باريس- أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان حلّ جماعة “ديفيجن مارتل” اليمينية المتطرفة، الأربعاء الماضي، بعد أكثر من عام على تأسيسها.
ويأتي ذلك في ظل خطط للجماعة تقضي بتنظيم أعمال عنف ضد المنحدرين من أصل شمال أفريقي ومشاركة عدد من أعضائها في اشتباكات في الفترة الأخيرة، خاصة في جنوب شرق البلاد.
وبرر دارمانان هذا الحل بكون هذه الجماعة “تحرض على العنف والكراهية العنصرية”. فهل يصب القرار في مصلحة المهاجرين والفرنسيين من خلفية مهاجرة وحمايتهم من المتطرفين فعلا، أم أن هناك أهدافا أخرى؟
تحت المراقبة
تشير التصريحات الرسمية إلى أن جماعة مارتل -التي تأسست خريف العام الماضي- كانت تحت مراقبة أجهزة المخابرات الفرنسية لعدة أشهر. وهي جزء من شبكة منظمات تحمل التوجهات نفسها التي تمثل بعض الكاثوليك المتطرفين.
وينص مرسوم الحل على أن الجماعة “تنظم تدريبات قتالية، وتروج لاستخدام الأسلحة غير النارية في المواجهات التي تشجع عليها”.
وتتشارك هذه المجموعات في الإيمان بنظريات المؤامرة العنصرية، بما فيها نظرية استبدال السكان الأوروبيين البيض الكاثوليك بأولئك الذين ينتمون إلى خلفيات مهاجرة من أفريقيا وشمال أفريقيا. كما أنهم يعتمدون العنف منهجا لكسب هذه “الحرب العرقية”، بحسب أفكارهم.
وقد عُرفت هذه المجموعة في البداية باسم “فيلق باريس” قبل أن تُغير اسمها في سبتمبر/أيلول 2022 في إشارة إلى “معركة بواتييه” عام 732 التي انتصر فيها الفارس الفرنجي شارل مارتل على القوات العربية التابعة لولي الأندلس عبد الرحمن الغافقي.
وتضم بضع عشرات من الأعضاء، معظمهم في باريس، وتُعتبر استمرارا لمجموعة “زواف باريس” (ًSouaves Paris) التي تم حلها في يناير/كانون الثاني 2022 للأسباب نفسها.
كما أنها قريبة من مجموعة الاتحاد والدفاع “جي يو جي” (GUD) في العاصمة الفرنسية، وهي مجموعة يمينية متطرفة عنيفة كانت نشطة في السبعينيات، وأُعيد تشكيلها قبل بضعة أشهر.
وتستخدم مارتل رموز النازية الجديدة مثل الصليب القوطي وشعار “أوروبا، الشباب، الثورة” و”الإسلام خارج أوروبا”. وتم الإعلان عن حلها في أعقاب وفاة الشاب توماس (16 عاما) خلال حفل راقص في قرية كريبول حيث اعتقلت قوات إنفاذ القانون 20 من أفرادها.
دعاية إعلامية
ويرى وزير تكافؤ الفرص السابق عزوز بقاق أن تسليط وسائل الإعلام الفرنسية الضوء على جماعة صغيرة لا وجود لها قانونيا، وجعلها موضوعا وطنيا “أمر مثير للسخرية ومخزٍ للغاية”، معتبرا أن المشكلة الأساسية تتمثل في دارمانان والسلطة التنفيذية التي يمثلها.
وفي مقابلة للجزيرة نت، أشار بقاق إلى وجود مجموعات يمينية متطرفة أكثر خطورة من مارتل تضم نحو 300 فرد في مدينة ليون، مضيفا أن أعضاءها يخرجون بالأسلحة والعصي الحديدية في الشوارع لضرب العرب والمسلمين.
وتساءل الوزير السابق ما إذا كانت كل هذه الدعاية الإعلامية بشأن هذه الجماعة، وربما أخرى في المستقبل، غرضها الحقيقي هو تقويتها وإشهارها حتى يعرفها الجميع “لأنني إذا كنت في مكان دارمانان أو الشرطة، سأقوم بحلها بسرية وأنجز عملي الاستخباراتي حولها”.
بدوره، قال رئيس منظمة “عدالة وحقوق بلا حدود” فرانسوا دي روش، إن هذه المسألة “أثارت ضجة إعلامية غير مفهومة ومبالغا فيها عن جماعة لا يتخطى عدد أفرادها العشرات”.
وأضاف دي روش -للجزيرة نت- “لقد طلب دارمانان حل الجماعة منذ 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن هناك صمتا ثقيلا حتى الآن، ولم يتم إحراز أي تقدم ملموس على المستوى القضائي، لأن المنظمة أُنشئت حديثا، ولا تملك مقرا أو صفة قانونية، مما يعني أنه لا يمكنك حل كيان غير موجود فعليا على الورق”.
وفيما قد يظهر أنها خطوة لحماية العرب والمسلمين في فرنسا من عنف جماعات متطرفة، وصف رئيس منظمة “عدالة وحقوق بلا حدود” من باريس ما قام به وزير الداخلية بـ”محاولة لتجميل النوافذ” حتى يقال إنه لا يهاجم المسلمين فقط بل اليمينيين المتطرفين أيضا.
وأضاف دي روش “نرى في أحيان كثيرة أن قرارات حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون ووزيره دارمانان تكون أعنف من قرارات اليمين المتطرف، إذ يعتقد أنه من الجيد ضرب الأشخاص البيض بعيون زرقاء من وقت إلى آخر”.
“وزير ماكر”
وتابع دي روش “لحكومة ماكرون أسلوب مزدوج للتأثير في كل الأطراف وطمأنة العقول الضعيفة بإقناعهم بأن الحكومة ليست قاسية مع جمعيات المسلمين فقط”.
من جانبه، لفت وزير تكافؤ الفرص السابق عزوز بقاق إلى استهداف المسلمين من خلال مشروع قانون الهجرة الذي تجري مناقشته أمام الجمعية الوطنية “لأنهم عندما يضعون قوانين بشأن الهجرة فهي تخص هجرة المسلمين تحديدا”، وفق تعبيره. ووصف وزير الداخلية بـ”الماكر” لأنه “يُحدث ضجيجا وقرارات كثيرة حول جماعة كهذه، ويعلم أنه لا أحد يستطيع معارضته”.
وأكد الوزير السابق أن خطوة دارمانان لن تستقطب المهاجرين “لأنهم سيصوتون لصالح جون لوك ميلانشون في آخر المطاف، رغم أن هذه الفئة لا تعتبر قوة سياسية، وإنما أكباش فداء فقط، ولهذا كنت أكافح منذ سنوات من أجل التصويت الإجباري. وهناك نحو 80% من سكان الضواحي لا يصوتون”.
ولم تتحرك أصوات السياسيين أو الأحزاب اليمينية المتطرفة في البلاد للدفاع أو الاعتراض على إعلان حل مارتل، رغم تبنيها بعضا من أفكارهم، لأن القانون الفرنسي يحظر العنصرية ويعتبرها جريمة.
ويدعم فرانسوا دي روش هذا التوجه، معتبرا أن هذه الفئة السياسية تعلم أنه لا فائدة من ذلك وأن الموضوع بأكمله بمثابة إستراتيجية تنتهجها الحكومة.
أما عزوز بقاق، فيرى أن السبب الحقيقي وراء تنفيذ دارمانان معركة سياسية ضد مارتل يأتي لإرضاء اليمين واليمين المتطرف لتحقيق ما يسمى بـ”النظام والأمن”، مستبعدا نظرية “حماية المهاجرين وأطفالهم”.
وقال “إننا نعيش اليوم وسط حرب ضارية في قطاع غزة وصعود متزايد لليمين المتطرف، كما يعلم الجميع في فرنسا أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان ستكون رئيسة البلاد في غضون 3 سنوات. ولذلك يحاول دارمانان وجماعته التمسك بكل ما يستطيعون لكسب بعض المؤيدين”.
وتوقع الوزير السابق ارتفاع وتيرة أحداث العنف وتسارعها أكثر قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2024، مؤكدا “سنشهد انتصارا مدويا للجبهة الوطنية واليمين المتطرف”.