رام الله- “شيء محزن، دخل الاحتلال أمس للمرة الـ30 مخيم جنين، واستيقظنا اليوم على إطلاق نار بين السلطة الوطنية والشباب المقاومين”، بهذه الكلمات استهل القيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” جمال حويل مقطع فيديو، يطرح فيه مبادرة لاحتواء التوتر المتصاعد بين السلطة ومقاومين فلسطينيين.
ووفق مصدر في جنين تحدث للجزيرة نت، فإن التوتر بدأ باعتقال السلطة الفلسطينية عنصرَي مقاومة من جنين، تبعه استيلاء مسلحين على سلاح عناصر من الشرطة الفلسطينية في نابلس، فردت الأجهزة الأمنية بمزيد من الاعتقالات وملاحقة المشاركين في الحادثة.
ولاحقا، شهدت المدينة توترا بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وسكان ومسلحي المخيم على خلفية الاعتقالات، تخللها إطلاق نار على مجمع الأجهزة الأمنية (المقاطعة). وأعلنت كتيبة جنين، التابعة لحركة الجاهد الإسلامي، أن الأجهزة الأمنية اعتقلت عددا من مقاتليها خلال الأيام الأخيرة.
بينما كان مقـ!ومو طوباس ومخيم الفارعة يحرسون منطقتهم فجر اليوم الأربعاء، ويقومون بجولاتهم الدورية لرصد أي تحركات مشبوهة تنبئ باقتحام قريب قد يقوم به جيش الاحتلال، لاحقتهم أجهزة السلطة الأمنية وأطلقت النار عليهم، ليرد المقـ!ومون بإطلاق النار على مقار السلطة في طوباس وإغلاق مداخل… pic.twitter.com/VaApNDppZ7
— متراس – Metras (@MetrasWebsite) February 14, 2024
“خارجون عن القانون”
تأتي هذه التطورات بينما يشن الاحتلال حربا مدمرة على قطاع غزة، وبينما يغلي الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية نتيجة اعتداءات الاحتلال والمستوطنين والتي خلّفت مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
في هذه الأثناء، أعلن المفوض السياسي العام والناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية اللواء طلال دويكات، أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية في محافظة جنين “قبضت على شخصين متورطين في اعتداء على عنصرين من الشرطة في نابلس، ومصادرة قطعتي سلاح كانتا بحوزتهما”.
ووفق بيان صحفي للناطق، فإن “اعتداء مجموعة من الخارجين على القانون، طال عنصرين من رجال الشرطة الفلسطينية أثناء عملهما الرسمي في محافظة نابلس مساء السبت الماضي”. وتعهّد بأن “الأجهزة الأمنية ستواصل جهودها في ملاحقة بقية أفراد المجموعة لاعتقالهم وتقديمهم للعدالة الفلسطينية”.
والاثنين الماضي قال دويكات لوكالة الأنباء الرسمية إن “الأجهزة الأمنية وجهاز الشرطة تمكّنا من توقيف بعض الأشخاص في بيت لحم ومحافظات أخرى، متهَمين بإثارة النعرات الطائفية”، قائلا إنهم “أدلوا باعترافات أولية واضحة وصريحة تشير إلى ممارستهم هذه الأفعال لضرب وحدتنا ونسيجنا المجتمعي”.
مبادرة حويل
في ظل حالة الاحتقان، بادر القيادي حويل إلى إعلان مبادرته. وقال “في ظل هذا الوضع، من العيب أن ندخل في الضفة في مشاكل داخلية، مطلوب أن نكون على قلب رجل واحد دفاعا عن غزة لوقف العدوان”.
وأضاف “تجري مناكفات داخل الشارع في جنين بالتحديد باتهام السلطة بالخيانة، واتهام الشباب المقاومين بالخروج عن القانون وزعزعة الأمن، وإذا بقينا في الاتهامات نفسها، فلن نصل إلى شيء”. وتابع “علينا أن نجلس على قاعدة الاحترام والتسامح، الاحتلال لا يريد فتح ولا حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ولا الجهاد، لا يريد أحدا من الشعب الفلسطيني، فعلينا أن نجلس بمحبة وأخوة”.
وحدد حويل مبادئ عامة في مبادرته وهي: إطلاق النار على المقرات الأمنية محرّم، وإطلاق النار على المواطنين والمقاومة محرّم.
وأكد القيادي في فتح “نحن جميعا خاسرون في الاعتداء أو في أي إصابة سواء في الأمن أو المقاومة”. وقال إنه تلقى اتصالات من مستويات مختلفة لمناقشة مبادرته لكنها لم تنضج بعد إلى حوار أو حل ينهي الاحتقان، مجددا تأكيده أن المطلوب من الكل أن يقف عند مسؤولياته.
ودعا عقلاء الطرفين أن يجلسوا ويتحاوروا ويصلوا إلى نتيجة، وقال “تعرض مخيم جنين 30 مرة للاجتياح، ليس لقمع الزعران والخارجين عن القانون، كما يقول البعض، بل لأن هؤلاء مقاومون. وقدم المخيم 100 شهيد ودُمر بالكامل لأجلهم، كما أن (أفراد) السلطة ليسوا جواسيس”.
قوات السلطة الفلسطينية تفض بالقوة وبقنابل الدخان مسيرة لدعم غزة في جنين #حرب_غزة #فيديو pic.twitter.com/40zeY72bpd
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) February 12, 2024
معطيات حقوقية
ومن بين المعتقلين مؤخرا الشاب عبادة الزِّبن، من قرية عصيرة شمالي نابلس، الذي اعتقل منذ 5 أيام، ومدد اعتقاله لـ15 يوما، وفق والدته مَيّ الزبن.
وتنفي والدة عبادة أن يكون ابنها “خرج عن القانون” أو مارس “الفتنة الطائفية”، مضيفة أنه معتقل سابق لدى الاحتلال قبل أن يتم 16 عاما من عمره؛ حيث أمضى نحو 3 سنوات ونصف، كما تكرر اعتقاله من قبل السلطة.
وأضافت أن عبادة عُرض على محكمة فلسطينية الأربعاء ومدد اعتقاله دون أن يكشف عن التهم الموجهة إليه، مضيفة “لا يوجد حرية تعبير، من يسلم على أسير أو ينشر على شبكات التواصل تتم ملاحقته”. وقالت إن “الوضع لم يعد يحتمل، والمطلوب من السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية أن تكون مع الشعب وليس ضده”.
ومنذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وثّقت جهات حقوقية فلسطينية عشرات حالات الاحتجاز التعسفي ولأسباب سياسية، من بينها مطلوبون للاحتلال.
وتفيد تقارير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان الشهرية بتسجيل 43 حالة احتجاز تعسفي ولأسباب سياسية، كان أعلاها في يناير/كانون الثاني الماضي حيث سُجلت 13 حالة، يضاف إليها انتهاكات تتعلق بما يُعرف بالتوقيف على ذمة المحافظ، وعدم تنفيذ قرارات المحاكم.
أما لجنة أهالي المعتقلين السياسيين بالضفة، فقالت إن اثنين من المعتقلين منذ عدة شهور يخوضان إضرابا عن الطعام في سجون السلطة بنابلس رفضا لاعتقالهما.
وتضيف، على صفحتها بموقع فيسبوك، أنها رصدت 900 حالة اعتقال سياسي خلال 2023، إضافة إلى مئات حالات قمع الحريات والمداهمات والاستدعاءات.
تخوفات السلطة
وفي قراءته لحالات الاعتقال على خلفية سياسية، يقول مدير مركز “يبوس للدراسات” سليمان بشارات، إن السلطة وأجهزتها الأمنية “تحاولان أن تمارسا دورهما بمنطق أنهما تفرضا القانون، ولهذا جانب إيجابي وآخر سلبي”. وتابع أن الجانب الإيجابي هو عدم السماح بوجود فراغ يسعى الاحتلال لإيجاده بشتى السبل لأنه “يسعى لإضعاف مفهوم الإدارة الذاتية للشأن الداخلي الفلسطيني ليبرر تدخله لاحقا في هذا الشأن”.
من هنا، يضيف بشارات، أن السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية تسعيان لفرض سيطرتهما وحضورهما ولو بالقوة “لأنهما تخشيان انفجار غضب الشارع الذي يشعر بضغط داخلي من ممارسات الاحتلال، في وقت لا توفر له السلطة الأمن”.
ويشير إلى بروز مقارنات في الشارع بين العمل المقاوم والعمل الأمني الرسمي، ويقول: “هناك من ينظر للعمل الرسمي على أنه اتساق مع السياسيات الإسرائيلية، وصل لحد الاتهام بالتخوين والخضوع لأجندات الاحتلال، لكن في المنظور السياسي، فإن للمؤسسة الأمنية دورا وحدودا ومنطلقات تعمل ضمنها”.
ويستبعد بشارات وجود علاقة للاعتقالات الأخيرة في جنين بما نشره الإعلام العبري عن اجتماع فلسطيني إسرائيلي لتهدئة جبهة الضفة، ويرى أن تلك الأخبار تأتي “ضمن عملية تشويه مبرمجة لسلوك السلطة ومحاولة الضغط عليها وابتزازها وإضعاف ثقة الشارع بها”.
مع ذلك، يقول إن غياب الرواية الفلسطينية المقنعة يهز الثقة بين الشارع والأجهزة الأمنية، ويجعله يثق أكثر برواية الإعلام الإسرائيلي.
وفي المجمل يرى بشارات أن سلوك السلطة وخاصة اعتقال المقاومين “يضر بها كمؤسسة وجدت على طريق التحرر من الاحتلال، وقد يكون ذلك ناتج عن أخطاء ضمن سياسات مبرمجة أو عفوية في ظل عدم وضوح هرمية الأجهزة الأمنية وغياب مرجعياتها وتغييب المجلس التشريعي (البرلمان)”.