الخرطوم- اضطرت عائلة رجل الأعمال (ع. ا.) الذي ينحدر من منطقة رفاعة في ولاية الجزيرة (وسط السودان) إلى دفع 50 مليون جنيه سوداني (19 ألف دولار) لإنقاذ حياته بعد أن بعث لهم خاطفوه من قوات الدعم السريع مقطع فيديو يهددون فيه بقتله خلال ساعات ما لم يسددوا مبلغ الفدية.
وقال أحد أفراد عائلة رجل الأعمال الذي أفرج عنه -للجزيرة نت- إنهم تلقوا مكالمة هاتفية من ابنهم المختطف يطالب فيها بإرسال بمبلغ كبير عبر تطبيق مصرفي لصالح خاطفيه، وبعد ساعات وصلهم مقطع فيديو لابنهم وإلى جانبه مسلح يرتدي زي قوات الدعم السريع وفي يده مسدس يضع فوهته على صدغه.
ويظهر المقطع الشخص المخطوف مرتديا زيا سودانيا تقليديا والخاطف بجانبه مخفيا وجهه ويطلب منه أن يبلغ أسرته بأن أمامه ساعات لسداد مبلغ الفدية وإلا سيفقد حياته.
ويوضح المتحدث من أسرة المخطوف أنهم اضطروا إلى سداد مبلغ 50 مليون جنيه سوداني لإنقاذ حياة ابنهم، خصوصا أن من خطفوه يعلمون أنه رجل أعمال ولديه أموال، ورفضوا تخفيض مبلغ الفدية وتمسكوا بدفعها خلال مهلة محدودة.
رسائل ابتزاز
وغالبا ما تجبر قوات الدعم السريع المختطفين على تسجيل صوت أو مقطع فيديو وإرساله إلى عوائل الضحايا. وذكر الأمين العام لمؤتمر الجزيرة المير محمود، في حديث للجزيرة نت، أن قوات الدعم السريع طلبت مبلغا قدره 5 ملايين جنيه سوداني (نحو ألفي دولار) تم دفعها والإفراج عن أحد المختطفين، وطلبت من آخر 50 مليون جنيه سوداني (19 ألف دولار) خلال الأسبوع الماضي.
كذلك ظهر الطبيب المختطف (م. ط.) من منطقة أم دقرسي بولاية الجزيرة، وهو يوجه رسالة إلى أهله يطالبهم فيها بتحويل فدية لإطلاق سراحه، وإلا ستتم تصفيته.
وفي تسجيل صوتي لشاب مختطف من أم درمان، يبعث “معاذ” رسالة إلى والدته المقيمة بدولة أوربية يطمئنها بأنه في صحة جيدة ويجد معاملة طيبة ويطلب منها الحديث مع خاطفه الذي يطلب منها ما يعادل 5 آلاف دولار مقابل الإفراج عنه.
ويقول أحد زملاء المختطف للجزيرة نت إن “معاذ” أمضى شهورا مع خاطفيه في ظروف سيئة وتدهورت حالته وتأثرت ذاكرته وحالته النفسية الصحية، وتم الإفراج عنه وتوفي بعد أسابيع من إطلاق سراحه.
تمدد الظاهرة
وتوسعت ظاهرة الاختطاف الفترة الأخيرة، ويتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حالات خطف عناصر من قوات الدعم السريع لأشخاص بناء على معلومات حول وضعهم الاقتصادي أو أن عوائلهم ميسورة الحال، لا سيما في إقليم دارفور.
وأورد موقع ” دارفور 24″ نبأ عن خطف الشاب الفاتح أحمد آدم (18 عاما) من مزرعته في بلدة “أم ضي” بولاية شرق دارفور الخميس الماضي، وطلب الخاطفون الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع من أسرته دفع مبلغ 100 مليون جنيه فدية (40 ألف دولار) مقابل إطلاق سراحه.
ويوضح أحد أفراد عائلة المخطوف أنه لا يتوفر لهم مبلغ الفدية، وأنهم تواصلوا مع قيادة قوات الدعم السريع في الضعين عاصمة الولاية بشأن القضية، وفي انتظار الرد والتحرك من أجل إنقاذ ابنهم.
وشهدت ولاية شرق دارفور أحداث اختطاف مماثلة مقابل دفع فدية مالية، طالت تجارا وعاملين في منظمات إنسانية.
من جانبه، يرى الخبير الأمني والعسكري علي سالم أن الاختطاف من أجل الفدية المالية لا يحدث من قوات نظامية، وأن لجوء عناصر الدعم السريع لذلك يأتي بسبب ضعف القيادة والسيطرة والسعي إلى كسب المال بأي أسلوب.
وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد الخبير أن عدم صرف أجور لقوات الدعم السريع بشكل منتظم، وعدم وجود أموال وممتلكات في المناطق التي يسيطرون عليها بعد نهبها دفعهم إلى طرق جديدة للحصول على الأموال.
نفي واتهام مضاد
وتنفرد قيادات ميدانية في الدعم السريع بالقرار في مواقع وجودهم، مع تواطؤ بعض قياداتهم التي عجزت أن توفر لهم المرتبات وأي محفزات أخرى تقنعهم بالاستمرار في القتال في عمليات الاختطاف، إذ تقتسم مع الخاطفين ما يحصلون عليه من فدية، وفقا للخبير الأمني والعسكري.
وحسب المتحدث، فإن قوات الدعم السريع اقتحمت السجون بعيد اندلاع الحرب، وخرج آلاف المجرمين وانخرط بعضهم في القتال إلى جانبها وصاروا قيادات ميدانية، مثل عمر سيد الملقب بـ”شارون” الذي ظهر في مقطع فيديو يجر رجلا مسنا من لحيته في منطقة السريحة بولاية الجزيرة قبل 4 أيام، وتحول آخرون إلى عصابات تمارس الإجرام.
غير أن مسؤولا في المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع نفى الاتهامات الموجهة لقواتهم بخطف المدنيين مقابل فدية، واعتبرها “دعاية سوداء”، واتهم كتائب الحركة الإسلامية وقوات العمل الخاصة التابعة للجيش بمحاولة فبركة معلومات ومقاطع فيديو لتلطيخ سمعة الدعم السريع.
ويوضح المسؤول الإعلامي، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، أن هناك متفلتين يرتكبون جرائم وانتهاكات تنسب للدعم السريع الذي ضبطت قواته مئات المتفلتين وقامت بمحاكمتهم في ولايات الجزيرة والخرطوم ودارفور، ولا يزال بعضهم في سجونهم.
الناشطة الحقوقية سحر عبد الله أعربت عن قلقها البالغ إزاء تصاعد أعمال الخطف وطلب الفدية تحت تهديد السلاح ضد المدنيين في السودان. وتقول للجزيرة نت إن هذه الجرائم لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال، وتُعد انتهاكا صارخا للقوانين الوطنية والقانون الدولي الإنساني.
وحذرت الناشطة من أن هذه الممارسات تُفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد وتسبب معاناة نفسية شديدة للضحايا وأسرهم، وطالبت بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وحمّلت الجهة المسيطرة على موقع الجريمة المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات المُروعة.