القدس المحتلة- قررت المحكمة العليا بإسرائيل تعليق التحقيق الذي شرع به مراقب الدولة متنياهو أنغلمان، في إخفاقات الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى حين انعقاد جلسة الاستماع في يوليو/تموز المقبل.
وأعاد هذا القرار -إلى الواجهة- الدعوة إلى إقامة لجنة تحقيق رسمية بالفشل في منع الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مستوطنات “غلاف غزة”.
ويعارض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقامة هذه اللجنة، وكرر موقفه بأن التحقيق في الإخفاق الاستخباراتي في منع معركة “طوفان الأقصى” يجب أن يتم فقط عند انتهاء الحرب على غزة، خلافا لموقف معسكر المعارضة الذي يطالب -باستمرار- بتشكيل اللجنة فورا.
نقاط الخلل
وتقاطع موقف نتنياهو مع طرح رئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هاليفي الذي عارض هذا التحقيق، وقال إنه “يضر بالمجهود الحربي”.
ويأتي قرار المحكمة في سياق التماس تقدمت به حركة “جودة الحكم” و”منتدى الدرع الواقي لإسرائيل” حيث طالبا بإلزام الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في فشل التصدي لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحرب غزة. وكشفا عن إخفاقات جوهرية على المستويات السياسية والعسكرية والاستخباراتية، وهو أكبر فشل أمني وسياسي في تاريخ إسرائيل، كما ورد في نص الالتماس.
وبحسب رئيس “جودة الحكم” المحامي إليعاد شارغا، فإن التحقيق واستخلاص النتائج لمنع تكرار هذه الإخفاقات “واجب أخلاقي وقيمي تجاه قتلى إسرائيل الذين ضحوا بحياتهم وعشرات المستوطنات وآلاف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم”.
وقال شارغا في الالتماس للمحكمة إن “لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة تتمتع بصلاحيات واسعة، وتعقد جلسات استماع علنية، هي وحدها القادرة على التحقيق في الحقيقة، وتحديد نقاط الخلل، والتوصية بتصحيحها، واستعادة ثقة الجمهور بمؤسسات وأنظمة الدولة”.
ولفت إلى أنه بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ورغم الظروف الصعبة حينها والقتال الذي كان لا يزال مستمرا “تم إنشاء لجنة أغرانات في 43 يوما فقط، مما يثير التساؤلات حول تجاهل الحكومة الحالية للحاجة الماسة لذلك، رغم مرور 8 أشهر على اندلاع الحرب والكارثة المأساوية”.
امتناع
وشدد رئيس “جودة الحكم” على أن نتنياهو نفسه وعددا من كبار الوزراء ورؤساء المؤسسة الأمنية دعوا إلى إنشاء لجنة تحقيق رسمية، لكنهم يمتنعون الآن عن القيام بإجراءات وخطوات عملية لإقامة مثل هذه اللجنة.
ووفق شارغا، فإن الأطراف الأخرى -مثل الجيش ومراقب الدولة والشاباك- تفتقر إلى الأدوات والصلاحيات والاستقلالية التي تتمتع بها لجنة تحقيق رسمية.
واعتبر مراسل الشؤون القضائية بالموقع الإسرائيلي الإلكتروني “والا” بيني أشكنازي أن قرار المحكمة تعليق التحقيق بمثابة التحضير لتشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضٍ، وذلك خلافا لموقف نتنياهو الذي يعارض تشكيلها.
وقال المراسل إن قرارها يعزز موقف المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا التي أوصت -في ردها على الالتماس- بضرورة تشكيل لجنة تحقيق رسمية في الإخفاق والفشل الأمني والاستخباراتي في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وباعتقاده، فإن إقامة لجنة تحقيق رسمية بمثابة وسيلة لمواجهة إجراءات محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل لارتكابها جرائم حرب، والتهديد بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وكشف المراسل أن نتنياهو طلب من المستشارة القضائية للحكومة إيجاد آلية تحقيق أخرى، غير لجنة تحقيق حكومية رسمية، للرد على “الادعاءات” في لاهاي، بيد أن ميارا ردت عليه بضرورة إنشاء لجنة تحقيق رسمية لمواجهة الإجراءات الدولية.
جرد حساب
من جانبه، يرى مراسل الشؤون القضائية بصحيفة “معاريف”، إبراهام بلوخ، أن المحكمة اتخذت قرارا دراماتيكيا يثير تساؤلات كثيرة بكل ما يتعلق بحق الجمهور في المعرفة والاطلاع على المعلومات حتى في حالة الطوارئ وزمن الحرب.
وتساءل “هل يستحق الإسرائيليون حقا إجابات حول إخفاقات السبت الأسود في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟” وتابع “لو سألنا أي شخص في الشارع يجيب بـ نعم. إن هذا الفشل الذريع الذي أودى بحياة الكثير من الإسرائيليين يتطلب من الهيئات المسؤولة أن تقدم للجمهور جرد حساب”.
ولكن عندما تنظر إلى سلوك الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” يقول مراسل معاريف “ليس من المؤكد أن الرد إيجابي. ولكن السؤال: هل الشخص الذي يقوم بالفحص مقبول لدى الجهات الخاضعة للتدقيق أم لا؟ إن الجواب لا، حيث يمنع انتقاد الجيش والشاباك أثناء القتال”.
وبعد مرور أكثر من 8 أشهر على هذا الفشل الذريع، لا يزال من غير الممكن انتقاد الجيش والشاباك، لا أحد يستطيع أن يعرف ماذا حدث، لقد أعدا وثيقة سرية تنص على أنه لا يجوز انتقادهما، حتى مراقب الدولة -الذي يحمل أعلى تصنيف أمني متاح- لا يمكنه معرفة ما هو موجود فيها، كما يقول مراسل معاريف.
وفي الجانب العسكري، عدّ العقيد احتياط نوعام طبعون إخفاق السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي “أكبر وأخطر فشل في تاريخ إسرائيل”. وبرأيه، هناك “حاجة” وجودية للتحقيق في هذا الإخفاق عبر لجنة تحقيق رسمية يرأسها قاض من المحكمة العليا “لإجراء تحقيق جذري ومعمق وشامل دون خوف”.
وأضاف -للموقع الإلكتروني التابع لصحيفة “مكور ريشون”- أن تشكيل لجنة تحقيق رسمية لمعرفة جذور الفشل ضروري، من بين صناع القرار على المستويين السياسي والعسكري والأفرع الأمنية والاستخباراتية الأخرى.
وقال العقيد احتياط الإسرائيلي إن الجيش يخوض “حربا صعبة” ووحدها لجنة تحقيق رسمية التي ستسمح بتجنب مثل هذه الإخفاقات الخطيرة في المستقبل “وتعلم الدروس واستخلاص العبر لتصحيح المسار وتعزيز الدفاع” عن أمن إسرائيل.