برلين- مع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر عقدها بين السادس والتاسع من يونيو/حزيران القادم، تشير استطلاعات الرأي إلى أن أحزاب اليمين، وكذلك اليمين الشعبوي وحتى المتطرف، قادرة على تحقيق تقدم كبير.
ويظهر آخر الاستطلاعات التي أجراها موقع بوليتيكو ارتفاعا في شعبية هذه الأحزاب المناوئة للمهاجرين في أكثر من بلد، خصوصًا ألمانيا وفرنسا، حيث يميل الشباب وتحديدًا الذكور إلى دعم اليمين المتشدد.
وتؤكد إيزابيل شوبن، مديرة “مجموعة سياسات الهجرة”، وهي منظمة مستقلة مقرها بروكسل، أن دول الاتحاد الأوروبي شهدت زيادة في مشاعر كراهية الأجانب في السنوات الأخيرة، وترافق ذلك مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة.
وتضيف شوبن للجزيرة نت، أن قضايا الهجرة تم تسييسها إلى حد كبير، واستخدامها من قبل هذه الأحزاب بنية تأجيج التعصب وحتى العنف ضد المهاجرين والعديد من الأقليات.
“منعطف خطير”
في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، فازت مجموعة “حزب الشعب الأوروبي” بالمركز الأول، بحوالي 20% من المقاعد، بعد حصول المجموعة على أكثر من 41 مليون صوت. وتتكون من أحزاب في وسط اليمين، كحزب الشعب النمساوي، والتحالف المسيحي الديمقراطي الألماني، والجمهوريين الفرنسيين.
واتخذت جلّ هذه الأحزاب مواقف متشددة تجاه الهجرة في الآونة الأخيرة بهدف سحب البساط من اليمينيين الشعبويين، الذين حققوا المركز الخامس في تلك الانتخابات بحوالي 20.9 مليون صوت، ضمن مجموعة “الهوية والديمقراطية”، التي ضمت حزب “ليغا” الإيطالي، والحرية النمساوي، و”البديل من أجل ألمانيا”، و”الجبهة الوطنية” الفرنسي، و”الحرية” الهولندي، وكلها أحزاب عُرفت بمواقف معادية للمهاجرين المسلمين.
لكن طموح الشعبويين تعرّض لضربة قوية هذا العام، بعد طرد أعضاء حزب “البديل” الألماني، على خلفية فضيحة اكتشاف جاسوس صيني بين وفده. ومع ذلك فحظوظ الأحزاب المعادية للمهاجرين لا تزال قائمة لتحقيق أرقام قوية.
ويعترف منير ساطوري، وهو عضو فرنسي داخل البرلمان الأوروبي عن مجموعة الخضر، ومن أصول مغربية، أن صعود الأحزاب المحافظة واليمينية واليمينية المتطرفة يهدد البرلمان الأوروبي، كما أن فقدان زخم الأحزاب اليسارية أو الوسطية سيؤثر بشكل خطير على الاتحاد.
ويقول ساطوري للجزيرة نت، إن الاتحاد الأوروبي لا يخاطر فقط باتخاذ منعطف خطير مناهض للهجرة والحرية، ويهدد حقوق التظاهر وحقوق الأقليات والحقوق الفردية في مثل هذه الظروف، ولكنه أيضا يؤثر على الحقوق الاجتماعية والبيئية.
أوروبا مسيحية
تتهم أحزاب أقصى اليمين المسلمين بتهديد القومية المسيحية في القارة، فزعيم حزب الحرية الهولندي خيرت فيلدرز، سبق أن طالب بشكل واضح بإغلاق الحدود في وجه المهاجرين المسلمين، وقدم عام 2018 مشروع قانون لإغلاق المساجد في البلد، ورغم أنه فاز مؤخرا في الانتخابات التشريعية، فإنه تراجع جزئيا عن مواقفه لأجل تشكيل الحكومة بعد فوز حزبه بالمركز الأول.
