القدس المحتلة- تتنافس الأحزاب السياسية الإسرائيلية في ما بينها لتحريك مشاريع قوانين الكنيست يطغى عليها طابع التطرف الديني والقومي والسياسي، وهو ما يعكس توجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين وانحرافه لمزيد من التطرف، ويوضح ملامح وهوية التوجه الإسرائيلي الجديد بعد “طوفان الأقصى”.
وتحت ذريعة الحرب على غزة و”أنظمة الطوارئ”، شرّع الكنيست رزمة من القوانين التي تسلب الحريات وتقيد حقوق الإنسان، بالإضافة لتشريعات تحمل في طياتها مضامين تطرف سياسي وديني، حيث صودق بأغلبية ساحقة على قانون يحظر الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطين.
كما صادق الكنيست بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يعد وكالة الأونروا “منظمة إرهابية”، ومشروع قانون أنظمة الطوارئ، الذي يمنع المحتجزين والأسرى خلال الحرب من الاتصال بمحامين، وصادق بالقراءة الأولى على مشروع قانون يمنع فتح بعثات دبلوماسية في القدس لتقديم خدمات للفلسطينيين.
ولم تتوقف تشريعات البرلمان عند المسار السياسي وجوانب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل يسعى رئيس حزب “عظمة يهودية” وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى التركيز على الجوانب الدينية، حيث يحرك مشروع قانون فرض الإحلال الديني في المسجد الأقصى تحت عنوان “عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل”.
وفي ظل التصعيد التي تشهده فلسطين والتوتر الإقليمي في الشرق الأوسط، سارع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تأجيل مداولات الكنيست بالوضع القائم بالمسجد الأقصى، إذ تعمد بن غفير إدراج مشروع القانون للنقاش بالتزامن مع ما يسمى بـ”يوم توحيد القدس” و”مسيرة الأعلام”.
صراع قومي وديني
يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن الكنيست الحالي -وحتى قبل طوفان الأقصى- يعد الأكثر تطرفا على المستويين القومي والديني، وهذا انعكس على ما تسمى خطة “الإصلاح القضائي” التي اعتبرت خطة انقلابية على المنظومة القضائية الإسرائيلية.
وأوضح شلحت للجزيرة نت أن التيار السائد والمهيمن على المشهد السياسي بإسرائيل هو تيار الصهيونية الدينية المتطرفة، وهو صاحب طرح وأيديولوجية خطة حسم الصراع مع الفلسطينيين، وأن “أرض إسرائيل للشعب اليهودي”.
ولفت إلى أن تيار الصهيونية الدينية يدفع من وراء الكواليس لاعتماد التعاليم التوراتية والتلمودية وتفسيرات الحاخامات لتكون حجر الأساس في دستور إسرائيل، وذلك بدلا من القوانين المعمول بها والتي تتعلق بحقوق الإنسان.
وأكد شلحت أن اليمين المتطرف، ارتباطا بالحرب على غزة، دفع قدما بالقوانين المتطرفة دينيا وقوميا، وضرب مثالا بالتصويت على قانون منع الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطين، حيث حظي بتأييد 99 من أعضاء الكنيست، قائلا إن “ذلك يدل إلى أين تتجه الرياح بالساحة السياسية والحزبية بإسرائيل من الناحية القومية والدينية”.
وبشأن كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى، يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي إن الأوساط اليمينية المتطرفة تعده “جبل الهيكل”، وتعارض الوضع القائم في ساحات المسجد الذي ترعاه الأردن، حيث يسعى تيار الصهيونية الدينية إلى اختراق هذا الوضع وتقنينه، “ويبقى السؤال إذا ما كان الجو العام بالكنيست يسمح بمثل هذه القوانين”.
ويعتقد شلحت أن تشريع أي قوانين من شأنها أن تخترق الوضع القائم بالأقصى ستكون ذروة جديدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ليأخذ طابع الصراع الديني، لافتا إلى أن المشروع الصهيوني القائم على أسس ومعتقدات علمانية أصبح أسيرا للفكر الديني التوراتي.
