كيف أصبحت حرب غزة رمزا لمكافحة اليمين بالانتخابات الأوروبية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

باريس- في ظل التوقعات المتزايدة بحصول الجماعات اليمينية المتطرفة على عدد كبير من المقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي، بدأ الحديث عن تداعيات ذلك على الشؤون الخارجية للسياسة الأوروبية، بعد إعراب عدد من المرشحين عن دعمهم لإسرائيل في الحرب التي تشنها على قطاع غزة منذ نحو 9 أشهر.

وفي المقابل، تشير استطلاعات الرأي إلى أن المشرعين اليساريين في الاتحاد الأوروبي الداعمين للقضية الفلسطينية لا يملكون قوة الأصوات المطلوبة للتأثير على سياسة الاتحاد الأوروبي المتسمة أساسا بالمعايير المزدوجة والتوافق الكبير مع تل أبيب.

وبينما كانت تركز انتخابات البرلمان الأوروبي تقليديا على قضايا داخلية مثل ملف الهجرة والسياسة الزراعية وتغير المناخ ومعدلات التضخم، تأتي خصوصية انتخابات هذا العام في تناولها لمواضيع وأزمات تقع خارج أسوار الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فلسطين.

الناشطة ريما حسن ذات الأصول الفلسطينية مرشحة في قائمة حزب “فرنسا الأبية” لانتخابات البرلمان الأوروبي (الفرنسية)

فلسطين موضوع أوروبي

ومنذ اندلاع الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجيش الإسرائيلي، ظهرت وجهات نظر مختلفة ومتباينة للزعماء الأوروبيين بشأنها. فقد دعمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إسرائيل دبلوماسيا واقتصاديا، بينما حافظ نائبها والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل على مرونته وتحدث لصالح الفلسطينيين.

كما كانت فون دير لاين -التي انتخبها البرلمان الأوروبي المنتهية ولايته- وراء رفع العلم الإسرائيلي على مبنى اللجنة الأوروبية في بروكسل وسافرت بعد أسبوع من “طوفان الأقصى” إلى تل أبيب للإعلان عن دعمها، في وقت يصفها مناصرو فلسطين بـ”مجرمة حرب” ووقعت شخصيات أوروبية وأميركية بارزة على بلاغ تم تقديمه إلى مكتب المدعي العام في الجنائية الدولية لاتهامها بالتواطؤ.

وترى الناشطة والمحامية من أصول فلسطينية ريما حسن -التي تظهر في المركز السابع في قائمة حزب “فرنسا الأبية” للانتخابات الأوروبية- أن داعمي فلسطين “انتصروا بالفعل في معركة هي الأهم، وهي معركة الروايات”، موضحة ذلك بالقول إن “رغبتنا في الدفاع عن القضية الفلسطينية داخل البرلمان الأوروبي وجعلها موضوعا أوروبيا تحققت حتى قبل ظهور نتائج التصويت”.

وأضافت المرشحة للانتخابات في حديث للجزيرة نت أنه “بعد أن كان يُنظر لفلسطين على أنها موضوع بعيد وليس أوروبيا في جوهره، جئنا اليوم لتسليط الضوء على ما يحدث هناك في ظل الأحداث الجارية في قطاع غزة وأيضا للرد على كل من يتهمنا بتبرير الإرهاب في فرنسا”.

يذكر أن نواب حزب “فرنسا الأبية” اليساري شاركوا في جميع المظاهرات المؤيدة لفلسطين وطالبوا بفرض عقوبات على إسرائيل وحظر على الأسلحة والاعتراف بفلسطين كدولة، كما أنهم امتنعوا عن وصف حركة حماس بأنها جماعة إرهابية، على عكس الجماعات السياسية الفرنسية الأخرى.

تهديد اليمين المتطرف

وفي حين أن شعبية اليمين المتطرف آخذة في الارتفاع في السنوات الأخيرة في عدد من الدول الأوروبية، أكد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إبسوس” أن اليمين المتطرف سيحقق أكبر المكاسب في هذه الانتخابات، مع إقبال الأقليات على التصويت لصالح اليسار المتطرف.

