جاكرتا- تحمل مسيرات التضامن في إندونيسيا كغيرها من دول العالم، رسائل عديدة تنعكس على سلوك المتضامنين، في مقدمتها مقاطعة الشركات ذات العلاقة بإسرائيل، أو التي أعلنت صراحة عن أي أشكال الدعم أو التعاطف داخل إسرائيل.
وتتوسع دائرة المقاطعة خلال الشهرين الماضيين بشكل لافت في إندونيسيا ذات أكبر سوق في العالم الإسلام، التي تقدّر هيئة الإحصاء الإندونيسية بلوغ عدد سكانها هذا العام 278.8 مليون نسمة.
فتوى حفزت المقاطعة
لم تكن حملات المقاطعة قد ظهرت جلية بين الإندونيسيين، حتى أصدر مجلس العلماء الإندونيسي الشهر الماضي الفتوى رقم 83 لعام 2023، التي باتت المنطلق الفقهي لحملة المقاطعة بين الجمهور.
توجب الفتوى -التي جاءت في 9 صفحات- بتوجيه أموال الزكوات والصدقات لدعم كفاح الشعب الفلسطيني لنيل استقلاله في وجه العدوان الإسرائيلي، وتحرّم أي دعم لإسرائيل أو أي طرف يدعمها، حتى ولو بالرأي أو التأثير لشراء منتجات تدعمها، وفقا لنص الفتوى.
كما صدرت فتاوى داعمة، منها الصادرة عن هيئة بحث المسائل التابعة لجمعية نهضة العلماء في جاوا الغربية، رأت المقاطعة فرض كفاية تضامنا مع أهل غزة، وإضعافا لاقتصاد الاحتلال، ومن له علاقة به.
لم يصدر مجلس العلماء الإندونيسي أي قوائم لشركات لمقاطعتها، فقد انتشرت أكثر من قائمة للمنتجات التي يُدعى إلى مقاطعتها عن ناشطين ومغردين، وليس من أي جهة رسمية أو مؤسسة معينة، وتحّدث أمين لجنة الفتوى بمجلس العلماء الإندونيسي مفتاح الهدى قائلا، إن مجلسه ليس مفوضا بإصدار مثل تلك القوائم.
وأيّد نائب رئيس مجلس الشعب الاستشاري الدكتور هدايت نور وحيد فتوى مجلس العلماء الإندونيسي، واقترح أن يقر تشريع خاص بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، في ظل ارتكابها لجرائم بحق الشعب الفلسطيني، لتكون أساسا قانونيا للمقاطعة، ولتأكيد موقف إندونيسيا تجاه فلسطين والاحتلال.
ودعا نور وحيد إلى تأسيس هيئة معنية بهذا الأمر تجمع المعلومات، وتكون مرجعا معلوماتيا لكل ما له علاقة بالمقاطعة، وبمن تجب مقاطعته حسب العلاقة بإسرائيل وعدوانها، ونشاطات تلك الشركات في داخل البلاد.
شركات تشتكي
وبدأت بعض الشركات تشعر بأثر حملة المقاطعة، وتحدث رئيس “جمعية تجار بيع التجزئة في إندونيسيا” روي ماندي عن تأثر بعض المنتجات ذات العلاقة بإسرائيل، بنسب تتفاوت ما بين 40-45%، وينخفض أثر المقاطعة في منتجات أخرى إلى ما بين 15-20%. معبّرا عن أمله بأن لا تطول فترة المقاطعة لأكثر من 3 أشهر؛ لأن ذلك سيؤثر في المصانع والمحال والعاملين فيها.
وطالبت “غرفة تجارة وصناعة إندونيسيا” على لسان رئيسها التنفيذي يوكي نوغراهاوان حنفي، الحكومة إلى أن تقوم بدور يخفف أثر المقاطعة؛ لأنها في نظره أثرت في القطاعات الصناعية والعمال، مشيرا إلى أن غرفة التجارة والصناعة تركز في اهتماماتها على تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، ولا تتدخل في القضايا الجيوسياسية على حد قوله.
وقالت الأمينة العامة “لرابطة موردي الأسواق الإندونيسية الحديثة” أسوتي ليمان سودي، إن الشركات التي واجهت المقاطعة هي شركات ذات طابع إنتاجي وتشغيلي محلي، ولا علاقة لها بإسرائيل، مشيرة إلى إمكانية تأثر تجارة التجزئة بنسبة 50% إذا استمرت حملات المقاطعة لوقت أطول.
