جنين- أغلق جيش الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين شمال الضفة الغربية، وفتح حربا تخريبية بالجرافات العسكرية في أزقته وحاراته، وأعلن المخيم منطقة عسكرية مغلقة، مما يعني أنه فرض عليه حصارا مشددا يمنع بموجبه الدخول إليه أو الخروج منه، كما يجعل كل من يتحرك في شوارعه هدفا للقتل أو إطلاق النار.
وعلى الأرض تتجول جرافات وآليات الاحتلال في كامل شوارع مدينة جنين، وتدمر كل ما تمر به من شبكات المياه وأعمدة الكهرباء وتجرف الشوارع المجرفة أصلا، في مشهد يوحي لكل من يراه أن الهدف هو التدمير لكل معالم الحياة.
مؤشر خطير
بدأ اقتحام الآليات الإسرائيلية فجر اليوم الخميس عبر شارع الناصرة الواصل بين مدينة جنين وحاجز الجلمة العسكري شمالا، ولأول مرة ترافق الاقتحام تجريف الشارع الذي يعتبر حلقة الوصل بين جنين وأهالي الداخل الفلسطيني.
وفي حين أبلغ الارتباط الفلسطيني بتحويل مخيم جنين إلى منطقة عسكرية مغلقة لحين انتهاء الاقتحام، تواصل تدمير الممتلكات الخاصة للتجار الفلسطينيين في منطقة السوق المركزي وسط مدينة جنين، وتم تجريف بسطات الخضار والفواكه الممتدة في منطقة شارع البريد، وتخريب الشوارع الرئيسية في المربع التجاري.
يصف محافظ جنين كمال أبو الرب الإعلان الإسرائيلي للمخيم بالمنطقة العسكرية بأنه “مؤشر خطير جدا”، وقال في حديثه للجزيرة نت إنهم قاموا بإعادة تأهيل شوارع المخيم والشوارع الواصلة له 8 مرات، لكنهم وبعد هذا الاقتحام سيكونون مضطرين لإعادة التأهيل للمرة التاسعة.
يقول أبو الرب إنه في كل مرة يتم تجريف المجرف، وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة في المخيم ووسط المدينة، “اليوم بدأ التجريف من حاجز الجلمة، وصولا إلى وسط المدينة حيث مركز السوق التجاري، المخيم مغلق ومحاصر بالكامل، يمنع الدخول إليه، ولا نعلم ما يحدث هناك، إلا عبر بعض المقاطع المصورة التي تصل من الأهالي”.
ورغم صعوبة الوصول إلى المخيم، فإن ما ترصده عدسات الهواتف المحمولة للأهالي التي تصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر حجم الدمار الهائل الذي أحدثته آليات الاحتلال خلال ساعات الصباح، ويُجمع الناس في المخيم على أن إسرائيل تتعمد زيادة كمية الخراب والدمار قبل عيد الأضحى، الذي يصادف يوم 16 يونيو/حزيران الجاري.
تحويل الحياة إلى جحيم
يرى محافظ جنين كمال أبو الرب أن إعلان المنطقة العسكرية قد يكون تمهيدا لارتكاب جرائم بداخل المخيم، خصوصا بعد حصار مستشفى جنين الأقرب للمخيم، والمشفى الحكومي الوحيد في المحافظة، ومنع سيارات الإسعاف وطواقم الهلال الأحمر من التنقل داخل المخيم ونقل الجرحى وأصحاب الأمراض المزمنة وحالات الولادة.
ويقول المحافظ للجزيرة نت إن إغلاق المخيم بهذا الشكل ولمدة غير محددة يهدف إلى تدميره بشكل كامل وقتل الأبرياء، ويعني -في العادة- أن هذا الاقتحام قد يستمر لأيام، “شاهدنا تدمير الشوارع ومداخل المنازل واقتلاع أسلاك الكهرباء، وهذا سيؤدي لقطع الكهرباء عن مناطق واسعة في المخيم، وعن الشارع الواصل إلى المشفى”، إضافة لقطع جرافات الاحتلال لخط المياه الرئيس في المخيم، مما يعني عدم توفر الماء للناس طوال فترة الاقتحام.
فرضت قوات الاحتلال حصارا على مستشفى جنين الحكومي الذي يخدم قرابة 400 ألف مواطن في المحافظة، حيث تمنع الطواقم الطبية من مغادرته، ولا تسمح بنقل الإصابات من المخيم إليه، وبحسب أبو الرب فإن المحافظة تواصلت مع الصليب الأحمر لإجراء تنسيق للكادر الطبي الذي قضى فيها أكثر من 35 ساعة عمل كاملة في المستشفى دون تبديل المناوبة.
كما تجري محاولات الحصول على تصريح لنقل مرضى الكلى الذين يحتاجون لغسل اليوم، وإيصال حالات الولادة التي تواصلت مع المحافظة لمساعدتها للوصول إلى المستشفى، وهي كثيرة على حد قول المحافظ.
ويوجد في محافظة جنين قرابة 90 مريض كلى، يتوزعون على 3 أوقات خلال اليوم، كل وقت يضم حالي 26 مريضا، لكن أحدا منهم لم يتمكن منذ الصباح من الوصول إلى المستشفى والحصول على جلسات الغسل الخاصة به.
ضرب الاقتصاد
تتعمد القوات الإسرائيلية اقتحام مدينة جنين ومخيمها في فترة نهاية الأسبوع، وهو يوم الذروة بالنسبة للأسواق، لكن اقتحام اليوم جاء أيضا قبل عيد الأضحى المبارك بـ3 أيام، وهو ما يراه الأهالي طريقة لضرب الاقتصاد المتضرر أصلا بشكل كبير منذ عام 2020 وحتى الآن.
ورغم أن مخيم جنين ومنذ قرابة سنتين لا توجد فيه مظاهر الأعياد، فإن الأهالي يرون أن الاقتحام يهدف لتدمير المخيم وتخريب المنازل، ومنع الناس من استقبال العيد بطمأنينة.
وبحسب مدير الغرفة التجارية في جنين محمد كميل، فإن “السابع من أكتوبر/تشرين الأول بالنسبة لجنين بدأ منذ 2020 وليس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023″، حيث عانت المدينة طوال هذه السنوات من حصار اقتصادي كبير، رافقه إغلاق شبه كامل لحاجز الجلمة، الذي يمكن أهالي الداخل الفلسطيني من الدخول للمدينة، حيث يسهمون بشكل كبير في إنعاش سوق جنين.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول كميل إن إسرائيل تفرض عقابا جماعيا على مدينة جنين بشكل عام وعلى المخيم بشكل خاص منذ 4 سنوات، ويزداد في كل اقتحام تقوم به قواتها، وهو ما أثر على القطاع الخاص، حيث قام حوالي 65% من أصحاب العمل بتغيير شروط التعاقد مع العمال والموظفين، إضافة لاضطرار عدد كبير من المشغلين إلى الاستغناء عن الموظفين بسبب ضعف الاقتصاد”.
ويرى مدير الغرفة التجارية أن تخريب المنشآت الصناعية في المدينة في كل اقتحام يؤثر بشكل سلبي ومباشر على الأهالي الذين يعمل أبناؤهم في هذه المنشآت، وهذا أدى إلى ضعف مستوى الشراء بنسبة 35% عن السنوات السابقة، وخاصة في الفترة التي تسبق العيد.
“ما يحصل في جنين هو فعليا تطهير عرقي، يحاولون إيصال الناس للشعور بأنه لا يوجد أمل في هذه المدينة ومخيمها، وإجبارهم على البحث عن مكان آخر للحصول على دخل يسهم في توفير احتياجاتهم واحتياجات أولادهم”، يقول كميل.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع لأصحاب بسطات خضار يتفقدون بسطاتهم التي دمرها الاحتلال في شارع البريد في المدينة، وقال أحدهم “كل ما فعلوه لا يؤثر علينا، محلاتنا وبسطاتنا ورزقنا هو فداء للمقاومة، وفداء للوطن، ما يحصل هنا بسيط مقارنة بما يعانيه أهلنا في غزة، لذا لن ينالوا منا ولن نرحل كما يريدون”، وأضاف “تعودنا ألا نعيش أجواء العيد في جنين، لكن هذه المرة تعمدوا الدخول قبل العيد لكسرنا”.
وتقول الشابة شذى الصباغ من مخيم جنين للجزيرة نت إن قوات الاحتلال دمرت بشكل كبير حارتي الحواشين والفلوجة، كما اعتقلت عددا من الشبان من جبل أبو ظهير على أطراف المخيم، ودمرت عددا من السيارات الخاصة وجدران المنازل، وتقول “حارات المخيم أصبحت تشبه غزة بسبب الدمار الكبير فيها، يحاولون قتل حتى فرحة الصغار بالعيد بتحويل المخيم إلى كومة دمار”.
وحتى اليوم، نفذ الاحتلال الإسرائيلي قرابة 62 اقتحاما عسكريا لجنين دون تبليغ الارتباط الفلسطيني، في حين وصل عدد الشهداء في المحافظة قرابة 134 شهيدا، وعدد المعتقلين إلى 535 معتقلا منذ السابع من اكتوبر/تشرين الأول الماضي.