دكار– قال المتحدث باسم الحكومة السنغالية وزير التجارة والاستهلاك عبدو كريم فوفانا إن بلاده تشكل استثناء ديمقراطيا في أفريقيا، مشيرا إلى أن الانضمام المتوقع للدول المصدرة للغاز سيتيح موقفا قويا في قطاعات اقتصادية أكثر حداثة.
وأضاف في حوار مع الجزيرة نت أن الرئيس ماكي سال، أول رئيس في تاريخ السنغال، لا يسعى لولاية ثالثة، وهو أيضا الرئيس الوحيد الذي ينظم انتخابات دون أن يشارك فيها، وهو ما يظهر-بحسبه- مدى استثنائية السنغال وعظمة ديمقراطيته.
وبشأن الاتهامات الموجهة لحكومته في “الاغتيال السياسي” لخصومها، وبالذات زعيم المعارضة عثمان سونكو الذي رفض المجلس الدستوري ترشحه مع آخرين للانتخابات الرئاسية المقررة نهاية الشهر الجاري، قال فوفانا إن الدعوة إلى التمرد تمثل جريمة خطيرة، وإن سونكو لم يكتف بالدعوة للتمرد، بل طالب بإزاحة الرئيس، ودعا الشباب إلى التضحية بحياتهم وروّج للعنف السياسي.
وأشار إلى أن الرجل لم يتوقف -حسب قوله- عند الدعوة الشفهية للتمرد “بل ارتكب أنصاره -على حد علمنا وفقا للتحقيقات- أعمال عنف على الأرض، وخربوا ممتلكات الآخرين، وواجهوا قوات الأمن، وقد قُتل 40 سنغاليا خلال كل هذه الأحداث”.
وأكد أنه في مواجهة ذلك “من الطبيعي أنه في أي دولة -عندما تدعو إلى التمرد وتعقب هذه الدعوة أحداث أسفرت عن وفيات وخسائر مادية في الممتلكات العامة- أن يتم استدعاؤك وأن يُطبق في حقك ما ينص عليه القانون”.
وفي موضوع آخر، قال المتحدث باسم الحكومة إن انضمام السنغال المتوقع، للدول المصدرة للطاقة خلال الشهور الماضية، يمثل عاملا لتعزيز الاقتصاد، ومن شأنه أن “يغير طبيعة اقتصادنا”.
وأشار إلى أن الأمر الأكثر أهمية ليس عائدات النفط أو الغاز، بل الفرص التي ستتوفر للاقتصاد للتنويع. لأن ما يجب أن نفهمه أنه منذ استقلالنا، كنا اقتصادا زراعيا، يعتمد بشكل أساسي على الفول السوداني والحبوب، ولذا فإن امتلاك هذين العنصرين سيتيح لنا موقفا قويا في قطاعات اقتصادية أكثر حداثة، مثل الصناعة.
وفيما يلي نص الحوار:
-
يستعد بلدكم حاليا لإجراء انتخابات رئاسية حاسمة.. ما التدابير والضمانات التي وضعتموها لضمان شفافية ونزاهة هذه الانتخابات؟
فيما يتعلق بالضمانات، أعتقد أن سمعة السنغال في مجال الانتخابات كافية، لأن التاريخ القريب يخبرنا بأننا دولة ديمقراطية، ومنذ عام 1960 تنظم باطّراد انتخابات حرة وشفافة.
ومنذ 1990-1991، لدينا ثقافة قائمة على وضع ما نسميه قانون الانتخابات التوافقي. وهذا يعني، إضافة إلى الوضع القانوني ودور الجمعية الوطنية (البرلمان) أن يحصل أولا وقبل كل شيء نقاش بين الفاعلين السياسيين والمعارضة والحكومة لوضع قواعد توافقية. ولا يمكن للمرء أن يتوقع نقصا في شفافية الانتخابات في بلد فازت فيه المعارضة في المدن الكبيرة خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، بينما فازت الحكومة بالانتخابات في الأرياف.
