجزيرة نت، إن الأراضي المحتلة تمر بظروف صعبة، ولذلك جاء قرار الحكومة.
وأضاف المسؤول الحكومي أن “البلاد تمر بظروف طوارئ نتيجة حصار مالي غير طبيعي على السلطة والشعب الفلسطيني بهدف تركيع الشعب والقيادة، وخلق أجواء تضعف السلطة الفلسطينية بما لا يمكنها من القيام بواجبها تجاه شعبنا”.
ولفت المتحدث ذاته إلى تراجع موارد السلطة الفلسطينية إلى نحو 20% منذ بدء العدوان على غزة، مشددا على أن “مستحقات عائلات الشهداء والأسرى خط أحمر، والخط الأحمر الثاني غزة ورواتبها ولا نقاش حولهما”.
وفي توضيحه لمعنى الإعلان الحكومي، يقول الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة العربية الأميركية الدكتور نصر عبد الكريم إنه “أقل من إعلان حالة الطوارئ لأن الرئيس هو المخول بإعلانها من جهة، ومن جهة ثانية، لا يتم الالتزام بنفس قواعد العمل التي تحكم تنظيم الموازنة العامة أو إقرارها”.
وأضاف أن إعلان الحالة يأتي نظرا لصعوبة وجود تقديرات منطقية أو يقينية أو شبه معقولة لإيرادات السلطة ونفقاتها وبالذات الإيرادات، في وقت تراوح فيه أزمة المقاصة مكانها ولا مساعدات قادمة على وجه اليقين، والجباية غير مضمونة.
رسالة
وبرأي الخبير الفلسطيني نفسه، كان على الحكومة أن تضيف إلى إعلانها تحديد أولوياتها في الإنفاق -مثلما كان في حالات سابقة- كرواتب الموظفين وإغاثة غزة وقطاع الفقراء، وأن تضع خطط ترشيد النفقات والتقشف وتبين للناس أوجه التوفير والصرف والنفقات.
ويضيف عبد الكريم أن الحكومة الفلسطينية أرادت أن تبعث رسالة بأنها تعيش أزمة لا أفق لحلها، وبالتالي ستحاول أن تعمل وفق ما يتوفر من مال.
بالأرقام، يقول الخبير الاقتصادي إن الموارد المتوفرة اليوم هي فقط الجباية المحلية المعتمدة على الجمارك وضريبة القيمة المضافة، وهذه تراجعت بسبب تراجع الاستهلاك بحوالي 40% حسب آخر تقديرات.
ويتابع، في السياق ذاته، “حوالي 250 مليون شيكل (نحو67 مليون دولار) تتم جبايتها شهريا بدل نحو 450 إلى 500 مليون شيكل (120-135 مليون دولار) قبل الحرب، وبالتالي هذا هو المتاح”.
أما المقاصّة، فقال عبد الكريم إنها تقدر بنحو 750 مليون شيكل قبل العدوان، وكان يُخصم من هذا المبلغ قرابة 200 مليون شيكل شهريا بذرائع مختلفة، وتُحول ناقصة إلى السلطة الفلسطينية.
وفي المجمل، يُقدّر الخبير الاقتصادي أن إيرادات الحكومة المحلية في الظرف الحالي لا تتجاوز 20% مما كان عليه الوضع قبل الحرب، مضيفا أن “المساعدات الخارجية غير مضمونة فيما لا تزال إسرائيل متعنتة في موضوع المقاصة”.
ورأى الخبير الفلسطيني أن السلطة “اشترت وقتا عندما اقترضت 450 مليون دولار من البنوك لتأجيل انفجار الأزمة نحو شهر أو 1.5 شهر، لكن الوضع سيصبح أصعب بكثير إذا استمرت الأزمة حتى نهاية الشهر الجاري، وستجد الحكومة نفسها أمام مأزق صعب جدا”.
الفئات الأكثر تضررا
وفق الدكتور تيسير عمرو، وكيل وزارة الاقتصاد الفلسطيني سابقا، فإن قطاعات الشؤون الاجتماعية والصحة والتعليم ستكون الأكثر تأثرا بالحالة المعلنة.
وأضاف، في حديث للجزيرة نت، أن من بين المتضررين أيضا القطاع الخاص، إذ لن تستطيع الحكومة الوفاء بالتزاماتها تجاه هذا القطاع الذي يعاني جراء ديون كبيرة متراكمة على الحكومة، “وبالتالي ستتوقف الحكومة عن دفع مديونيته التي كانت تُدفع أصلا بنسب بسيطة”.
وأوضح المتحدث ذاته أن التأثير سيطال باقي الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك الشركات التي تورّد احتياجات الحكومة ومنها شركات الأدوية والمقاولات وغيرها.
وعن المدى الذي يمكن للسلطة الفلسطينية تحمله في ظل هذا الوضع، قال عمرو “إن السلطة ستبقى موجودة لأن هناك مصلحة للجميع في بقائها، كما أن الأميركيين معنيون بأن تفرج إسرائيل عن أموال المقاصة”.
وخلص وكيل وزارة الاقتصاد للتساؤل عن “كيف للأطراف التي تتحدث عن تقوية السلطة كأفضل خيار للمشاركة في إدارة غزة، أن تقبل بإدخالها في أزمة مالية؟!”.