وأكد رئيس “رابطة تجار التجزئة ومستأجري مراكز التسوق الإندونيسية” بوديهارجو إدوانشاه، أن المقاطعة أثرت في قطاع التجزئة بنسب تتراوح ما بين 10-40%، معبرا عن قلقه من تأثر المنتجات المحلية الصنع، وأثر ذلك في الاقتصاد الإندونيسي.
وبالخطاب نفسه جاءت تصريحات رئيسة “جمعية رجال الأعمال الإندونيسيين” شينتا كامداني، وعبّرت فيها عن تعاطفها مع منتجات محلية الصنع واجهت مقاطعة الجمهور، رغم أنه لا علاقة لها بإسرائيل، وأن ذلك أثّر في التجار في الأسواق وإمكانية أن تؤدي إلى تسريح عمال في شركات تأثرت بالمقاطعة، بينما قاطعها المستهلكون لعلاقاتها بشركات وعلامات تجارية عالمية، انتشرت أسماؤها في قوائم المقاطعة في وسائل التواصل الاجتماعي.
فرصة لعلامات تجارية محلية
لكن وخلافا لوجهات نظر رجال الأعمال تلك، فإن تجارا آخرين يرون في مقاطعة علامات تجارية ومنتجات ذات علاقة بشركات عالمية عملاقة متعددة الجنسيات، منافع لتعزيز العلامات التجارية والمنتجات المحلية البديلة، وممن يرى ذلك المسؤول في وزارة التعاونيات والأعمال المتوسطة والصغيرة كوكو هاريونو، فتلك فرصة للمنتج المحلي ليقدم للمستهلك البديل الوطني.
ويرى الباحث في هيئة التصنيف المالي الإندونيسي سوهيندارتو، بأن المقاطعة قد تؤدي إلى تسريح موظفين في شركات، لكنها -أيضا- تعني توجّه المستهلك نحو منتجات وخدمات بديلة، ليؤدي ذلك إلى تصاعد إنتاج وتوسع شركات أخرى.
ويقول نائب الرئيس الإندونيسي الأسبق ورئيس جمعية الصليب الأحمر الإندونيسي يوسف كالا، إنه على المواطنين أن يتحلوا بالحكمة في سلوك مقاطعتهم، حتى لا يؤثر ذلك سلبا في المنتجات المحلية الصنع، محذّرا من خلق إشكالات جراء سلوك استهلاكي غير رشيد بمقاطعة منتجات لا تستحق الامتناع من شرائها.
ومن المفارقات أن محلات جيكو -وهي إحدى العلامات التجارية الإندونيسية- تأثرت سلبا؛ نظرا لأن اسمها يبدو غربيا، حيث قاطعها بعض الزبائن خطأ، رغم أن أصحابها إندونيسيون أسسوا عملهم في 2005، ولها 344 فرعا في إندونيسيا ودول جوارها، وقد أزاحت محالا مشابهة أميركية عن الريادة في السوق المحلية.
ويرى أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة المحمدية بمدينة مالانغ عارف لقمان حكيم، أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية سلوك استنكاري واعتراضي، مشيرا إلى أن في ذلك فرصة للحكومة لدعم المنتج المحلي وتطويره، لتسد حاجات المستهلكين اليومية.
وينبه الباحث في معهد إنديف لتنمية الاقتصاد والتمويل بإندونيسيا أحمد فيري فردوس، إلى أهمية توجيه حملة المقاطعة لتكون حكيمة وعميقة لتؤدي أثرها، مشيرا إلى أن مقاطعة الشركات التي لا علاقة لها بإسرائيل بأي شكل من الأشكال، ستؤثر سلبا في الأيدي العاملة المحلية.
كما طالب معروف أمين، نائب الرئيس الإندونيسي، بأن تكون هناك جهة ذات صلاحية تحدد الشركات التي تدعم إسرائيل حتى لا تتأثر شركات لا علاقة بها.
وفي هذا السياق أكد وزير التجارة الإندونيسي ذو الكفل حسن بأن حكومته لن تتخذ أي إجراء بخصوص المقاطعة، ولن تصدر قائمة للشركات ذات العلاقة بذلك، مشيرا إلى أن ذلك يُعدّ حراكا مجتمعيا، وللمواطنين حقهم ورأيهم، وأن الحكومة تتحمل واجب التقنين في التعاملات التجارية فقط.