وأيضا، عندما ننظر قليلا إلى الانتخابات التشريعية، نرى كذلك أن نتائج المعارضة مجتمعة، أي جميع تحالفات المعارضة، مساوية تقريبا لنتائج الأغلبية. ولذلك، فإن هذا الوضع ممكن فقط لأننا في ديمقراطية. وكل هذا ممكن فقط لأننا في نظام انتخابي شفاف. لذا، فإن الطبيعة الراسخة للنظام الانتخابي في السنغال هي الشفافية. وهذا أمر يتجاوز سلطات الحكومة، لأن المنظومة الانتخابية لا تتكون من الحكومة وحدها.
من ناحية، توجد الدولة، ويوجد القضاء. ومن ناحية أخرى، المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وهي عوامل تؤدي إلى أن هذا النظام لا يمكن إلا أن يكون شفافا، حيث لم نشهد أبدا انتخابات مزورة. وفي النهاية، يمكن لأي كان الإدلاء بآرائه الخاصة، ولكن الحقيقة أنه يوجد تناوب. فهناك مناطق تفوز فيها المعارضة، وتفوز فيها السلطة. ولو لم تكن الانتخابات شفافة، لما تركت الحكومة المعارضة تفوز في مناطق مهمة مثل المدن الكبرى.
-
تُعرف السنغال بأنها منارة للديمقراطية في منطقة غالبا ما تواجه انقلابات وصراعات، هل تعتقدون أن الانتخابات المقبلة ستعزز هذه الصورة أم ستغيرها؟
نعم، بالطبع، الانقلابات مصدر قلق كبير لأنه لا يمكن تعويض الإرادة الشعبية للناخبين بالسلاح. ومن هذا المنظور، ولله الحمد، كانت السنغال دائما استثناء ونأمل أن يبقى هذا الاستثناء هو القاعدة، وأن يعمل مختلف الفاعلين السياسيين على ديمومته.
الانتخابات، كما قلت، هي التعبير عن رأي الشعب. ولكل شخص الحق في التعبير عن آرائه، وذلك بطبيعة الحال في إطار القوانين والنُّظم. وما دامت لدينا هذه الروح الديمقراطية، وما دمنا مستعدين للتسليم بالقرار الشعبي، فلن تقع مشكلة.
لكن ما تجب ملاحظته أنه في السنوات الأخيرة، توجد موجة من الشعبوية في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في السنغال. فثمة عدد من الفاعلين السياسيين الذين غالبا ما يرغبون في استعمال العنف بدل الانتخابات، والإهانات بدل النقاش السياسي، ونحن نراقب هذا أيضا لأن هذا التلاعب هو الذي ينتج، في الغالب، ظروف التعايش الصعب بين الأطراف السياسية.
-
يقول أنصار المعارض سونكو إن الحكومة تآمرت لمنعه من المشاركة بالانتخابات، وذلك ما يعتبرونه مسا بنزاهة ومصداقية الاقتراع.. ما ردكم؟
كما تعلمون، فالانتخابات هي أيضا أمر تحكمه القوانين والنظم. والقوانين فيما يتعلق بالانتخابات، وبالحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، لا تحددها السلطات بل الجمعية الوطنية، والسنغاليون هم الذين اتفقوا على القواعد التي وضعوها. هذا هو الأمر، وهو ما يجعل نوعا ما قواعدنا المؤسسية والديمقراطية أقوى.
ما الذي حدث في قضية سونكو هذه؟ أود في هذا الجانب أن أضرب مثالا. في واحدة من أكبر الديمقراطيات في العالم، إن لم تكن أكبرها، الولايات المتحدة، رأيتم ما قاله القضاء عن الرئيس دونالد ترامب. لقد صرحت العدالة بأنه غير مؤهل للترشح لأنه دعا إلى التمرد.