أما حزب “البديل” الألماني فقد صرّح بوضوح أن “الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا” بل و”يتنافى مع الدستور”، وأن “البلاد مهددة بالأسلمة”، بينما قال ماتيو سالفيني زعيم حزب “ليغا” الإيطالي إن المهاجرين المسلمين ينشرون “معاداة السامية” في بلاده، داعيا إلى التحرك لمواجهة ما أسماها “خلافة إسلامية” في القارة، ما لم ينجح القوميون في الوصول للسلطة.
ورغم أن جلّ الأحزاب اليمينية المتشددة تتحدث عن “الهوية” المسيحية، وتضعها شعارا لمجموعتها في البرلمان الأوروبي، فإن البروفيسور كاي حافظ، أستاذ أبحاث الإعلام في جامعة إرفوت، يؤكد أن هذه الأحزاب تريد إغلاق أوروبا ومنع الهجرة إليها، وأنها “عدوة للمجتمع المتعدد الثقافات”، لافتا في حديثه للجزيرة نت إلى أن أساسهم أيديولوجي عنصري لا ديني مسيحي.
خطر على المسلمين
تحاول هذه الأحزاب بعث رسائل مفادها أنها لن تتبنى سياسات إقصائية ضد المسلمين داخل البرلمان الأوروبي، بحثًا عن محاولة قبولها وتقليل معارضتها من طرف بقية المجموعات السياسية داخل البرلمان.
لكنها مع ذلك لم تتخلّ عن أساس خطابها، وخصوصا أنه يجلب لها ناخبين جددا يتخوفون مما يرونه تزايدا في عدد المهاجرين، وخصوصا المسلمين منهم. وكنتيجة لذلك، تتوسع قاعدتها داخل البرلمانات المحلية والأوروبية، مما يلزم بقية المجموعات السياسية بالتعاون معها.
ويؤكد كاي حافظ أن صعود الشعبويين اليمينيين والمتطرفين سيشكل خطرا على المسلمين، وأن هذه الأحزاب والحركات ترى في الإسلام عدوا رئيسيا لها، وتوقع تقييدا أكبر للهجرة من الدول الإسلامية وللحريات الدينية كنتيجة لفوزها، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الهجمات اللفظية والجسدية ضد المسلمين.
بينما تعتبر إيزابيل شوبن، أن ما تقدمه استطلاعات الرأي من توقعات مقلقة بصعود المتطرفين إلى البرلمان الأوروبي، من شأنه التأثير على التوازن السياسي في تشكيلته الجديدة، وقد تجعل من الصعب عليه تعزيز سياسات الإدماج واحترام حقوق الإنسان.
ومنذ سنوات، يجتهد اليمينيون المتشددون داخل البرلمان لأجل عرقلة الوصول إلى قرارات تمنع الكراهية ضد المسلمين، أو تحقق مطالبهم.
ويرى بعض هؤلاء الأعضاء، ومنهم الفرنسي جون بول غارو، أن إصدار هذه القرارات، كالحق في ارتداء الحجاب، يمثل أداة لتعزيز انتشار الإسلام في أوروبا، دون إدانة ما يقول إنها “انتهاكات” يتسبب بها الإسلام، بحسب سؤال كتابي تقدم به لمجلس أوروبا عام 2022.
ولا يتوقف الخطر هنا، إذ يعتقد منير ساطوري، أن سياسات الجوار ستكون كذلك “ضحية” لصعود هذه الأحزاب؛ إذ سيدفع نجاحها قيادة الاتحاد إلى اتخاذ إجراءات لا تعكس القيم الأوروبية، ومن ذلك التعديلات التي أجرتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بخصوص تونس ومصر، حيث يتم توزيع الأموال دون شرط احترام حقوق الإنسان، في إشارة منها إلى التعاون في مجال مراقبة الهجرة.