كتب المدون والفيلسوف التونسي المازري حداد عن الوسائل التي تستخدمها إسرائيل في تخويف منتقديها، وانتقد الصمت إزاء جرائمها الحالية بعد أن “تحولت غزة من سجن في الهواء الطلق إلى مقبرة جماعية”.
في مستهل مقاله على موقع ميديا بارت الفرنسي، نقل حداد ما قاله الدبلوماسي الفرنسي السابق ستيفان هيسيل من تحول غزة من سجن مفتوح إلى مقبرة، وما قاله مارتن غريفيث، رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مؤخرا “إن الحياة تغادر غزة بسرعة مرعبة”، ليتساءل: “هل نستطيع أن نصف مثل هذه المذبحة بأنها ضحايا جانبية دون تجريد أنفسنا من الأهلية الأخلاقية؟ وهل يمكننا التذرع بالدفاع عن النفس، حتى لو كان ذلك يعني ارتكاب أسوأ الجرائم الجماعية؟”.
الصمت يكفن الحقيقة
وأوضح حداد أنه استسلم لنصيحة الشاعر البلجيكي موريس ميترلينك القائلة: “إذا لم يكن من المؤكد فهم الحقيقة التي ستقولها، فالتزم الصمت”، ولكن الآن، وبعد أن قامت القيامة، واليمين الإسرائيلي المتطرف يريد الذهاب إلى أبعد من ذلك في نشوة السلطة، بدعم مالي وعسكري أميركي، لم يعد الصمت يدعم الحقيقة، بل هو كفنها، لأن الصمت والحياد في وجه الظلم لا يعني التغاضي عن الظالم وإبراء ذمته فحسب، بل هو اغتيال للمظلوم مرة ثانية.
ويقول الكاتب في صلب مدونته إن انتقاد إسرائيل عام 2009 كان يعادل “الإرهاب” أو التعاطف مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أما اليوم فالأمر أسوأ، فإذا أدنت الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتعصبة والمتطرفة، فأنت لست مشتبها به ولا شريكا لـ”الإرهاب” فحسب، بل أنت مذنب بالفعل”.
سلاح الردع الإسرائيلي الهائل
وأوضح أن معاداة الصهيونية وبالتالي معاداة السامية، هما سلاح الردع الهائل الذي تمتلكه إسرائيل وناقلاتها حول العالم، وهو الدرع التذكاري و”الأخلاقي” الذي يجيز لها أن ترتكب مجازر بلا إحصاء، ويسمح لمتعصبيها بتبرير ما لا يوصف دون اعتراض أو رد.
وذكّر المدون بمقولة جيمي كارتر، الرئيس الأميركي الأسبق ومهندس اتفاقيات كامب ديفيد، عقب زيارته لغزة في يونيو/حزيران 2009، بعد عملية الرصاص المصبوب، منددا بالحصار الذي تفرضه إسرائيل ولا مبالاة المجتمع الدولي، “إن الفلسطينيين يعاملون كالحيوانات”.
حصار كامل
وقال حداد إنه بعد 14 عاما مما قاله كارتر، جاء وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ليؤكد هذا الفعل اللاإنساني المروع قائلا “إننا نفرض حصارا كاملا على مدينة غزة. لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود. كل شيء مغلق. نحن نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف وفقا لذلك”، وهذا ما تسمى “جريمة إبادة جماعية” وحتى جريمة ضد الإنسانية.
وفي السياق نفسه، ذكّر حداد بتقرير القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون، وما قضت به محكمة العدل الدولية من أن أفعال إسرائيل تقع ضمن اتفاقية الإبادة الجماعية.
الموت قبل الموت
وأشار إلى إن الوفيات عام 2009 كانت 1434 حالة، أما في بداية رمضان الحالي، فقد بلغ عدد القتلى المدنيين أكثر من 31 ألفا بما في ذلك 12 ألفا و800 طفل، قائلا إن هذا العدد المروّع الذي أكدته الأمم المتحدة والذي لا يزال البعض يلطفه بصيغة “حسب وزارة الصحة في غزة”، لا يشمل الجثث التي ظلت محاصرة تحت الأنقاض، ولا الوفيات الناجمة عن نقص الرعاية والدواء، ولا أولئك الذين سيموتون من الجوع، إذ ليس هناك موت أسوأ من الموت قبل الموت، كما يعلق المدون.
وعلق بأن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لا يجدان فرقا بين حماية النفس والعقوبة، ولا بين مطاردة قوات حماس وذبح سكان غزة، ولا يعترفان بالحدود الأخلاقية ولا بالضرورات القانونية ولا حتى بالأهداف العسكرية.
واستمر في تعليقه قائلا: “سواء كان ذلك فرديا أو جماعيا، وسواء ارتكبته ما تسمى بجماعة همجية وإرهابية، أو ما تسمى دولة متحضرة وديمقراطية، فإن الشر يظل شرا، والخير يظل خيرا، وفوق الخير والشر، يبقى الإنسان، سواء كان يهوديا أو فلسطينيا أو توتسيا أو أرمنيا أو روهينغا… فإن حياته مقدسة ومعترف بها على هذا النحو في جميع الأديان، وفي جميع الفلسفات والمواثيق والدساتير”.
لا يهتمون بالقانون الدولي بل بأساطيرهم
وتساءل إذا ما كان الهجوم الذي أصاب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مهما كانت بشاعته، يبيح فرض عقاب جماعي على شعب بأكمله، مشيرا إلى أن الرئيس الاشتراكي إسحاق هرتسوغ المعروف “باعتداله” هو الذي أعلن أن “أمة بأكملها هي المسؤولة”، ليصرخ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قائلا “سوف نزيل كل شيء”.
وأكد أن نتنياهو وأعوانه العنصريين ومرتكبي الإبادة الجماعية لا يهتمون بجميع قرارات الأمم المتحدة وميثاقها والقانون الدولي الذي ينص على حق الشعوب في تقرير المصير، بل يجدون أنفسهم أكثر في الجملة التوراتية المرعبة “اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلا وامرأة طفلا ورضيعا بقرا وغنما جملا وحمارا”.