إن الدعوة إلى التمرد تمثل جريمة خطيرة عندما تدعو الناس إلى الخروج وإلى عدم احترام المؤسسات. في حالة سونكو، فهو لم يكتف بالدعوة إلى التمرد، بل دعا إلى إزاحة رئيس الجمهورية، ودعا الشباب إلى التضحية بحياتهم وروج للعنف السياسي.
ولكنه لم يتوقف عند فعل ذلك شفهيا، بل ارتكب أنصاره، على حد علمنا بحسب التحقيقات، أعمال عنف على الأرض، وخربوا ممتلكات الآخرين، وواجهوا قوات الأمن، وقد قُتل 40 سنغاليا خلال كل هذه الأحداث.
في مواجهة هذا، من الطبيعي أنه في أي دولة، عندما تدعو إلى التمرد وتعقب هذه الدعوة أحداث أسفرت عن وفيات وخسائر مادية في الممتلكات العامة، فمن الطبيعي استدعاؤك وأن يُطبق في حقك ما ينص عليه القانون.
هذه هي القاعدة الطبيعية، وفي اليوم الذي يمكن فيه لأي لاعب سياسي أن يدعو إلى العنف، ويدعو إلى التمرد ولا يترتب على ذلك أي إجراء قانوني، فسنتوقف عن أن نكون دولة.
هذا ما حدث إذن، والأمر شبيه بما يحدث في كل الديمقراطيات الكبرى، لذلك لا علاقة له بالعملية الانتخابية.
واليوم -وهو ما يظهر لكم حيوية الديمقراطية السنغالية- يوجد أكثر من 200 مرشح سيأخذون ملفاتهم ويعلنون أنفسهم مرشحين، ويجمعون التوكيلات، كما يقتضي القانون، ويقدمون ضماناتهم، وهم يخوضون الحملات وينتقدون الحكومة طوال اليوم (صادق المجلس الدستوري على قائمة تضم 20 مرشّحا للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 25 فبراير/شباط).
لكن يلزم الانتباه، فهم لم يتجاوزوا هذا الحد الذي وضعه القانون. وهو الدعوة إلى التمرد والعنف وعدم احترام المؤسسات والدعوة إلى الفوضى السياسية والاجتماعية. هذا ما في الأمر إذن. لدينا تقليد، لقد رأينا 4 رؤساء يتعاقبون على رئاسة السنغال. وأتيحت للجميع الفرصة للتجول في البلاد، والتعبير عن أنفسهم بحرية في وسائل الإعلام، وتعبئة ناخبيهم والفوز في الانتخابات. وهذا كان محل قبول.
وحاليا، إذا كان يُراد أن تُفرض على السنغاليين طريقة أخرى للوصول إلى السلطة، ليست لها علاقة بالديمقراطية، وتمر عبر التلاعب بوسائل الإعلام والشتائم والعنف، فهذا ليس ديمقراطيا.
نحن نريد نظاما انتخابيا ديمقراطيا وشفافا. أما الانتخابات عبر العنف والتلاعب فليست ما يمثل السنغال، ولن تقبل السنغال ذلك أبدا.
-
ما الموعد المتوقع لبدء استغلال الغاز الطبيعي وماذا تتوقعون؟
النفط والغاز يمثلان فعلا عاملا لتعزيز الاقتصاد. وهذا أمر سيغير طبيعة اقتصادنا. كانت عمليات الاستغلال الأولى متوقعة -وأقصد أولى الإيرادات المنتظرة- متوقعة بحلول نهاية العام. وللأسف، تأجلت إلى عام 2024. لذلك يوجد تأخر طفيف.
لكن في الواقع، الأمر الأكثر أهمية ليس عائدات النفط أو الغاز، بل الفرص التي ستتوفر للاقتصاد السنغالي للتنويع. لأن ما يجب أن نفهمه هو أنه منذ استقلالنا، كنا اقتصادا زراعيا، يعتمد بشكل أساسي على الفول السوداني والحبوب، وهو اقتصاد أيضا يتأثر بمعدل هطول أمطار منخفض للغاية.
لذلك فإن امتلاك النفط والغاز سيتيح لنا موقفا قويا في قطاعات اقتصادية أكثر حداثة، مثل الصناعة. الكثير من المنتجات تُستورد من آسيا وأوروبا إلى الدول الأفريقية. ونحن، نظرا لموقعنا الجغرافي والمقتضيات التي يوفرها النفط والغاز، سنكون قادرين على أن نصبح مركزا صناعيا، ومركزا للخدمات، ومركزا اقتصاديا قويا جدا مطلا على البر الأفريقي، وخاصة منطقة غرب أفريقيا.
إذن السنغال تستعد لإنتاج أول كميات النفط والغاز، لكنها تستعد أيضا لتحويل اقتصادها لتكون قادرة على تطوير صناعة أوسع، واقتصاد خدمات أوسع، ولتكون عامل تحفيز للاقتصاد في أفريقيا. وهذه هي مجمل التغيرات المنتظرة من أفريقيا.
-
كيف تنظرون إلى كون الحقل المتوقع استخراج الغاز منه بالنصف الأول من 2024، ليس خاصا بالسنغال، بل هو حقل مشترك مع موريتانيا؟
أولا، لا نختار جيراننا، كما لا نختار ما تخبئه لنا الطبيعة. وموريتانيا بلد شقيق للسنغال. ونحن نتقاسم الكثير من حيث الثقافة والسكان والهجرات. فعندما تذهب إلى حدود السنغال وموريتانيا، تجد نفس الشعوب تقريبا.
ويذهب العديد من السنغاليين إلى موريتانيا لدراسة القرآن واللغة العربية. كما يأتي العديد من الموريتانيين أيضا للدراسة في دكار، ويأتي الكثيرون إلى المستشفيات السنغالية للعلاج. وعليه، فهذان شعبان شقيقان تحتضنهما نفس الثقافة العربية الإسلامية.
وحاليا اقتضت الإرادة الإلهية أن لدينا حقل غاز يمتد بين المنطقتين البحريتين. وكانت قيادتا بلدينا في غاية الحكمة منذ البداية للتفاهم على الاستغلال المشترك والعمل على عدم التقسيم بين السنغال وموريتانيا، لأن ذلك سيكون صعبا ولن يكون له معنى.
لذلك فهذا تعاون حقيقي بين بلدين شقيقين. وقد اتفقنا على جميع الترتيبات وهذا هو الأهم. إنه تعاون يستحق الترحيب والتشجيع، وهو شيء ثوري تماما أن يتمكن بلدان من تحقيقه بطريقة أخوية، رغم ما يحيط بهما من منظومة وواقع اقتصادي، وعلاوة على ذلك، أن يكون لدينا تعاون صريح وشفاف وأيضا إيجابي للسكان ولاقتصاداتنا.
-
التوقعات الشعبية عالية السقف في السنغال وموريتانيا، وكثير من المواطنين يعتقدون أن حياتهم وأوضاعهم الاقتصادية ستتغير بشكل جذري مع أول شحنة غاز يتم تصديرها.. ما توقعاتكم لتأثير استخراج الغاز على الحياة المعيشية؟
نعم، إنه أولا، كما قلت، ليس مجرد إيرادات للميزانية لأنه عندما نتحدث عن النفط والغاز، يفكر الجميع فيما سيتم استغلاله وتصديره. وقد سنت الدولة قانونا، أولا، لتأمين الإيرادات، ولتضمين الإيرادات في الميزانية. كما أننا ننشئ صندوقا مشتركا للأجيال لأن النفط والغاز ملك للسنغاليين اليوم، ولكنه أيضا للسنغاليين في الغد.