وعلى الرغم من تحقيق أحزاب الخضر مكاسب كبيرة في انتخابات عام 2019 الأوروبية بفضل هيمنة تغير المناخ على الاهتمام العام، أدى صعود اليمين المتطرف إلى تراجع السياسات البيئية في الاتحاد وإدانة تداعيات أهداف خفض انبعاثات الكربون على اقتصادات الدول.

وأكدت الناشطة ريما -للجزيرة نت- أن “الدفاع عن القضية الفلسطينية ومكافحة النظام الفاشي والعنصري يعني محاربة تطبيق النظريات والأفكار اليمينية المتطرفة بشكل أساسي، لأن الدفاع عن فلسطين هو قضية تتركز على مناهضة العنصرية وإنهاء الاستعمار واحترام القانون الدولي”.

وتقول ريما “بما أن حلفاء إسرائيل الكبار هم أنظمة اليمين المتطرف، وخاصة الأوروبيين، فإن هناك تقاربا واضحا في الطريقة التي نروي بها هذا الصراع والارتباط الموجود مع معركتنا ضد صعود اليمين المتطرف على الساحة السياسية الأوروبية”.

ووصفت الناشطة حملة جوردان بارديلا الانتخابية، الذي يقود حزب الجبهة الوطنية تحت لواء مارين لوبان، بـ”الجوفاء”، متوقعة أن أصوات الناخبين التي سيحصل عليها لن تكون بسبب برنامجه القوي أو رؤيته المستقبلية لخدمة المجتمع، بل سيكون تصويتا غاضبا يرفض الأحزاب الأخرى التي تدعم فلسطين وهذا الأمر لا ينطبق على فرنسا فقط، بل جميع الدول الأوروبية المعنية بهذه الانتخابات.

يقود جوردان بارديلا (يمين) الحملة الانتخابية لحزب الجبهة الوطنية تحت لواء مارين لوبان (الفرنسية)

اعتبارات تاريخية

ولعل اعتراف إسبانيا وأيرلندا إلى جانب النرويج (خارج الاتحاد الأوروبي) بدولة فلسطين في 28 مايو/أيار الماضي، وانضمام سلوفينيا إليها يوم الثلاثاء 4 يونيو/حزيران الجاري، سلط الضوء على انقسامات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن القضية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى.

وفي السياق، لم تعلن برلين عن اهتمامها باتخاذ هذه الخطوة لأنها لا تزال حساسة بشأن تعاملها مع إسرائيل حتى بعد مرور 80 عاما على الهولوكوست، بينما برر وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه موقف بلاده بأن “الوقت لم يحن بعد” وأن “الاعتراف بدولة فلسطين ليس من المحرمات بالنسبة لباريس”.

وعلى الرغم من ذلك، يبرز اسم حزب “ميرا 25” ذي الميول اليسارية في ألمانيا باعتباره الحزب السياسي الوحيد الذي يضع فلسطين على ورقة الاقتراع وتحريرها في قلب حملته الانتخابية، بينما تعمل أحزاب أخرى ناشئة في البلاد على تآكل الدعم لحزب الخضر الألماني والديمقراطيين الاشتراكيين، وهما من الأحزاب الرئيسية التي حافظت على دعم قوي لإسرائيل.

أما في إسبانيا، فقد أصبحت القضية الفلسطينية محور النقاش السياسي وأدى اعتراف الحكومة بفلسطين كدولة إلى تعزيز الدعم لحزب سومار اليساري المتطرف والحزب الاشتراكي والائتلاف الحاكم.

ويحق لأكثر من 370 مليون شخص التصويت في الانتخابات التي تنتهي بعد منتصف ليلة غد الأحد لاختيار 720 عضوا في البرلمان الأوروبي الذي سيبدأ ولاية جديدة لتشكيل سياسات الاتحاد الأوروبي، بينما سينتخب هؤلاء المشرعون كبار قادة الكتلة، بمن فيهم رئيس السياسة الخارجية ورئيس المفوضية الأوروبية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *