جنين- تواسي عبير غزاوي نفسها وهي تنظر إلى عدد من الصور المحيطة بها والموضوعة على الحائط لولديها الشهيدين محمد وباسل غزاوي، اللذين اغتالتهما قوات خاصة إسرائيلية قبل قرابة 40 يوما داخل مستشفى ابن سينا في مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
شعرت عبير (41 عاما) وزوجها بخلو المنزل بعد اغتيال أبنائهما، وأصبحت تقضي معظم وقتها وحيدة مع صورهما، ورغم دخول شهر رمضان المبارك، لم يختلف حال عبير أبدا ولم يتغير شيء من نمط يومها المستمر منذ يوم استشهاد ولديها، سوى بمزيد من الألم والحزن والإحساس بالفقد والشوق لهما.
رمضان بلا سحور
“يا ليت رمضان لم يأت”، تقول عبير وهي تغالب دموعها، وتصف للجزيرة نت كيف استقبلت أول أيام الشهر الفضيل بعد استشهاد محمد وباسل “حين أُعلن ثبوت هلال رمضان، أحسست بالاختناق، ولم أستطع البقاء في المنزل، خرجت وحدي إلى الشارع، مشيت في المخيم، كنت أمشي في الطرقات التي اعتاد محمد وباسل المشي فيها، بقيت في الخارج أمشي لمدة ساعة كاملة، قبل أن يتصل بي أصدقاء محمد ويخبرونني بنيتهم لزيارتي وتهنئتي بقدوم رمضان”.
تغالب عبير دموعها، وبصوت باكٍ تقول “ليلة رمضان الأولى، سمعت صوت المسحراتي يطرق بابنا وينادي علينا لنستعد للسحور، أغلقت أذناي، لا أريد سماعه، ولم أتسحر، تذكرت باسل، كان يخرج كل ليلة من رمضان مع المسحراتي يجوبان شوارع المخيم ويوقظان الناس بالتسبيح والتهليل والإنشاد، وكان محمد يصر على تجهيز السحور معي، أين هم الآن؟ قتلوهم وتركوني مع ذكرياتهم، لذا لم تستيقظ عائلتي على السحور منذ ليلة رمضان الأولى”.
وفي اليوم الأول، لم تشعل عبير موقد النار، تقول إنها لم تطبخ، وأن اليومين التاليين كان تحضير الفطور يقتصر على الحواضر الموجودة في البيت، “لمن سأطهو الطعام؟ أنا وزوجي لا نستسيغه منذ رحيل أبنائي، وابنتي الوحيدة الموجودة معي في المنزل، تقضي غالبية وقتها في غرفتها، لقد انتهت حياتي باستشهاد محمد وباسل”.
المخيم حزين
كثر الفقد في مخيم جنين، ويكاد لا يخلو منزل فيه من شهيد على الأقل، فهناك أكثر من 100 أسرة في محافظة جنين قضت أيام رمضان الأولى دون أبنائها الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي منذ نهاية رمضان الفائت وحتى اليوم، ما جعل رمضان هذا العام مختلفا بشكل جذري عن الأعوام السابقة، ويمكن للسائر في أزقة المخيم ملاحظة الاختلاف، فقد اختفت الزينة من الشوارع، وقلّت الحركة فيها، وتلاشت مظاهر السهر والجَمْعات الرمضانية التي كانت تميز المخيم في كل ليلة بعد الإفطار.
يقول الأهالي إن المخيم كله حزين، وأن كل عائلات المخيم لم تستقبل رمضان بالشكل المعتاد، فكثير من شباب المخيم استشهدوا، وعدد آخر منهم مهدد بالاغتيال أو الاعتقال، كما أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة ألقت بتأثيرها في نفوس الناس هنا.
تقول عبير غزاوي “زارني الأطفال في أول أيام الشهر الفضيل، حدثوني عن ذكريات رمضان مع باسل، قالوا إنه وزّع على أطفال المخيم الفوانيس المضيئة في رمضان الفائت، وأنه شاركهم في تعليق الزينة على مداخل المنازل، اليوم لا توجد زينة في المخيم، الكل اتفق على ألا تتزين البيوت والشوارع وألا تُضاء”.
وتذكر عبير أن ابنها باسل أصيب قبل 6 أشهر من اغتياله إصابة خطرة أفقدته القدرة على المشي، وأُجبر على المكوث في المستشفى لتلقي العلاج، وكان يرافقه طوال فترة علاجه شقيقة محمد، وتقول إنهما كانا قبل شهرين من قدوم رمضان يخططان له وكيف سيقضيانه، وأنهما قررا أن يصوما رمضان خارج المستشفى بعد استكمال علاج باسل.
إفطار مع الذكريات
وفي الحارة الشرقية من مخيم جنين، كنا بانتظار أم عمار حنون أمام باب منزلها الذي عادت إليه، بعد أن قضت الليلة الأولى من رمضان في منزل ابنتها في منطقة خروبة في مدينة جنين، لتخبرنا أن ابنتها أصرّت أن تبيت عندها، بعد أن أصبحت وحيدة منذ استشهاد نجلها ياسر حنون قبل حوالي أسبوعين، بقصف صاروخي على سيارته داخل المخيم.
تقول أم عمار “أنجبت 3 بنات وشابين، أحدهما استشهد عام 2006، والآخر ياسر اغتيل بطائرة مسيرة قبل أسبوعين، بناتي متزوجات وأنا أعيش وحدي في هذا المنزل، تحاول بناتي قضاء الوقت معي، لكن بالنهاية أصبحت وحيدة”.
كان ياسر يؤنس وحدة والدته، ويقوم على خدمتها وشراء حاجياتها، وتقول إن “رمضان كان مختلفا بوجوده”، حيث كان يستعد لقدومه بشراء كل ما تطلبه منه، وكان يطلب منها عددا من الأطباق المفضلة لديه كالمحاشي والمقلوبة الفلسطينية.
وتضيف “حتى في الأيام التي تمت مطاردته فيها، كان يطلب مني إعداد وجبة الفطور له ولأصدقائه المقاومين، كان يخرج كل ليلة للرباط على حواجز المخيم، ويقضي ليالي رمضان مع بقية أفراد الكتيبة، اليوم أنا أتنقل بين منازل بناتي ساعة الفطور، في أول يوم من رمضان أفطرت واحدة منهم عندي في المنزل؛ لأني قررت أن أقضي أول يوم هنا بجوار ياسر وذكرياته”.