وللتحسب والاستعداد للمستقبل -لأن الواقع الاقتصادي اليوم لن يكون الواقع الاقتصادي في الغد- فصندوق الأجيال يسمح لنا بالقيام باستثمارات إستراتيجية وضمان دخل للسنغاليين من هذا المنظور. ولكن أيضا، لتحويل اقتصادنا، ولا تنسوا أن النفط والغاز هما من محفزات التحول الاقتصادي. فمن لديهم النفط والغاز لديهم إيرادات كبيرة، ولكن الأهم من ذلك أنهم سوف يوسعون نطاق منتجاتهم وخدماتهم المقدمة للعالم.
لذلك نريد أن يكون اقتصادنا بتروكيماويا. فنحن لدينا، على سبيل المثال، الكثير من حمض الفوسفوريك. ومع الغاز، سنكون قادرين على معالجته وصنع الأسمدة بأنفسنا، وفعل ذلك لصالح السنغال وكذلك لصالح البلدان الواقعة خلف السنغال. لدينا العديد من حقول الغاز، ولدينا أيضا حمض الفوسفوريك، وإذا مزجناهما مع صناعة قوية بما فيه الكفاية، مع كل المعرفة السنغالية في هذا المجال، فستكون السنغال قادرة على التحول إلى عملاق من حيث المنتجات الزراعية، وتطوير زراعتنا أيضا.
إذن، هناك فرصة لتطوير صناعتنا وزراعتنا، ولكن أيضا قطاعنا البتروكيماوي، وسيؤدي ذلك إلى تغيير منظور اقتصادنا، وزيادة القيمة المضافة للمنتجات في السنغال، كما يسمح لنا أيضا بأن نكون موردا لهذا النوع من المنتجات للعديد من البلدان في (منطقة) غرب أفريقيا وأفريقيا بشكل عام.
-
في مواجهة تصاعد الانقلابات العسكرية بالمنطقة، ما موقف السنغال من هذا الاتجاه، وما تداعياته الأمنية والسياسية؟
كما قلتم لكم سابقا، السنغال تظل متمسكة بالنظام المؤسسي. ونعتقد أنه مهما كانت الصعوبات في البلدان الأفريقية، يجب أن تكون للحوار السياسي الأولوية وليس للقوة والسلاح. ومن المؤسف أننا واجهنا في السنوات الأخيرة حالة تغرق فيها بلدان كثيرة في ممارسات من هذا النوع.
ومع ذلك، فصحيح أن الحالة في بلداننا ليست سهلة أيضا، ومن خلال الأيدي الأجنبية نرى في كل مكان تقريبا هؤلاء السكان الذين يُدفعون نوعا ما إلى انتقاد النظام المؤسسي ومبدأ تفضيل الديمقراطية والتصويت والانتخابات.. في مقابل تفضيل العنف على ذلك. لذلك، نحن نولي اهتماما وثيقا لهذه المسألة.
ونحن نعلم أنه بشكل عام عندما تحصل انقلابات، فذلك لأنه من البداية وقع أيضا الكثير من التلاعب الاجتماعي والسياسي الذي يؤدي إليها. إن هذا يدفعنا إلى تعزيز الأمن على حدودنا، ومراقبة الجهات الفاعلة التي تدفع، داخل بلداننا، تيارات إلى التحرك والإطاحة بالنظام المؤسسي.
-
السنغال هي الدولة الوحيدة بالمنطقة التي لم تشهد انقلابات. هل يمكن منع وتجنب عدوى هذه الانقلابات؟
نعم، السنغال لديه تقليد مؤسسي قوي جدا. ولديه أيضا جيش مهني للغاية. ولهذا السبب، غالبا ما يكون لدينا في النقاش السياسي موقف من التسامح وكذلك الانفتاح.
إن منشأ هذه الاضطرابات هو غياب الحوار بين الفاعلين السياسيين. لأن دور الجيش هو الدفاع عن الوطن، والسهر على الاستقرار. أما دور السياسيين، وأولئك الذين انتُخبوا، والمدنيين الذين اختيروا بالاقتراع العام، فهو التشاور والتحدث فيما بينهم، وأن يستمع بعضهم إلى بعض. هذه هي أفضل طريقة. وفي السنغال، رغم كل الصعوبات، يسود نقاش سياسي حيوي.
