في خان يونس.. قصص مؤلمة عن انتهاك إسرائيل لجثامين الشهداء

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

غزة- في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، علم فؤاد العتّال باستشهاد شقيقه علاء برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، ونقْله إلى مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.

حاول الشاب أن ينقل جثمان أخيه إلى المقبرة، لكن الأوضاع الأمنية الخطرة في خان يونس حالت دون ذلك، حيث كانت قوات الاحتلال تجتاح المحافظة وتعيث فيها قتلا وتخريبا.

قرر العتّال أن يدفن شقيقه في مقبرة أقامها المواطنون داخل المستشفى، فكتب اسمه على الكفن الأبيض، واختار مكانا يجاور شجرة نخيل، وحفر قبرا وغطى فتحته بباب خشبي بدلا عن البلاطات الحجرية المخصصة لذلك، قبل أن يواريه الثرى، ثم وضع حجرين كشاهد للقبر.

وبعد انسحاب قوات الاحتلال من خان يونس، عاد العتّال لزيارة قبر أخيه تمهيدا لنقله إلى مقبرة المدينة لكنه لم يجده، وحتى النخلة التي كان يميّز القبر بها كان الاحتلال قد اقتلعها، ومنذ أسبوعين، يأتي العتّال مع والدته نوال كل يوم بحثا عن جثة أخيه دون جدوى.

الرائد صقر ذكر أن المقبرة الجماعية احتوت على جثث شهداء أعدمهم الاحتلال ميدانيا (الجزيرة)

ما الذي جرى؟

يشرح قائد مهمة استخراج الشهداء في مستشفى ناصر الرائد “رائد صقر” حقيقة ما جرى، موضحا أن الفلسطينيين الذين حوصروا داخل مجمع ناصر الطبي على مدى أشهر من العملية البرية التي شنها الجيش الإسرائيلي في خان يونس منذ بداية ديسمبر/كانون الأول 2023 وحتى 7 أبريل/نيسان الجاري، اضطروا خلالها لإقامة العديد من المقابر العشوائية في ساحاته لدفن الشهداء والموتى من المرضى.

لكن الاحتلال أقدم على نبش تلك المقابر، وجمّع الجثث بواسطة جرافات، ودفنها في مقبرة جماعية بطريقة هجمية، حيث كدس الجثث بعضها فوق بعض، ثم هال عليها التراب، مما تسبب في فقدان الجثامين وعدم قدرة الأهالي على العثور عليها، وذكر صقر -في حديثه للجزيرة نت- أن الاحتلال دفن في المقبرة ذاتها الكثير ممن أقدم على إعدامهم ميدانيا.

ولاحقا، قال جهاز الدفاع المدني في بيان إنه انتشل من المقبرة الجماعية 210 جثث منذ يوم الجمعة الماضي، بينها 60 جثة يوم الأحد، وقال الناطق باسم الدفاع المدني الرائد محمود بصل إن ما تم الكشف عنه في ناصر يضاف لسلسلة طويلة من جرائم الاحتلال.

وأوضح محمود بصل للجزيرة نت أن فقدان جثث الفلسطينيين يحدث إما بإخفائها كما حصل في مستشفى ناصر، وإما “بتبخرها واختفائها بسبب صواريخ الاحتلال”، مضيفا “هذا حصل معي حينما تم استهدافي وكان معي 3 أشخاص، اختفوا ولم يبقَ منهم أي أثر”، ويتساءل “هل إسرائيل تستخدم مواد وصواريخ معينة تؤدي لتبخر الجثث؟ هذا سؤال أطرحه على الجهات الدولية المختصة للتحقيق في هذا الموضوع”.

نمر الراس، شقيق الشهيد أحمد الراس
نمر الراس يبحث عن جثمان شقيقه أحمد منذ ثلاثة أيام دون جدوى (الجزيرة)

بحث عن جثث

بدا المشهد في مقبرة مستشفى ناصر مأساويا، حيث يتجمع آباء وأمهات وأشقاء بحثا عن ذويهم، في حين يضرب عمال الأرض بفؤوسهم بحثا عن الجثث، وبين الفينة والأخرى، يعثر العمال بين أكوام الرمال على جثة تكون غالبا ملفوفة بكيس أسود، لتبدأ رحلة التعرف على هوية الجثة من قبل الأهالي، وهي مهمة شاقة نظرا لتحلل الجثث وعدم ارتداء بعضها الملابس.

ولا ييأس الأهالي من التنقل من جثة إلى أخرى باحثين عن علامة مميزة قد تقودهم إلى التعرف على أبنائهم كملابسهم أو علامة خاصة في أجسادهم، لكن خيبة الأمل لاحقت الكثير من العائلات، حيث لم يتمكنوا من التعرف على جثامين أولادهم.

يقول نمر الراس، أحد سكان خان يونس، للجزيرة نت إنه يأتي للمقبرة منذ 3 أيام للبحث عن شقيقه الأصغر أحمد، الذي استشهد بعد إصابته بصاروخ أطلقته طائرة مسيّرة، وتمت مواراته الثرى في مقبرة مستشفى ناصر المستحدثة، لكنه يضيف “لم نجده حتى الآن”.

والدة الشهيد محمد البيّوك
والدة محمد البيّوك لا تعلم حتى اليوم إن كان ابنها حيا أم ميتا (الجزيرة)

لا أثر ولا معالم

ورغم مرور 10 أيام كاملة على وجودها في المكان، لم تفقد والدة الشهيد محمد زيدان الأمل في العثور على جثمان ابنها الذي استشهد يوم 22 يناير/كانون الثاني الماضي، وتقول “بعد انسحاب جيش الاحتلال توجهت للمكان الذي أخبروني بدفنه فيه، لكن لم أجد جثته”، وتضيف “الحمد لله، لم أفقد الأمل، وسأواصل البحث عن جثمان ابني”.

أما أم محمد البيّوك فلا تعلم إن كان ابنها حيا أو ميتا منذ خروجه من المنزل في السادس من فبراير/شباط الماضي، لكنها تميل للاعتقاد بأنه استشهد بعد أن أخبرها أحد الأشخاص أن الاحتلال قتله على باب مستشفى ناصر بثلاث رصاصات في بطنه، ومنذ أن علمت بنبأ المقبرة الجماعية سارعت للحضور، على أمل أن تعثر على جثمان ابنها، لكنها لا تزال تبحث عنه حتى الآن.

ويتنقل يوسف مَلَكة بين أرجاء المقبرة طالبا من العمال الكشف عن وجوه الجثامين والاطلاع على ملابسهم عله يعثر بينها على جثة والده المفقود منذ 31 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي يعتقد أنه قتل على يد قناصة الاحتلال الذين كانوا يعتلون البنايات في ذلك الوقت، ليعلو صوته أمام إحدى الجثث بعد أن رفض أحد العمال فتح كفنها، لكنه عاد للصمت لاحقا بعد أن علم أن الجثة محروقة بالكامل.

أكرم مطير، والد الشهيد فريد مطير
أكرم مطير وجد جثمان ابنه وابن خاله لتتجدد آلام فقدانهما مرة أخرى (الجزيرة)

فرحة منقوصة

وبينما مُنيت عائلات بخيبات أمل، حالف الحظ أخرى عثرت على جثث أبنائها، ومن هؤلاء أكرم مطير وزوجته، حيث يقول إن ابنه فريد وابن خاله حسن قداس كانا يعملان على “توكتوك” (عربة)، واغتالهما جيش الاحتلال يوم 11 فبراير/شباط الماضي عند بوابة مستشفى ناصر، وتم دفنهما داخله.

ومنذ ذلك التاريخ يبحث أكرم وأسرته عن الشابين دون جدوى، وحينما علم من بعض الجيران نبأ الكشف عن المقبرة، وصل مع زوجته إلى المكان ليجد أن العمال قد عثروا على جثمانيهما، ويقول “الحمد لله لقيت ابني وابن خاله، وإن شاء الله ربنا يكرمنا ويكرمه، الحمد لله، الله يصبرنا، والله يعيننا”.

أما زوجته فقد امتزجت فرحة العثور على جثمان ابنها وابن شقيقها بتجدد آلام الفقد، وتقول للجزيرة نت “لم أنم ليلا ولا نهارا وأنا أبحث عنهما حتى أدفنهما، ويكون لهما قبران وأزورهما، وعندما جئنا وجدنا أهل الخير أخرجوهما”.

وكانت فرحة فاطمة حماد منقوصة، حيث عثر رجال الدفاع المدني على 3 جثامين لأقاربها، لكن جثمان ابنها سعيد ما زال مفقودا منذ أن استشهد في الأول من فبراير/شباط الماضي، ودفنته قوات الاحتلال في قبر جماعي، وتقول للجزيرة نت “الناس تحاول إخراج أولادها لدفنهم وتكفينهم وفق الشريعة الإسلامية، أخرجنا 3 من أولادنا، وباقي ابني سعيد”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *