نيودلهي- يمثل المسلمون ما نسبته 15% من سكان الهند، بتعداد يصل إلى 200 مليون شخص، لكنهم يعدون الفئة الكبيرة الغائبة في الانتخابات الهندية الجارية، فلا حديث عن طموحاتهم ومصالحهم وآلامهم.
وبينما تسعى كل الأحزاب لنيل أصواتهم، لم يتم ترشيح شخصيات مسلمة في هذه الانتخابات سوى القليل، وضمن الدوائر التي توجد بها غالبية مسلمة، على الرغم من أن حزب الشعب الهندي يطرح -بطرق ذكية- أمورا تمس المسلمين بشكل سلبي.
تهديد حزب الشعب
تدرك الأقلية المسلمة رسائل رئيس الوزراء ناريندرا مودي وتلميحاته، التي يتحدث بها آخرون من زعماء حزبه جهارا، حول إمكانية تدجين وتهميش المسلمين، ولسان حاله يقول للناخب الهندوسي إن الحزب تمكّن من بناء معبد راما الضخم على أرض المسجد البابري، وبإلغاء الاستقلال الذاتي لكشمير.
ويمضي الحزب بمخططه لتنفيذ قوانين مدنية لكل الهنود بإلغاء قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، وبالسماح للهندوس بالاستيلاء على المزيد من المساجد، بادعاء أنها أُقيمت بعد هدم معابد هندوسية، وبإغلاق المدارس الإسلامية، وكذلك محاربة طعامهم “الحلال” وتحريم “الحجاب”، وبالسماح بهدم مساجدهم ومقابرهم ومزاراتهم.
ووضع مودي الأساس القانوني لانتزاع جنسية ملايين المسلمين من خلال تعديل قانون الجنسية، بالإضافة لتهميش المسلمين سياسيا، فلا يوجد وزير مسلم في الوزارة المركزية أو في حكومات الولايات التي يحكمها حزب الشعب الهندي، ولا نائب مسلم عن الحزب الحاكم في البرلمان المركزي أو في المجالس التشريعية بالولايات التي يحكمها حزب الشعب.
وبينما تحتفل البلاد بالمناسبات الهندوسية بكل صخب في كل مكان، حتى في المطارات ومحطات القطارات، يُعاقب المسلمون لو تجرؤوا على أداء صلوات الجمعة أو العيدين في الميادين العامة أو في الطرقات لو ضاقت بهم مساجدهم.
حالة تهميش مستمرة
بدأ تهميش مسلمي الهند وتغييبهم حتى قبل الاستقلال، فقد سبق أن رفض حزب المؤتمر خلال فترة الحكم الذاتي التي سبقت الاستقلال مطالب بسيطة لحزب الرابطة الإسلامية، كأن يُفسح المجال في الوزارة لوزيرَين مسلمَين بدلا من وزير مسلم واحد، حيث كانت هذه المواقف دافعة للمطالبة بتقسيم الهند.
وبعد الاستقلال، جرى تهميش اللغة الأردية باعتبارها لغة المسلمين، لأنها تُكتب بالحروف العربية الفارسية، وأغلقت المدارس التي كانت تتخذ من الأردية وسيلة للتعليم، وصودرت أملاك ملايين المسلمين، فلو حدث أن هاجر ولو فرد واحد من الأسرة إلى باكستان وأراد العودة إلى موطنه، فسيطلب منه استصدار تصريح مسبق، لكنه لن يحصل عليه بسهولة.
وبينما كانت الهند ترحّب بغير المسلمين المهاجرين من باكستان، ألغت حصص المسلمين في الوظائف الحكومية، بل حرمت المسلمين والمسيحيين، وممن هم من أصول تُسميهم “المنبوذين”، من التمتع بمزايا أعطتها للمنبوذين من الهندوس، وجرى تقليص وجود المسلمين في الكادر الإداري والشرطة والجيش بصورة منظمة تدريجيا، حتى وصل الآن إلى نحو لا يتجاوز 4% عموما.
وتشير أرقام تمثيل المسلمين في البرلمانات الهندية المتعاقبة بحسب مفوضية الانتخابات، إلى أن عدد نوابهم في سنة 1952 بلغ 11 نائبا، بنسبة 2% بين النواب، ووصل في عام 2019 إلى 27 نائبا بنسبة 4.4%.