ويوجد أكثر من 20 قناة تلفزيونية. ويوجد أكثر من 30 صحيفة يومية، وأحيانا تكون جزءا لا يتجزأ من الأحزاب السياسية، ويمولها رجال السياسة، ولا أحد ينزعج من ذلك. ويوجد أكثر من 200 إذاعة. ويوجد 50 موقعا إلكترونيا، تنتقد يوميا الدولة، وبعضها يكون مؤيدا لسياسي بعينه. لكن هذه هي التعددية، وهذا هو تقليد التعددية.
ولكن هذه الحرية، وكل حرية، تأتي مصحوبة بالمسؤولية. ويجب على كل سياسي أن يضع في اعتباره المسؤولية إزاء الحرية التي يمنحه إياها دستور السنغال، وتمنحه إياها صفته السياسية. ويعني ذلك أن الحرية التي لديك هي لتعزيز الجمهورية والنظام الجمهوري. وهي لتوطيد الديمقراطية. وهي للتعبير وتمثيل الناس. ولكنها ليست لإحداث قطيعة بين الفاعلين السياسيين، أو في المجتمع، أو بين الأديان أو الجماعات العرقية. هذه هي المسؤولية.
وما دمنا نضع في الحسبان هذا المفهوم للمسؤولية، والذي يشمل حرية التعبير، فلن تقع مشكلة. ولهذا السبب فنحن نكافح من أجل التزام الحزم مع أولئك الذين يخلقون خطابا للقطيعة بين السنغاليين، وخطاب التفرقة الذي يحدث الاختلاف بين السنغاليين. لا نريد مجتمعا منقسما، بل نريد مجتمعا موحدا. وهذه هي مهمة رجال السياسة. وما دام لدينا مجتمع موحد، ومجتمع مسؤول، وفاعلون سياسيون مسؤولون، فلن تقع مشكلة في علاقاتنا مع الشعب.
-
يلاحظ الكثيرون أن معظم الانقلابات العسكرية بالمنطقة عبرت عن عداء للوجود الفرنسي، وأصبح الرأي العام ينتقد بشكل متزايد السياسات الفرنسية. كيف ترون هذا الحراك؟ وكيف يُكيف السنغال علاقاته مع باريس في مواجهة هذا الواقع الإقليمي الجديد؟
نعم، كما لا يخفي عليكم فالسنغال بلد ذو سيادة. وسيادتنا لها أهمية قصوى. ومن منظور علاقاتنا، فالمبدأ هو أننا بلد منفتح، لكن ليست لدينا رؤية حصرية في علاقاتنا. وصداقة بلد ما لا تعني عدم صداقة بلد آخر. والدليل على ذلك أن الجميع يتحدث عن فرنسا وعلاقاتها مع روسيا. لقد رأيتم أن رئيس الجمهورية لديه علاقات جيدة مع فرنسا. لكنها علاقة تقوم على الصراحة، فنحن نتصرف باعتبارنا شركاء، في شراكة ندية ويربح فيها الجانبان. لكن هذا لا يمنعنا من إقامة علاقات مع دول أخرى، مثل روسيا.
وقد رأيتم أنه عندما كان هناك حظر على الحبوب والأسمدة، كانت السنغال هي التي تمكنت من تجاوز هذه الخصومة أو هذا العداء بين الاتحاد الأوروبي والغرب من جانب وروسيا من جانب آخر، للذهاب والتواصل مع طرف في الصراع الروسي الأوكراني، والتحدث إليه بلغة الدبلوماسية. وقد أحدث هذا تغييرا في العلاقات التجارية، لأن الحرب قد تندلع وتحصل كل الصعوبات المترتبة على وجود صراع، ولكن أيضا يجري الحفاظ على مصالح بقية الشركاء.
