أديس ابابا– تحت عنوان “أفريقيا: تحديات الهشاشة وفرص الاستفادة من التنافس الدولي”، ينعقد في أديس أبابا أول مؤتمر بحثي ينظمه معهد الشؤون الخارجية في إثيوبيا بالتعاون مع مركز الجزيرة للدراسات، بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء الذين ناقشوا أبرز التحديات التي تواجه القارة السمراء، من الأمن القومي والأزمات الاقتصادية والسياسية، إلى التهديدات البيئية والتكنولوجية.
وفي الجلسة الأولى التي جاءت بعنوان “الهشاشة والأمن الإقليمي”، سلط محمد زكريا، الباحث الاقتصادي من أفريقيا الوسطى، الضوء على عبء الديون الثقيلة الذي تواجهه العديد من الدول الأفريقية وعواقبها السلبية، مثل انخفاض الإنفاق الحكومي وزيادة الفقر والاضطرابات الاجتماعية.
وأشار إلى دور الاستعمار والحرب الباردة اللذين خلّفا إرثًا دائمًا من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في العديد من البلدان الأفريقية، جعلها أكثر عرضة لأزمات الديون، مبيّنا أن المؤسسات الضعيفة والفساد وسوء الإدارة مما أسهم في تفاقم الديون وإعاقة التنمية الاقتصادية.
وشدد محمد زكريا على الحاجة إلى حلول شاملة، إذ تتطلب معالجة أزمة الديون في أفريقيا نهجًا متعدد الأوجه يشمل تخفيف الديون وتحسين الإدارة وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري والبنية الأساسية.
الإرهاب والقرصنة
وتناول الباحث الصومالي المهتم بشؤون القرن الأفريقي الدكتور محمود عبدي العلاقة المعقدة بين الإرهاب والقرصنة في أفريقيا، مشيرا إلى أنهما غالبًا ما يشتركان في أسباب جذرية متماثلة مثل الفقر، وضعف الحكم، والصراعات الإقليمية.
وركز عبدي على منطقة الساحل والقرن الأفريقي وخليج غينيا، مسلطا الضوء على تكييف الجماعات الإرهابية والقراصنة تكتيكاتها لاستغلال التقنيات الجديدة، مثل وسائل التواصل ونظام تحديد المواقع، والتهرب من جهود مكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة.
ودعا عبدي إلى اتباع نهج متعدد الأوجه وإستراتيجيات شاملة وتعاونية لمعالجة هذه التهديدات، من أبرزها:
- التدخلات العسكرية والاقتصادية.
- إشراك المجتمعات المحلية في جهود مكافحة الإرهاب والقرصنة.
- التعاون الإقليمي باعتباره عنصرًا حاسمًا في القضاء على هذه الظواهر.
من ناحيته، قدّم السياسي الموريتاني الباحث المهتم بالشؤون الأفريقية محمد جميل منصور تحليلا شاملا للمنافسة الدولية المتزايدة على النفوذ في أفريقيا، خاصة أن موارد القارة الغنية وموقعها الإستراتيجي يجعلها مرغوبة للقوى العالمية.
وسلط جميل منصور الضوء على التحديات الرئيسة التي تواجه أفريقيا نتيجة لهذه المنافسة، ومن أبرزها الوجود العسكري المتزايد وتجارة الأسلحة اللذان أصبحا يزعزعان الاستقرار ويفاقمان الصراعات.
وشدد على أهمية تبنّي الدول الأفريقية نهجا إستراتيجيا للتعامل مع القوى الأجنبية، عبر فهم دوافع هذه القوى ومصالحها، بما يمكنها من الاستفادة من زيادة الاستثمار والتعاون، مع التخفيف من المخاطر المحتملة.
مجتمع معولم
أما الجلسة الثانية فكانت بعنوان “أفريقيا في سياق مجتمع معولم”، حيث استعرض الأكاديمي والباحث في شؤون النيجر وأفريقيا إدريس آيات التحديات والتعقيدات المرتبطة بتعريف الهوية الأفريقية، خاصة في سياق العولمة الثقافية، مشيرا إلى أن العولمة رغم أنها جلبت الفرص وسهلت التبادل الثقافي، لكنها أدت أيضًا إلى تآكل القيم التقليدية وفرض المعايير الثقافية الغربية.
وشدد إدريس على الحاجة إلى مشاركة الأفارقة بشكل نشط في تشكيل هوياتهم الخاصة، عبر فهم تاريخهم وثقافتهم وقيمهم، وهو الأمر الذي سيمكنهم من التغلب على تحديات العولمة وبناء شعور أقوى بهويتهم.
من جهته، استعرض أستاذ العلوم السياسية في الجزائر والمتخصص في الشؤون الأفريقية الدكتور بوحنية قوي قضية “الحروب بالوكالة” والمليشيات العابرة للحدود، منبهًا على أن الضعف المؤسساتي والفساد والانقسامات العرقية كلها عوامل جعلت أفريقيا ساحة للتنافس بين القوى العظمى التي باتت تلاحق أهدافها الجيوسياسية عبر دعم المليشيات والجماعات المسلحة دون الدخول في مواجهات مباشرة.
وحذر بوحنية من العواقب المدمرة لحروب الوكالة على الدول الأفريقية، والتي تشمل الأزمات الإنسانية وتحويل الموارد إلى الصراعات وعدم الاستقرار الإقليمي، داعيا إلى تعزيز الدبلوماسية والحوار بين الجماعات المتنافسة لحل النزاعات بطرق سلمية وتعزيز المؤسسات الإقليمية الأفريقية، وتحسين الحكم الرشيد، فضلا عن الضغط على القوى الخارجية لوقف دعمها للجماعات المسلحة.
من جهته، سلط العميد في الجيش الإثيوبي سيبسيبي دوبي الضوء على “حروب الجيل الرابع” التي وصفها بأنها تمثل تهديدًا غير مسبوق للدول الأفريقية، مشيرا إلى أنها طمست الخطوط الفاصلة بين المدنيين والمقاتلين، وأصبحت سمة بارزة في العديد من الصراعات الأفريقية مثل الصومال والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأكد العميد سيبسيبي دوبي أن حروب الجيل الرابع تفرض تحديات كبيرة على العقائد العسكرية التقليدية، وتتطلب مرونة أكبر وتكيفًا مع طبيعة الصراعات الجديدة، مشددا على ضرورة الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة لمواجهة التهديدات المتطورة، وإصلاح الجيوش لتكون أكثر قدرة على التكيف والاستجابة السريعة للتهديدات، فضلا عن معالجة الأسباب الجذرية للصراع مثل الفقر وعدم المساواة، واتخاذ تدابير اجتماعية واقتصادية.
الفاعلون والمؤسسات
أما الجلسة الثالثة والأخيرة من اليوم الأول للمؤتمر البحثي فجاءت بعنوان “الفاعلون والمؤسسات”، وقدم فيها الدكتور إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في المغرب، تحليلا لتدخل الجيوش في السياسة الأفريقية، على خلفية الانقلابات العسكرية.
وأوضح حمودي أن التدخل العسكري مرتبط بعوامل مثل ضعف الدولة وعدم احترام الدساتير، خاصة في الدول التي يسعى فيها الرؤساء لتمديد ولاياتهم خارج الأطر الدستورية، مما يدفع الجيوش إلى التدخل ردًّا على هذه الخروقات.
وأشار الأكاديمي المغربي إلى أن ضعف الاحترافية داخل الجيوش الأفريقية أسهم في زيادة الانقلابات، معتبرا أن هذا الضعف هو إرث من الحقبة الاستعمارية التي شكلت الجيوش لخدمة الأنظمة وقمع الشعوب.
كما أشار إلى أن ضعف المؤسسات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي، في مواجهة الانقلابات شجع على تدخل الجيوش، داعيًا إلى تعزيز المهنية العسكرية واستقلال الجيش عن السياسة لضمان استقرار الأنظمة السياسية في أفريقيا.
من جهته، استعرض الباحث السياسي السنغالي هارون با أزمة الدساتير والمؤسسات السياسية في أفريقيا، موضحًا أن معظم الدول دخلت مرحلة الاستقلال دون مقومات كافية لبناء دول حديثة ومستقرة، وذلك جعل دساتيرها مشوهة. كما أشار إلى أن سياسات الإقصاء والحزب الواحد أعاقت تطور الحياة الدستورية والسياسية في القارة.
وقال هارون با إن تغوّل السلطة التنفيذية في العديد من الدول الأفريقية أدى إلى إضعاف مؤسسات البرلمان والقضاء، مشيرا إلى أن الحل يكمن في إجراء إصلاحات جذرية في المؤسسات السياسية الأفريقية، عبر تقوية المؤسسات القضائية ومكافحة الفساد وتعزيز دور المجتمع المدني وصياغة قوانين واضحة ومبسطة تتناسب مع احتياجات المجتمعات الأفريقية.
من جهته، استعرض أستاذ الدراسات الأفريقية وخبير تسوية الصراعات في مصر الدكتور بدر حسن الشافعي مسيرة منظمة إيكواس منذ تأسيسها في عام 1975 ودورها البارز في مجال التدخل الأمني وتسوية النزاعات الداخلية في غرب أفريقيا.
ولكن “إيكواس”، ورغم أن موجة الانقلابات الأخيرة في دول مثل مالي وغينيا وبوركينا فاسو أدت إلى تآكل المكتسبات الديمقراطية وزعزعة الاستقرار الإقليمي، اكتفت بفرض عقوبات اقتصادية وتعليق العضويات، بحسب الشافعي.
وأوضح الأكاديمي والخبير المصري أن الانقلابات الأخيرة أدت إلى تراجع سنوات من التقدم في الحوكمة الديمقراطية في غرب أفريقيا، كما خلقت بيئة خصبة للتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود، مشيرا إلى أن بعض الدول التي شهدت انقلابات بدأت في تشكيل تحالفات جديدة تهدد وجود “إيكواس” كمنظمة رائدة.
وشدد على أهمية استعادة الحكم الديمقراطي في غرب أفريقيا وتعزيز التعاون الإقليمي، وإلا فإن مستقبل منظمة “إيكواس” سيكون على المحك.