كابل – في سابقة من نوعها، تستخدم الحكومة الأفغانية التي تتزعمها حركة طالبان منصات التواصل الاجتماعية مثل فيسبوك وإكس ويوتيوب، أكثر من غيرها، “لإدارة الرأي العام” في أفغانستان.
بعد سيطرة طالبان على كابل في 15 أغسطس/آب 2021، أطلقت الحركة في البداية حملة علاقات عامة لصياغة صورة مختلفة عنها، لتنأى بنفسها عن إرثها ومواقفها من المرأة وعملها وتعليمها، وتحت أنظار وسائل الإعلام الدولية، حاولت حركة طالبان الظهور بمظهر معتدل، وامتنعت عن اتخاذ موقف صارم علني بشأن قضايا متعددة.
يقول الصحفي الأفغاني جاويد دراني- للجزيرة نت- إن “ما يميز الفترة الثانية لحكم طالبان أن أمورا كثيرة اختلفت مقارنة بالمرحلة الأولى، طالبان تعتمد الآن، وعلى نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وتدرك تأثيرها في فرض مواقفها على الشارع الأفغاني، وينظرون على أنها منصات مهمة لإيصال صوتها إلى الشعب”.
نهجٌ جديد
تحظى وسائل التواصل الاجتماعي بالاهتمام من قبل الحكومة الأفغانية التي تتزعمها حركة طالبان، لأنها تتمتع بالقدرة على تنسيق وتوجيه الرأي العام على مستوى الجماهير الكبيرة، وفي وقت قصير، وأظهرت التقديرات أن 89% من الأفغان لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت عبر هواتفهم المحمولة.
تدرك حركة طالبان أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في التأثير بالرأي العام ومصير حكومتها، وهي تستفيد اليوم من هذه الشبكات إلى أقصى حد، وفي حين يواجه حكم طالبان لأفغانستان تساؤلات كثيرة، ويتعرضون لضغوط جدية من الرأي العام، لكنها باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي مثل إكس ويوتيوب وفيسبوك، تحاول حركة طالبان إدارة الرأي العام من ناحية ودحض الدعاية ضدها من ناحية أخرى.
يقول خبير شؤون الإعلام في أفغانستان رستم أوريا للجزيرة نت إن “طالبان تسعى لتحقيق أهداف محددة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ومحتوى دعاية طالبان في شبكات التواصل الاجتماعي له محوران: الدفاع عن الدين، وإظهار الحكم الرشيد في أفغانستان”.
غيرت حركة طالبان نهجها الإعلامي بعد عام 2001، وأصبحت لا تمنع وسائل الإعلام من العمل بشكل عام، لكنها تفرض المزيد من القيود والسيطرة، في محاولة للحصول على الشرعية.
يقول الكاتب الأفغاني حكمت جليل -للجزيرة نت- إن “طالبان حققت نجاحا أكبر في ساحة المعركة الدعائية مقارنة بالحكومة الأفغانية السابقة والقوات الأجنبية، بسبب عدم وجود تنسيق مع نهج دعائي ضد حركة طالبان، وبدأت الحركة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي عام 2009”.
البداية من تلغرام
كانت منصة تلغرام واحدة من أولى وسائل التواصل الاجتماعي التي تمكنت حركة طالبان من الوصول إليها، وبدأت في استخدامها، وقامت بإنشاء القنوات فيها لنشر أخبارها وأنشطتها العسكرية، وفتحت قنوات التواصل مع الإعلام والمراسلين المحليين والأجانب، ورغم أن هذه المنصة كانت من أكثر الشبكات استخداما من قبل الحركة، فإنها حاليا لا يتم استخدامها على نطاق واسع.
وعلى الرغم من مرور نحو 17 عاما على إنشاء هذه المنصة، فإنها لم تستخدم كثيرا في أفغانستان حتى عام 2018، لكن وبعد بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في العاصمة الدوحة، ومنذ الجولة الأولى، عرض مفاوضو حركة طالبان تفاصيل محادثاتهم مع واشنطن على منصة إكس (تويترسابقا)، وقام عناصر طالبان بإنشاء مئات الحسابات الوهمية.
يقول الصحفي الأفغاني جاويد كاكر -للجزيرة نت- إن “دخول حركة طالبان إلى تويتر (إكس) تزامن مع بدء مفاوضات الدوحة مع واشنطن، وكان جمهور طالبان هم قادة الدول والشخصيات السياسية المحلية والأجنبية، ووسائل الإعلام الأفغانية والأجنبية، وحاولت إقناع المجتمع الدولي بدعمها، وأنها حقيقة لا يمكن إنكارها”.
ويمكن تقسيم الحسابات التي تعمل لصالح الحكومة الأفغانية بزعامة طالبان على منصة إكس إلى 3 مجموعات:
- قادة طالبان والمتحدثون باسم الحركة.
- المؤيدون الأجانب والمسؤولون الحكوميون.