إذن فنحن بلد ذو سيادة، وبلد حر في علاقاته. كذلك، نحن نعتبر أن لدينا علاقة تاريخية مع فرنسا، لكنها علاقة ندية. وهي علاقة مربحة للجانبين. وليست لدينا تبعية معينة لأي دولة. هذه علاقات شراكة راسخة في التاريخ، وتتطور وفقا لتوجهاتنا الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية. واليوم، نحن نتبناها بشكل طبيعي.
لكن هذا لا يمنعنا من تكوين علاقات، كما لا يقيدنا في علاقاتنا. نحن نتعامل مع الأمر هكذا، مع مراعاة الرأي العام الداخلي.
إن الرأي العام الداخلي جزء من اللعبة السياسية ومن السياسة العامة، مهما كانت توجهاته وسواء كان على حق أم لا، وسواء كان عرضة للتلاعب أم لا، فهو واحد من الأمور التي نأخذها في الاعتبار في علاقاتنا.
-
كيف تقيمون المستوى الحالي للعلاقات بين السنغال والبلدان العربية؟
كانت للسنغال على الدوام علاقات خاصة مع الدول العربية. وأعتقد أن لدينا نفس التقليد، المتأسس أولا على الثقافة والقيم الإسلامية والدين الإسلامي. والسنغال بلد أكثر من 95% من سكانه مسلمون، ولذلك فإن هذا يخلق روابط بلا ريب.
لدينا أيضا تقاليد، ثقافية أولا، بسبب الهجرات وموقعنا الجغرافي، ولكن أيضا تقاليد علمية. والكثير من الطلاب السنغاليين يدرسون في هذه البلدان. وهذا يخلق علاقات قوية جدا. في السابق، كانت العلاقات تستند فقط إلى العلاقات الثقافية والدينية. لكننا نتحرك أكثر فأكثر نحو التعاون الاقتصادي والدبلوماسي. فالأمر إذن يتعلق بروابط تتعزز مع مرور الوقت وتفتح العديد من الآفاق الواعدة لبلداننا.
-
عود على بدء، عام 2024، سيحل زائران جديدان بالسنغال: رئيس جديد وبدء استغلال الغاز. ماذا يعني هذا لكم؟
نعم. ليست هذه المرة الأولى التي تغير فيها السنغال رئيسها. وما يستحق الثناء أننا نشكل استثناء في أفريقيا. أي أن رئيسا له الحق دستوريا في الترشح، وهو أول رئيس في تاريخ السنغال لا يسعى لولاية ثالثة. وهو أيضا الرئيس الوحيد الذي سينظم انتخابات ولن يشارك فيها. وعليه فهذا يظهر -مرة أخرى- مدى استثنائية السنغال وعظمة ديمقراطيته.
الأمر الآخر أننا نتجه نحو إنتاج النفط والغاز. وصحيح أن هذه نقطة تحول مهمة، لكن لا تنسوا ما سبقها: لقد نظمت السنغال مشاورات عامة مباشرة على شاشة التلفزيون، حيث أُخذت آراء أصحاب المصلحة عما يجب فعله بنفطنا وغازنا. أي الجهات الفاعلة في مجال النفط: تحدثت الدولة، تحدثت المصالح العمومية، تحدث المجتمع المدني، حتى الصيادون، الذين هم إلى حد ما جيران هذا النشاط النفطي لأن النفط السنغالي اكتُشف في عرض البحر وفي الأعماق، وقد عبر الصيادون عن رأيهم في كيفية تأثير النفط وأنشطته على إنتاج السمك. لقد انعقد نقاش وطني، وسُنت قوانين للشفافية في الجمعية الوطنية، وهذه العملية هي ما يسمح لنا بالسير بطمأنينة.
أما الآن، فسنكون أمام اختبار الإدارة والرقابة وتوزيع الموارد لكي يوجد تأثير جيد وجيد جدا على الحياة اليومية للسنغاليين، وهذا هو الأهم. إن النفط مهم إذا أحدث تغييراً، وإذا حسَّن الحياة اليومية للسنغاليين.