وعزا شلحت ما يمر به المشروع الصهيوني من تغييرات إلى كون كافة الدعاوى التي تطرحها الصهيونية سواء “الوطن القومي اليهودي” و”الدولة اليهودية” و”أرض إسرائيل الكبرى”، كلها دعاوى تستند إلى أطروحات دينية وتوراتية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن شلحت شكك في إمكانية تشريع الكنيست تقنين الوضع القائم بالأقصى واعتباره “هيكلا” ومكانا مقدسا لليهود، ورجح أن مثل هذه القوانين ستخلق أزمة دبلوماسية مع الأردن والمغرب، وقد تؤدي إلى إلغاء اتفاقيات السلام.
وحيال ذلك، يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي إن نتنياهو سارع للإعلان عن مناقشة مكانة الأقصى في الكنيست واحتواء بن غفير، في محاولة من رئيس الوزراء للهروب إلى الإمام، لتفادي أزمة دبلوماسية مع العالمين العربي والإسلامي لا تمكن معرفة تداعياتها.
أحداث آخر الزمان
الطرح ذاته تبناه المحامي المختص في قضايا القدس والأقصى خالد زبارقة، الذي أوضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تدير الأمور من منظور ديني تلمودي للأحداث المستقبلية، لافتا إلى أن مكتب رئيس الوزراء يستعين بمجموعة من الحاخامات ليكونوا مستشارين لنتنياهو بكل ما يتعلق بالمنظور التوراتي للأحداث.
وأشار زبارقة للجزيرة نت إلى أن السياسية الإسرائيلية الحالية ترتكز بشكل كبير جدا على المفاهيم التلمودية والتوراتية لأحداث آخر الزمان، ويقول إنه بناء على ذلك تكثر المفردات الدينية في خطاب نتنياهو أكثر من السابق، وكذلك بات جميع الوزراء بالحكومة يعتمدون مفردات دينية واقتباسات توراتية، هذا عدا عن خطابات وزراء وحاخامات الصهيونية الدينية.
ولفت إلى أن عديدا من الوزراء وأعضاء الكنيست العلمانيين والليبراليين أصحبوا يتحدثون بلغة دينية توراتية، ويعتمدون مفردات تلمودية، وهو ما يشير إلى هيمنة هذه المفاهيم على سلوك ونهج وقرارات الحكومة الإسرائيلية من منطلق المفهوم الديني التلمودي لأحداث ومآلات آخر الزمان.
وعزا المختص في قضايا القدس والأقصى ما وصلت إليه الساحة السياسية الإسرائيلية من تعزيز المنطلقات الدينية والمفاهيم التوراتية في الخطاب الإسرائيلي العام إلى تعزز القناعات لدى الإسرائيليين بالوصول إلى “مرحلة الحسم”، وعلى هذا الأساس فهم يروجون منذ بداية الحرب على غزة الاقتباسات الدينية والتوراتية لتبرير استمرار الحرب.
وأشار إلى أن كبار الحاخامات، وتحديدا في “الصهيونية الدينية”، يؤمنون أنه على الرغم من الأوضاع الصعبة التي يعيش بها اليهود في فلسطين، وغرقهم في القضايا المصيرية، فإن هذا سيؤدي بهم إلى الخلاص، ويؤمنون أنه ستأتي معجزة لتنقذهم من حالة الضياع التي يعيشونها بهذه المرحلة.
ولفت إلى أن مجموعة الحاخامات التي تقود إسرائيل في هذه المرحلة، ترى بالحرب على غزة فرصة للقضاء على الفلسطينيين، ويرون أن هذه المرحلة المناسبة للقفز نحو الأمام بالقضايا المصيرية، بكل ما يتعلق بهوية إسرائيل بوصفها دولة يهودية توراتية، والمفهوم الديني التلمودي لـ”جبل الهيكل” والأقصى والقدس.
لكن زبارقة يعتقد أن التطرف الديني الذي تشهده الخارطة السياسية الإسرائيلية ستكون له تداعيات سلبية على إسرائيل أكثر منه على الفلسطينيين، قائلا إن “اقتحام الأقصى ومسيرة الأعلام واعتداءات المستوطنين على الأماكن المقدسة، وحرب الإبادة وجرائم الحرب لا تحرك فقط مشاعر العرب، بل تثير مشاعر الغضب ضد إسرائيل حول العالم”.