- حسابات المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام، وهي إرث الحكومة الأفغانية السابقة.
قادة حركة طالبان والمتحدثون باسمها، الذين لديهم حسابات قوية على منصة إكس، يقدمون محتواهم لمئات الآلاف من المستخدمين الأفغان والأجانب، وهناك 20 حسابا على منصة إكس يضم نحو 3 ملايين متابع، وبعض قادة حركة طالبان يتمتعون بحضور نشط على هذه المنصة، وينشر كل حساب في المتوسط 3 مقالات يوميا.
ويفضل بعض القادة منصة إكس على نظيرتها من شركة “ميتا”. وكتب عضو المكتب السياسي وشقيق وزير الداخلية الأفغاني أنس حقاني على منصة إكس “تتمتع منصة إكس بمزيتين مهمتين مقارنة بالشبكات الاجتماعية الأخرى، الأولى حرية التعبير، والثانية طبيعة ومصداقية المنصة، فهي ليست متعصبة مثل “ميتا”، ولا يمكن للمنصات الأخرى أن تحل محلها”.
تستخدم حركة طالبان منصة إكس سياسيا؛ لأنها لا تفرض أي قيود على أنشطتها مثل فيسبوك والمنصات التابعة لها، وينشر قادة طالبان والمتحدثون الرسميون باسمها أخبارا عن إنجازات الحكومة الأفغانية، ويدافعون عن مواقفها السياسية.
يقول الكاتب الصحفي عمران عزيزي للجزيرة نت “ينشر المتحدثون باسم طالبان وقادتها على منصة إكس مواقفها تجاه القضايا الأفغانية، ويحاولون أن يثبتوا للعالم أن كل شيء يسير على ما يرام في أفغانستان، لكنهم يتجاهلون وجود مشاكل ومعارضة الشعب الأفغاني تجاه القضايا نفسها مثل تعليم المرأة وعملها والتعامل مع العالم”.
قام مناصرو حركة طالبان بإنشاء آلاف الحسابات على منصة إكس، وتحاول فرض مواقف حركة طالبان على الشارع الأفغاني، وهناك آخرون يقومون بإعادة نشر التغريدات التي ينشرها قادة طالبان.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الإعلامي الأفغاني هارون حبيب -للجزيرة نت- “هناك نشاط آخر على المنصة، وهو أن مجموعة محسوبة على الحركة تقوم بنشر المعلومات الإيجابية لدعم طالبان وقمع المعارضين، وتسلط الضوء على نقاط الضعف لدى معارضيها، ومعظم حسابات هذه الفئة وهمية”.
أما الفئة الثالثة فهي الحسابات الصحيحة التي ورثتها حركة طالبان عن الحكومة السابقة أو المؤسسات الإعلامية التابعة لها، مثل القصر الرئاسي ووزارة الدفاع والداخلية، ووكالة باختر الأفغانية والتي أصبحت الآن تحت سيطرة طالبان، وتقوم هذه الحسابات بنشر ما يصل إلى 5 تغريدات في المتوسط كل يوم، ولديها نحو مليوني متابع.
محتوى خاص على يوتيوب
يعد موقع يوتيوب ثاني أكثر الشبكات استخداما من قبل حركة طالبان بعد منصة إكس، لكنها تستخدمه بنهج مختلف، إذ تستهدف الشعب الأفغاني فقط، يقول مصدر حكومي للجزيرة نت “بعد وصول طالبان إلى السلطة، تدير الحكومة الأفغانية أكثر من 23 قناة على موقع يوتيوب، ويعمل في كل قناة 5 موظفين، ويحصلون على راتب شهري من الحكومة”.
يمكن تقسيم محتوى طالبان على اليوتيوب إلى 5 أقسام:
- إظهار القوة العسكرية لطالبان.
- إظهار السياسيين والمسؤولين السابقين بصورة سلبية.
- تدمير شخصية خصوم طالبان، سواء كانوا عسكريين أو مثقفين.
- إعلانات تعكس مشاريع البناء التي تنفذها طالبان.
- تصوير الأمن والسلام في أفغانستان.
التحدي في فيسبوك
تنظر منصة فيسبوك إلى حركة طالبان على أنها منظمة إرهابية، وتفرض قيودا صارمة على أنشطتها، وتمنع نشر أي محتوى يخص الحركة. يقول الخبير الإعلامي جميل الكوزي للجزيرة نت “كلفت منصة فيسبوك عددا من الخبراء الأفغان بمراقبة وإزالة المحتوى المتعلق بحركة طالبان، حتى إنها أزالت العلامات الزرقاء من حسابات الحكومة الأفغانية السابقة؛ لأنها وقعت في أيدي طالبان”.
وتجدر الإشارة إلى أن فيسبوك يعد من أكثر الشبكات شعبية وانتشارا في أفغانستان، حيث إن معظم مستخدمي الإنترنت لديهم حساب على هذه الشبكة، لكن طالبان لا تستخدمها وتركز بدلاً منها على منصة إكس.