القدس المحتلة- وسط الغارات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة والمتواصلة للأسبوع الخامس على التوالي، دون أن يسهم التوغل البري في تحرير الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تعالت في إسرائيل الأصوات التي تدعو لوقف النار وإبرام صفقة تبادل شاملة للأسرى، محذرة من إعادة الاحتلال والاستيطان في القطاع المحاصر.
وتصاعدت مناهضة الحرب على غزة داخل إسرائيل، في وقت تعززت القناعات لدى قطاعات واسعة بأنه لا يمكن حسم معركة غزة بالخيارات العسكرية، مع تصاعد وتيرة احتجاجات عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس بالقطاع ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتداعيات التأخر بإبرام صفقة تبادل تفضي لتحريرهم جميعا.
ويأتي هذا الحراك مع تراجع التأييد الدولي لإسرائيل، والإجماع على أن الدبلوماسية الإسرائيلية فشلت في حشد الدعم الدولي للحرب، وخسارتها معركة الوعي قبالة الفلسطينيين.
“عقيدة الضاحية”
وانضم إلى الحراك الإسرائيلي منظمة “كسر الصمت” أو “شوفريم شتيكاه” وهي منظمة إسرائيلية مناهضة للاحتلال، ومتخصصة بنشر انتهاكات جنود الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967.
واختار مدير المنظمة نداف فايمان تعميم رسالة على المجتمع الإسرائيلي، استعرض من خلالها مشاركته بالقتال في غزة عام 2008. ودعا في رسالته إلى وقف النار وتحرير الأسرى الإسرائيليين، قائلاً إنه “لا حسم عسكريا لمعركة غزة، وبدلاً من تعمد إسرائيل ترحيل الصراع، لا بد من مسار سياسي يضمن إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.
يقول فايمان إنه ما دام الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن نحصل على صورة كاملة لما يحدث على الأرض في غزة، فإن تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين وحجم الدمار بالقطاع تثير بالفعل الشكوك في أن الجيش يتصرف بنفس المبدأ الذي استخدمه في العمليات السابقة، المسمى بعقيدة “الضاحية”.
ولفت إلى أن “الضاحية عقيدة صيغت حول حرب لبنان الثانية، وتتمحور النقطة الأساسية بها حول الهجوم غير المتناسب على المباني المدنية والبنية التحتية”. ويوضح قائلاً “إذا كان هذا هو المبدأ السائد في الحرب على غزة، فإن التفجيرات الضخمة التي تعرضت لها الأسابيع الأخيرة قد استخدمت أيضاً بشكل متعمد لإلحاق الضرر بالممتلكات والبنية التحتية للمدنيين الأبرياء”.
وأشار إلى ما سماه “عقيدة الجولات القتالية” قائلا إنها “لا تهدف للحسم بل للردع، أي تأجيل الجولة القتالية المقبلة التي ستأتي حتما، ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية تختار اليوم الغارات والقصف وبكثافة أكبر مما اختارت أن تفعله بالجولات السابقة” وأضاف “حتى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أوضح أن التركيز ينصب على الضرر وليس على الدقة بإصابة الأهداف”.
ونوّه فايمان إلى أن حكومة اليمين تستغل ظروف الحرب، حيث تتعالى الأصوات من أجل احتلال غزة وإعادة الاستيطان في “غوش قطيف” التي أخليت عام 2005 “وهي الأصوات التي تعكس السياسات الممنهجة لحكومات اليمين تجاه القضية الفلسطينية، والتي أوصلت إسرائيل إلى هذا الواقع، فالحرب على غزة أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وباتت تحظى بتأييد ودعم الرأي العام العالمي الذي خسرته إسرائيل”.
فشل دبلوماسي
في قراءة لسير الحرب على غزة، وتعالي الأصوات المناهضة لها حتى من أكبر الدول والزعماء الداعمين لإسرائيل، يقول محلل الشؤون العربية والفلسطينية بصحيفة “يديعوت أحرونوت” آفي يسسخاروف إن ما يحدث “هو بوادر إنجازات نسبية للمستوى العسكري في الميدان، مقابل فشل ذريع للدبلوماسية والدعاية الإسرائيلية عالمياً”.
ويقول يسسخاروف إنه “على الرغم من سقوط قتلى إضافيين في صفوف قوات الجيش الإسرائيلي خلال العملية البرية في قطاع غزة، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن ما بدأ كأكبر فشل عسكري عرفته إسرائيل، تحول إلى خطوة عسكرية ناجحة نسبياً، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نتجاهل فشل الدعاية الإسرائيلية وانتصار الدعاية الفلسطينية في الساحة الدولية”.
وأضاف أن “ما يتحول أمام أعيننا يعتبر واحداً من أعظم الكوابيس السياسية التي عرفناها على الإطلاق، فالعالم بمعظمه يرانا نحن الإسرائيليين إرهابيين، بينما يصبح يحيى السنوار وقادة حماس مقاتلين من أجل الحرية، ويحظون باحترام في كل أنحاء العالم، بما في ذلك الرأي العام الأميركي والبريطاني، وبالطبع الدول العربية”.
الموقف الأميركي
ومن وجهة نظر عسكرية، يعتقد الخبير بالقضايا الأمنية والعسكرية يوسي ميلمان أن “النية الطيبة للولايات المتحدة بدعم إسرائيل في الحرب على غزة ستنتهي قريبا” وعليه يقول في تقدير موقف بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية “يجب على إسرائيل استخدام هذه النية واستغلالها الآن لتحرير المحتجزين قبل فوات الأوان”.
ويضيف ميلمان “إذا كانت إسرائيل راغبة في الاستمرار بالعمل بكامل قوتها ضد حماس، فيتعين عليها أن تفهم أيضاً أنها لا تخضع لشيك مفتوح من إدارة الرئيس جو بايدن الذي يدخل سنة انتخابية وفترة من استطلاعات الرأي غير المشجعة قبالة دونالد ترامب”.
ويعتقد الخبير الأمني أن على مجلس الحرب أن يكون أكثر مراعاة للحساسيات الأميركية، خاصة فيما يتعلق بالكارثة الإنسانية في غزة، وأن تستغل الحكومة الموقف الأميركي الداعم لمفاوضات صفقة التبادل والتحرك السريع الذي يؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى.
وأوضح ميلمان أنه حتى بدون طلبات أو ضغوط من الولايات المتحدة، فيجب أن يكون لإسرائيل مصلحة عليا في إطلاق الأسرى في أسرع وقت ممكن، واستغلال كل صدع وفرصة لتحقيق ذلك “حتى لو كانت حماس تطالب ليس فقط بهدنة إنسانية، بل أيضا إطلاق السجناء الأمنيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية”.