كيف حال مستشفيات الجنوب اللبناني الحدودية في زمن الحرب؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

جنوب لبنان- منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، سارعت مستشفيات البلدات الحدودية بالجنوب اللبناني، مثل مستشفى بنت جبيل، وميس الجبل، ومرجعيون، وحاصبيا، إلى وضع خطط طوارئ استعدادا لاحتمال تصاعد المواجهات العسكرية.

وبعد مرور أكثر من 7 أشهر على بداية المواجهات على جبهة الجنوب، تواجه هذه المستشفيات الحكومية، واقعا صعبا، لكنها ما زالت صامدة وتواصل تقديم خدماتها الطبية والاستشفائية.

“رغم كل المصاعب والأوضاع، نحن مستمرون ولن نغلق المستشفى مهما كانت الظروف”، يؤكد مدير مستشفى مرجعيون الحكومي مؤنس كلاكش للجزيرة نت، ويقول إنهم يقدمون كافة الخدمات الطبية في جميع الأقسام رغم التحديات العديدة التي يواجهونها.

مسنة ترقد جريحة في أحد المستشفيات بعد قصف منزلها في النبطية جنوب لبنان (الفرنسية)

تحديات

وتعود هذه التحديات -بحسب كلاكش- إلى الانخفاض الكبير في نسبة المستشفى التشغيلية من نحو 80% إلى 20% نتيجة نزوح الأهالي من مناطق متعددة في مرجعيون إلى مناطق أكثر أمانا، فيما يعتمد المستشفى على التمويل الذاتي.

أما التحدي الثاني فهو نقص عدد الأطباء والموظفين خاصة في الأقسام التمريضية والإدارية، نتيجة هجرة بعضهم منذ بداية الأزمة الاقتصادية في عام 2019، وقد تفاقم هذا الوضع مع بداية العدوان الإسرائيلي في الجنوب.

وشكا مدير مستشفى مرجعيون من أن الشركات الكبرى لا ترسل المستلزمات الطبية والأدوية إلى المنطقة، مما يجبر الإدارة على تكليف شخص بتأمينها من صيدا والنبطية أو العاصمة بيروت. وأشار إلى أنهم استطاعوا الحصول على دعم من بعض الجهات الدولية ووزارة الصحة العامة، مما يساهم في ضمان استمرارية عملهم.

بدوره، يواجه مستشفى حاصبيا الحكومي وضعا دقيقا لا تخفيه مديرته سماح البيطار، التي عبرت عن قلقها إزاء التوتر المتفاقم الذي يؤثر بشكل كبير على استمرارية وجودهم إلى جانب المرضى. وتقول للجزيرة نت إنهم يعانون من نقص عدد الأطباء القادمين من مناطق مختلفة، وندرة المستلزمات الطبية والأدوية بسبب صعوبة الوصول نتيجة خطورة الطرقات.

كما يواجهون نقص المساعدات العينية مثل الأكسجين والكهرباء، مما أدى إلى إغلاق وحدة العناية الفائقة في المستشفى. أما التحدي الأكبر، بوصف البيطار، فيكمن في مشكلة تغطية نفقات العلاج من جانب الجهات الضامنة مثل وزارة الصحة وغيرها، التي لا تقوم بدفع فواتير العلاج مباشرة، ويواجه المستشفى تأخيرا كبيرا في استلام المدفوعات من الجهات الضامنة.

وتلفت البيطار إلى أن أهمية مستشفى حاصبيا تتجلى في موقعه الإستراتيجي، إذ يجمع بين قربه من الحدود وبعده في الوقت ذاته، ولكنه لم يتعرض حتى الآن إلى اعتداء مباشر. وبفضل موقعه القريب، يمكن الوصول إليه بسرعة في حال تعرض أي شخص للإصابة، مما يضمن تقديم الرعاية الطبية اللازمة بشكل فوري.

صورة من مستشفى تبنين الحكومي
تواجه مستشفيات البلدات الحدودية، واقعا صعبا، لكنها ما زالت صامدة وتقدم خدماتها الطبية والاستشفائية (الجزيرة)

صمام أمان

ورغم التحديات، تمكن القائمون على مستشفى حاصبيا -في الشهرين الأخيرين- من افتتاح قسم غسيل الكلى، وإنشاء مركز -قبل 6 أشهر- لمتابعة النساء الحوامل خلال فترة الولادة وبعدها، وإعادة تأهيل قسم المختبر وصيانته، وفق مديرته سماح البيطار.

توجد مستشفيات حدودية أخرى على خط النار الثاني الأقرب إلى بنت جبيل، ومنها مستشفى تبنين الحكومي ومستشفيات النبطية وصور. تليها صيدا، التي تقع على الخط الثالث، وتبعد أكثر من 70 كيلومترا.