وكانت أعلى نسبة تمثيل للنواب المسلمين 10% سنة 1980، بواقع 49 نائبا مسلما، بينما ينبغي أن يكون لهم اليوم على الأقل نحو 80 مقعدا في البرلمان المركزي.
ولجأت الحكومات المتعاقبة إلى تقليل أعداد النواب المسلمين بطرق ذكية، مثل تخصيص الدوائر ذات الغالبية المسلمة للمنبوذين، أو توزيع الدوائر ذات الغالبية المسلمة على دوائر هندوسية، وذلك لتقل نسبة المسلمين في الدائرة، وتقوم به مفوضية لا يمكن الطعن بقراراتها في المحاكم.
ومع هذا، يحرص حزب المؤتمر والأحزاب العلمانية الأخرى على ترشيح المسلمين في الانتخابات وإشراكهم بالمجالس الوزارية، وتعيين مسلمين بمناصب شرفية عالية مثل رئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية وحكام الولايات.
في عهد مودي
تغير وضع المسلمين بصورة جذرية مع وصول حزب الشعب الهندي للحكم بقيادة ناريندرا مودي، المعروف بعدائه للمسلمين واتهامه بتدبير مذابح “كوجرات” في فبراير/شباط 2002.
ويؤمن مودي وحزبه بأن أي بادرة حسنة تجاه المسلمين تندرج تحت سياسة التملق للأقليات على حساب الهندوس، بالإضافة لإيمانهم بأيديولوجية الحركة الهندوسية السياسية “الهيندوتوا”، التي ترى أنه لا بد من تهميش المسلمين والمسيحيين، وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية، واعتبارهم ضيوفا في البلد بدون أي امتيازات.
وكان مودي قد أتقن هذا التوجه خلال حكمه لولاية كوجرات في الفترة ما بين سنوات 2001 إلى 2014، فلا يوجد منذئذ نائب مسلم في مجلس كوجرات التشريعي، رغم أن المسلمين يمثلون 10% من سكان الولاية.
وألغى مودي المشاريع التي بدأتها حكومات سابقة للنهوض بالمسلمين في المجال التعليمي بصورة خاصة، وأخذت حكومات حزب الشعب بالتضييق على المدارس الأهلية الإسلامية، وإغلاقها في مختلف الولايات التي تحكمها، مثل آسام وأوتارخاند وأوتاربراديش.
وبدأ هدم المساجد والمدارس الإسلامية الأهلية والمزارات والمقابر في الولايات التي يحكمها حزب الشعب، وهدمت بيوت ومتاجر المسلمين دون إجراءات قضائية بحجج ضعيفة، مثل تهمة إلقاء حجارة على مسيرة هندوسية.
ويستمر اعتقال الشباب المسلمين لأتفه الأسباب، لتضاف بعد الاعتقال تهمة الإرهاب إلى قائمة التهم الموجهة إليهم، لكي يقضوا في السجون سنوات طويلة.
كما تُتهم حكومة مودي بالوقوف وراء قتل المسلمين على الهوية بالمئات، وبذرائع واهية مثل “أكل لحم البقر” أو “ذبح الأبقار” أو الزواج من هندوسيات، ولم تتم معاقبة الجناة إلا نادرا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، مررت حكومة مودي قانون الجنسية المعدّل، الذي أجاز لغير المسلمين القادمين من دول مجاورة الحصول على الجنسية الهندية، لكنها منعتها عن المهاجر لو كان مسلما.
وتريد حكومة مودي استكمال هذه الخطة بإجراء إحصاء في كل أنحاء الهند، لمعرفة من ليست لديه أوراق معينة تثبت جنسيته الهندية، حيث سيحرم القانون المسلمين وحدهم من الجنسية، بينما سيسمح للهندوس الفاقدين لهذه الأوراق بأن يدّعوا أنهم جاؤوا من إحدى الدول المجاورة، وبالتالي يحصلون على الجنسية.
وتأثرت كل الأحزاب بهذه السياسات، فلا يهتم الآن أي حزب بالمسلمين ولا بترشحهم في الانتخابات إلا في أقل الحدود، ولا يحب أي حزب ظهور المسلمين بملابسهم التي تدل على شخصيتهم في مهرجاناته، ولا يسمح لهم بأن يلقوا خطابات في المهرجانات الحزبية، الأمر الذي يعتبر نجاحا باهرا لمودي وأيديولوجيته، فحتى لو لم يفز حزبه في الانتخابات، سيظل المسلمون مهمشين بسبب تأثير سياسات مودي في الخطاب السياسي الهندي.