برلين– تعمل اللوبيات الداعمة لإسرائيل بشكل قوي في الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا، حيث تستغل الخصوصية التاريخية للأخيرة ومسؤوليتها عن الجرائم النازية بحق اليهود، لكسب المزيد من مواقف الدعم والتأييد من برلين لمصلحة إسرائيل.
وإذا كانت هذه الجماعات في الولايات المتحدة تعتمد أساسا على المال وعلى شبكة العلاقات مع الديمقراطيين والجمهوريين، فهي تعتمد في ألمانيا على المعطى التاريخي الذي يكبّل السياسة الألمانية، ويعد عاملا أساسيا في تحوّل “أمن إسرائيل” إلى “مصلحة وطنية عليا” في ألمانيا.
وتؤكد السجلات العامة وجود جماعات ضغط تدعم إسرائيل. لكن هذه السجلات لا تضم الجميع، خصوصا أن جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل لا تكون بالضرورة جمعيات مسجلة، بل قد تكون هيئات دينية.
المجلس المركزي لليهود
هو أكبر هيئة تمثل اليهود في ألمانيا، لكن عوض التركيز على أوضاع الجالية اليهودية في البلاد والدفاع عن قضاياها، أو الدفاع عن الديانة اليهودية في حد ذاتها، فإن هذه الهيئة تتخذ مواقف في السياسة الخارجية لألمانيا.
يعلن المجلس بوضوح دعمه المطلق لإسرائيل باعتبارها “دولة يهودية”، مما يجعل عددا من اليهود داخل ألمانيا، خصوصا اليسار، يرفضون تمثيله لهم، خصوصا أن نصف يهود ألمانيا غير مسجلين ضمن الجالية اليهودية التي يفترض أن المجلس يمثلها.
وحسب الموقع الإلكتروني للمجلس فهو “يقف ضد أي شكل من أشكال الشيطنة ونزع الشرعية وتطبيق المعايير المزدوجة تجاه الدولة اليهودية الوحيدة”. لا يُعترف بالمجلس كلوبي في ألمانيا، كونه مؤسسة ضمن مؤسسات القانون العام، وليس منظمة غير حكومية، لكن استفادته من رمزية تمثيل اليهود تجعله مؤثرا في المجال السياسي.
ويصل دعم المجلس لإسرائيل درجة جمع التبرعات لصالح الجيش الإسرائيلي، كما وقع في العدوان الحالي على قطاع غزة، رغم أن هذه الأموال تُستخدم في أعمال قتالية، كما طالب الحكومة الفدرالية بوقف كل أشكال الدعم المالي الموجهة للفلسطينيين بشكل فوري غداة هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، رغم أن جزءا كبيرا من هذا الدعم موجه حصرا للشؤون الإنسانية.
ويمارس المجلس ضغوطا على الأحزاب، وسبق أن اتهم أعضاء من حزب اليسار بمعاداة السامية لمواقفهم المنتقدة لإسرائيل. تصل الضغوط كذلك إلى المنظمات غير الحكومية، ودعا المجلس مؤخرا فرع حركة “جمعة من أجل المناخ” في ألمانيا إلى النأي بنفسها عن الحركة الدولية بعد تضامن هذه الأخيرة مع غزة.
المفكرون المنتقدون لإسرائيل، ولو كانوا يهودا، بدورهم في مرمى المجلس، ومنهم الفيلسوفة الأميركية جوديث بتلر، وكذلك لاعبو كرة القدم، كالمغربي نصير مزراوي بسبب تمنيه النصر للفلسطينيين. فضلا عن الإعلام، كمجلة “دير شبيغل” التي اتهمها المجلس بـ”استخدام كليشيهات معادية للسامية” ردا على تحقيق كشف كيف استخدمت منظمتان داعمتان لإسرائيل -سيأتي ذكرهما لاحقا في هذا التقرير- نفوذهما في البرلمان الألماني.
كما يحظى المجلس بدعم كبير من السلطات الألمانية، وينسق مع الحكومة على أعلى مستوى. ووافق البرلمان الألماني مؤخرا على رفع الدعم المخصص له من 13 مليون يورو إلى 22 مليونا، علما أن المبلغ كان في حدود 10 ملايين قبل عام 2018.
جمعية مبادرة القيم (WerteInitiative)
تأسست عام 2018، على يد إليو أدلر، وهو طبيب أسنان. تقول الجمعية إن هدفها الرئيسي هو التعبير عن المواقف الألمانية-اليهودية، وإنها منظمة يهودية ترغب بضمان مستقبل يهودي في ألمانيا، لكن جل عملها يركز على دعم التوجهات الإسرائيلية.
كشف تحقيق “دير شبيغل” أن الجمعية شنت حملة لتصنيف حركة مقاطعة إسرائيل “بي دي إس” (BDS) معادية للسامية. تقول المجلة إن 103 من أصل 700 نائب برلماني كانوا غير متفقين مع هذا القرار، بحكم أنه سيؤثر على التعاون مع المنظمات الفلسطينية، لكنهم لم يستطيعوا الوقوف ضده حتى لا يُتهموا بمعاداة السامية.
تعمل هذه المنظمة على إيجاد متبرّعين لعدد من شخصيات الأحزاب الألمانية، والهدف أن يعبروا عن مواقف تتماشى مع السردية الإسرائيلية، فضلا عن نشر مطالب لمزيد من التضييق على الفلسطينيين.
لا تقدم الجمعية في بياناتها المنشورة في سجل اللوبيات معلومات مفصلة عن طبيعة أنشطتها المادية، لكنها تؤكد أنها حصلت على مداخيل تجاوزت 877 ألف يورو عام 2022، وجل الدعم مصدره وزارة الداخلية الألمانية.
🇮🇱❤️ Our hearts are with the people of Israel 💔#AmIsraelChai! pic.twitter.com/3EQtxywpS3
— WerteInitiative. jüdisch-deutsche Positionen (@WerteInitiative) October 7, 2023
منتدى سلام الشرق الأوسط (Naffo)
منظمة تعرّف نفسها أنها “تجمع المواطنين الألمان الملتزمين بالتنمية السياسية والاجتماعية السلمية في الشرق الأوسط”، ولذلك “تدخل في حوار منتظم وموجه نحو المستقبل مع صناع القرار السياسي في ألمانيا”. وتوضح أنها تدعو إلى “حق إسرائيل غير القابل للانتهاك في الوجود”.
تجتمع هذه المنظمة بشكل مستمر مع ممثلين عن الأحزاب الألمانية الكبرى، وهي كلها داعمة لإسرائيل، وتحاول إقناعهم بإجراء زيارات إلى إسرائيل، كما تلتقي بمسؤولين من السفارة الإسرائيلية، وتركز في لقاءاتها على ترديد الرواية الإسرائيلية رغم زعمها أنها تؤمن بحل الدولتين. وقد وردت في تحقيق “دير شبيغل” المذكور آنفا.
منظمة “سلام الشرق الأوسط” مسجلة بشكل رسمي في قاعدة بيانات اللوبيات المرخص لها داخل البرلمان الألماني، وبلغت ميزانيتها عام 2020 حوالي 269 ألف يورو، جلّها من اشتراكات الأعضاء والتبرعات، لكن هناك توقعات أن تكون الميزانية أكبر بحكم طبيعة أنشطتها.
تأسست عام 2009، لكن نشاطها يغيب بشكل كبير عن وسائل الإعلام، إذ كانت تركز في عملها على الكثير من السرية، خصوصا إجراء لقاءات مع السياسيين الألمان، وهو ما تؤكده رئيستها التنفيذية مريم روزنشتاين في حوار سابق. وضمن مجلسها التنفيذي، كان يوجد كذلك إليو أدلر، الذي أسس جمعية “مبادرة القيم”، قبل انسحابه.
الجمعية الألمانية-الإسرائيلية (DIG)
الفرق الأكبر بينها وبين الجمعيتين السابقتين أنها تعمل كثيرا في العلن. تعلن بوضوح دفاعها عن إسرائيل وعن الصهيونية. قامت مؤخرا بحملة لجمع التبرعات لصالح إسرائيل بدعوى أن هناك حربا ضدها. كما تدعم التوجهات الخارجية لإسرائيل، وتتوافر كذلك على منتدى للشباب ينشط في عدة جامعات.
تعد الجمعية من أقدم اللوبيات في ألمانيا، إذ تأسست عام 1966، وتتلقى دعما كبيرا من وزارة الخارجية الألمانية، وصل عام 2022 إلى 550 ألف يورو، لا تكشف في سجل اللوبيات عن موازنتها المالية، لكن من المتوقع أن تكون المداخيل أكبر، بحكم أنها تضم على الأقل 5 آلاف عضو.
رئيسها فولكر بيك، هو ضيف متكرر على القنوات الألمانية، كما يدعو باستمرار للمشاركة في المظاهرات المؤيدة لإسرائيل. وينشط بقوة على مواقع التواصل، وينتمي إلى حزب الخضر المهتم بالبيئة، علما أن عددا من أحزاب البيئة في أوروبا تدافع عن الفلسطينيين.
يضغط بيك على الأعضاء داخل حزب الخضر بما يمنعهم من اتخاذ مواقف تنتقد إسرائيل، ويركز في حملاته على المنظمات الإسلامية، وطالب مؤخرا بأن تشترط الدولة على كل جمعية إسلامية راغبة بالشراكة معها، أن تعترف بـ”حق إسرائيل في الوجود وأمنها”، كما تمارس جمعيته ضغوطا كبيرة على الجهات الداعمة للفلسطينيين.
معهد تيكفاه ( Tikvah)
كلمة “تيكفاه” عبرية وتعني الأمل. تأسست هذه المنظمة عام 2020، ودورها لا يزال متواضعا لكن يترأسها فولكر بيك أيضا الذي يرأس بالفعل الجمعية الألمانية-الإسرائيلية. تعمل هذه المنظمة حسب موقعها على مواجهة معاداة السامية، ومن ذلك ما يتعلق بإسرائيل، إذ ترغب بـ”تعزيز علاقة ودية بين إسرائيل -الدولة اليهودية- وألمانيا”.
تعمل المنظمة على نشر أبحاث ودراسات وكذلك “تعزيز المقترحات التشريعية”، ومن مشاريعها تحليل التغطية الإعلامية المتعلقة بإسرائيل، ولذلك تنتقد علنا الإعلام الألماني في حال لم تناسب تغطيته معاييرها. حصلت المنظمة على دعم من 3 جهات ألمانية على الأقل عام 2022، أكبرها من وزارة الداخلية بحوالي 300 ألف يورو.