طهران- على وقع انتظار رد إسرائيلي “قوي ومؤثر” على إيران بعد هجومها الأخير، كما توعدت تل أبيب، يسري الحديث في طهران عن حرب نفسية تشنها إسرائيل على البلاد في إطار إستراتيجية أوسع لتقويض النفوذ الإيراني وإضعاف موقفه على المستويات السياسية والعسكرية والإقليمية.
تتضمن الحرب النفسية الإسرائيلية على إيران، بحسب أوساط إيرانية، سلسلة من الأدوات والتكتيكات التي تهدف إلى إحداث تأثير نفسي ومعنوي على الشعب، وكذلك على القادة السياسيين والعسكريين، بهدف زعزعة استقرارهم وإضعاف ثقتهم في قوتهم وقدرتهم على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
ومن الأمثلة على هذه الأدوات الإشاعات التي يتم تداولها تداولا متكررا بشأن غياب أو تراجع أداء القادة العسكريين، مثل قائد فيلق القدس اللواء إسماعيل قآني، وكذلك تضخيم الهجمات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية لتصوير طهران بأنها غير قادرة على حماية مصالحها أو حلفائها، بالإضافة إلى استخدام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لبث الرسائل والإشاعات ومواد دعائية بلغات مختلفة تستهدف قطاعات واسعة من الإيرانيين والمجتمع الدولي.
وكان مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين دقيقي قال يوم الجمعة الماضي، في مقابلة مع وكالة أنباء تسنيم الإيرانية، إن “العدو يمتلك إمبراطورية إعلامية، لذلك يخلق شائعات جديدة كل يوم حول غياب القادة العسكريين الكبار، وعلى رأسهم قائد فيلق القدس اللواء إسماعيل قآني”.
إستراتيجية عقلانية
في مواجهة هذه الحملات، تعتمد إيران على إستراتيجية متعددة المستويات تشمل العمل السياسي والإعلامي والعسكري لصد هذه الحرب النفسية.
تتضمن الإستراتيجية الإيرانية للرد على الحرب النفسية الإسرائيلية ثلاثة بنود:
- الأول، يتمثل في الخطاب السياسي والتصريحات الرسمية، وذلك من خلال توضيح الموقف الإيراني، ودحض الشائعات، وإبراز قوة إيران وثباتها أمام هذه الضغوط.
وفي هذا السياق، أوضح العميد دقيقي طريقة تعامل طهران مع الشائعات، في مقابلته مع وكالة تسنيم، بالقول “نتصرف وفق إستراتيجية عقلانية، ولذلك فغياب القادة عن المشاهد العامة لا يعني تراجع قدرتهم أو ضعفهم، بل هو تركيز على مسؤولياتهم وواجباتهم”، مشيرا إلى أن إيران دولة قوية ويجب التصدي للشائعات والحرب النفسية التي يشنها العدو، بحسب قوله.
- الثاني، ويتمثل في التحكم بتدفق المعلومات من خلال وسائل الإعلام المحلية. وتسعى طهران إلى توجيه الرأي العام الإيراني عبر الإعلام الوطني، حيث يتم التركيز على بث رسائل تعزز صمود الشعب أمام التحديات الاقتصادية والسياسية، وتروج لفكرة أن الحرب النفسية جزء من مخطط دولي أوسع لزعزعة الاستقرار الإيراني.
- البند الثالث يقوم على تكتيكات معاكسة للرسائل الإعلامية المعادية، حيث تعمد إيران عبر وسائل إعلامها الخاصة أو تلك المرتبطة بها إلى تفنيد الشائعات ونشر تقارير تتحدث عن النجاح الإيراني في التصدي للعمليات الإسرائيلية الأمنية أو النجاحات العسكرية في المنطقة، كما يتم استخدام هذه الوسائل لنقل صور إيجابية عن قوة الردع الإيرانية في مواجهة “العدو”.
ضعف الرد
في هذا الشأن، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي محمد علي صنوبري أن الحرب النفسية تشكل جانبا مهما من الحرب بين إسرائيل والمقاومة، ويعود ذلك إلى أن أدوات الحرب النفسية تطورت.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أنه “في السابق كان نشر الإشاعات يأتي في سياق الحرب النفسية التي كانت بدورها تابعة للحرب العسكرية، أما الآن فنشهد أحيانا حربا عسكرية نتيجة للحرب النفسية والإعلامية”.
وقال صنوبري إن “طهران أظهرت أنها هشة أمام الحرب النفسية، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، والعدو يستخدم هذا الأمر بقوة”. وأضاف “لم تنتهج طهران إستراتيجية ناجحة في الرد على الإشاعات”، وبالإشارة إلى قضية انفجار أجهزة البيجر في لبنان، قال “سمعنا عدة روايات متناقضة من الجهات الإيرانية المعنية”.
وعلى الصعيد الاجتماعي، رأى أن الإعلام الإيراني المحلي لم يعد مرجعية للمواطنين في السنوات الأخيرة، وهذا يدفعهم إلى البحث عن الخبر في الإعلام الأجنبي، مما يرفع من مستوى الضرر.
النهج الإعلامي
من جانبها، قالت الباحثة السياسية عفيفة عابدي إنه لا يمكن وضع حدود للحرب النفسية التي تشنها إسرائيل ضد إيران، حيث تقف أميركا وحلفاؤها -بمعداتهم وبرمجياتهم الإعلامية والتكنولوجية- مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه لا توجد أي معايير أخلاقية أو قانونية لإسرائيل وحلفائها في إنتاج المحتوى “الكاذب والمخادع والخائن”.
وتشير عابدي إلى أن بعض أبعاد الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل وحلفاؤها تشمل جمع المعلومات من خلال أدوات التجسس المختلفة، وخلق تداعيات اقتصادية واجتماعية في المجتمع الإيراني.
وأوضح أن إيران تتبع نهجيْن للرد على الحرب النفسية ضدها، وهما: الصمت الحكيم، واستخدام القدرات الإعلامية، مما أدى -برأي عابدي- إلى زيادة التضامن مع المقاومة الإيرانية والإقليمية في الرأي العام المحلي.