ويوضح رئيس الإدارة الإدارية والمالية في مستشفى تبنين محمد عواركة للجزيرة نت أن المستشفى يعتبر اليوم صمام أمان صحيا وحيويا في المنطقة. ويضم 85 سريرا، بنسبة تشغيلية تصل إلى حوالي 95%، وأكثر من 200 موظف بين إداريين وممرضين، ونحو 75 طبيبا.

وبحسب عواركة، وضع المستشفى -منذ البداية- خطة طوارئ شاملة لمواجهة أي تحديات، ويؤكد أنهم مستمرون في تقديم خدماتهم للأهالي الصامدين من المقيمين والنازحين. كما تعمل كافة الأقسام بشكل كامل، ويواجه قسم الطوارئ والعمليات ضغطا كبيرا في ظل العدوان الحالي.

ويضيف أنه في مجزرة “حولا”، شهد المستشفى وصول أعداد كبيرة من الإصابات، تنوعت بين طفيفة ومتوسطة وخطيرة، بالإضافة إلى حالتين استدعتا عمليات جراحية. فقدموا الرعاية اللازمة للمصابين وفقا للخطة التي وضعوها منذ البداية.

ومنذ بداية الحرب حتى الآن، استقبل مستشفى تبنين 170 حالة، تتضمن شهداء وجرحى، ويقول عواركة إنهم لم يواجهوا صعوبات في معالجة الإصابات أو تحويلها إلى مستشفيات أخرى. وأوضح أن الإصابات الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية هي “تكاليف إضافية على نفقة وزارة الصحة”.

وأشار إلى أنهم واجهوا صعوبات في تغطية هذه النفقات، وتم التواصل مع وزير الصحة فراس أبيض، الذي تعهد بزيادة السقف المالي لتمكينهم من تلبية احتياجات العلاجات الناجمة عن زيادة أعداد الإصابات.

تعاني الصيدليات الحدودية من نقص في تأمين الأدوية
تعاني صيدليات الجنوب اللبناني الحدودية من نقص الأدوية (الجزيرة)

مسؤولية مشتركة

وحتى الآن، لم يواجه مستشفى تبنين نقصا في المستلزمات الطبية أو الأدوية، إلا أن الصيدليات الحدودية تواجه صعوبات في تلبية احتياجاتها من الأدوية والمستلزمات بسبب خطورة الطرقات الحدودية.

وتقول هدى مقلد في صيدلية “حمود” في تبنين قضاء بنت جبيل للجزيرة نت إن هناك صعوبات كبيرة بسبب الوضع الأمني الحالي، الذي حال دون وصول مندوبي شركات توزيع الأدوية إلى القرى الحدودية، مما أسفر عن نقص ملحوظ فيها.

وتضيف أن التسليم يكون بشكل غير منتظم رغم أن بعض المستودعات تسلم الأدوية، مما يؤدي إلى تأخير الطلبات لفترات طويلة، وفي بعض الحالات، تكون الأدوية غير متوفرة بشكل كامل، مما تسبب في تقليل كفاءة عمل الصيدليات.

في بلدة السلطانية بقضاء بنت جبيل في محافظة النبطية، يقول صاحب صيدلية “السلطانية” ياسر ياسين إن الوضع صعب للغاية، حيث يواجهون أسوأ أزمة منذ أكثر من 7 أشهر، مع فقدانهم نصف الأدوية، كما لم يقم وكلاء شركات الأدوية بتوفيرها وتوصيلها.

ويتابع ياسين للجزيرة نت أنهم يقومون بصرف أدوية بديلة للمرضى، والتي تتمتع بالمادة والفعالية نفسها، لكن من شركات أخرى.

في السياق، أشار نقيب الصيادلة جو سلّوم للجزيرة نت إلى أن نصف الصيدليات في مناطق الجنوب أغلقت بسبب الوضع الأمني على الحدود، وتعرض بعضها لإصابات مباشرة، في حين يواصل البعض الآخر العمل “باللحم الحي”، وفق تعبيره.

ويضيف أن هذه الصيدليات باتت تعتمد على نفسها في شراء الأدوية من بيروت، بسبب امتناع مندوبي شركات التوزيع عن الوصول إلى تلك القرى، مما جعل الصيادلة يواجهون خسائر في أرباحهم بسبب تكلفة الذهاب إلى العاصمة.

وبرأيه، فإن المسؤولية مشتركة مع الدولة اللبنانية، “وعليها تقديم دعم مالي أو تعويضات للصيادلة الذين يتكبدون خسائر تفوق قدرتهم، وتؤثر على استمراريتهم”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *