بدأ العام الدراسي الجديد في أفغانستان يوم 22 مارس/آذار، لكن لا يبدو في الأفق ما يدل على إرادة لحكومة حركة طالبان بفتح أبواب المدارس والجامعات أمام مئات آلاف الفتيات.
وبالرغم من كل المحاولات الداخلية -ومع استمرار المطالبات الدولية- لم تسمح السلطات للفتيات بالعودة إلى مقاعد الدراسة بعد المرحلة الابتدائية.
وقد تحول حرمان النساء من الدراسة والتعليم لأزمة حقيقية داخلية، كما صار عائقا كبيرا أمام تطبيع العلاقات بين طالبان والمجتمع الدولي الذي يطالب برفع الحظر عن تعليم المرأة كشرط أساس للاعتراف بحكومة الإمارة الإسلامية.
حتى إشعار آخر
أغلقت المدارس والجامعات أمام الفتيات خلال فترة الحكم الأول لطالبان من (1996-2001) ولكن قيادات الحركة قبل العودة إلى السلطة للمرة الثانية كانوا يؤكدون في مناسبات مختلفة أنهم سيسمحون للنساء بالدراسة والتعليم، وهو ما اعتبره كثير من المراقبين مؤشرا على حصول تغيير في نمط تفكير طالبان.
ولكن بعد فترة قصيرة من استلامها الحكم، أصدرت الحركة قرارا بمنع الفتيات من مواصلة الدراسة بعد الصف السادس الابتدائي بما في ذلك المرحلة الجامعية “حتى إشعار آخر” كما جرى المرة الأولى من حكمها في تسعينيات القرن الماضي، حيث لم تتحول عن ذلك الموقف حتى الغزو الأميركي للبلاد وإسقاط حكومتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، وتمكنت الفتيات آنذاك من العودة إلى المدارس والجامعات.
مسيرة طويلة لتعليم النساء
بدايات التعليم الرسمي للمرأة في أفغانستان كانت في عهد الملك أمان الله خان (1919- 1929) واستمرت الأفغانية في التعليم ولم تنقطع هذه السلسلة إلا لفترة وجيزة بعد سقوط الحكومة عام 1929، ثم خلال فترة الحكم الأول لطالبان، وأخيرا الانقطاع الأخير والمستمر حتى الآن بعد عودة الحركة للحكم.
ورغم تعرض الأفغانية لموجات التغريب خلال القرن المنصرم والتي أثارت ردود فعل قوية في أوساط علماء الدين وشرائح من الشعب، ومحاولات حكومية جادة وممنهجة منذ ستينيات القرن الماضي، فقد استمرت حتى نهاية الحكم الشيوعي عام 1992 لفرض التعليم المختلط بالمرحلة الجامعية. إلا أن مدارس البنات في جميع المراحل بقيت بمنأى عن الاختلاط، مع ضرورة الالتزام باللباس المحتشم.
وحسب إحصائيات منظمة اليونسكو، سجل عدد الطالبات بالجامعات الأفغانية حوالي 5 آلاف طالبة مع استئناف عودة البنات للمدارس والجامعات عام 2001، ثم ارتفع هذا العدد ليصل عدد الجامعيات عام 2021 إلى أكثر من 103 آلاف طالبة.
ثم تراجع هذا الرقم إلى الصفر في ظل حكم طالبان الحالي حيث لا توجد طالبة واحدة بالجامعات الحكومية والأهلية التي يتجاوز عددها 165 جامعة ومؤسسة للتعليم العالي 39 منها حكومية و126 أهلية مرخصة، حسب بيانات وزارة التعليم العالي.
وأما عدد الطالبات في جميع مراحل التعليم من المتوسطة حتى الثانوية فقد ارتفع من الصفر عام 2001 إلى 2.5 مليون طالبة عام 2018، وحسب بيانات اليونسكو شهد عام 2021 وجود 4 بنات من بين كل 10 طلاب في المرحلة الابتدائية، بينما في ظل حكومة طالبان اليوم يسمح للبنات بالدراسة في المرحلة الابتدائية والمدارس الدينية فقط.
مبررات الحظر
لم تقدم السلطات مبررا واضحا حول قرارها إغلاق مدارس البنات والجامعات، واكتفت ببيان مقتضب يفيد بمنع البنات من الذهاب إلى المدارس بعد الابتدائية حتى “إشعار آخر”.
وأما بالنسبة للجامعات فقد استمرت دراسة الفتيات فيها سنة و4 أشهر بعد ما تم فصلهن عن البنين بحواجز داخل قاعات الدراسة أولا ثم الفصل التام بتخصيص 3 أيام للطلاب، ومثلها للطالبات في الخطوة الثانية، ولاحقا تم إغلاق الجامعات أمام الطالبات في ديسمبر/كانون الأول 2022.
واختلفت تصريحات المسؤولين في حكومة تصريف الأعمال وتبريراتهم، فالمتحدث الرسمي باسم الإمارة الإسلامية ذبيح الله مجاهد برر القرار بأنه لأجل “توفير الظروف المناسبة” دون أن يفصح عن هذه الظروف، وأما المتحدث باسم وزارة المعارف في البداية فقال إن قرار الحظر مؤقت، والسبب مشكلات لوجستية وفي المراحل اللاحقة.
في المقابل، قالت وزارة المعارف إنها “جاهزة لفتح المدارس أمام الطالبات في المرحلتين المتوسطة والثانوية إذا أمرت القيادة بذلك” بينما عزا شخصيات ومسؤولون آخرون في الحركة وحكومة تصريف الأعمال قرار حظر تعليم البنات إلى وجود “ملحوظات شرعية في المناهج الدراسية والزي المدرسي ونوعية المواد التي تدرس للبنات”.
وأما وزير المعارف السابق في حكومة طالبان نور الله منير فقد قال في تصريح له بولاية أورزجان إن “الناس في المناطق النائية من البلاد لا يريدون أن تذهب بناتهم إلى المدارس بعد المرحلة الابتدائية”.
ويقول مراقبون إن السبب الرئيس لمنع الفتيات من الدراسة هو القناعة الراسخة لدى بعض القيادات الكبيرة والمؤثرة على زعيم الحركة بعدم جواز تعليم المرأة غير المسائل الدينية أصلا، والسماح بتعليم مهن كالتطريز وعلوم كالطب فحسب، وهناك من يذهب أبعد ويفتي بعدم جواز تعليم الكتابة للمرأة استنادا إلى روايات وأحاديث موضوعة.
مؤيدو الحظر
وبناء على رأيه في دور المرأة داخل المجتمع، يقول رئيس المحكمة العليا المولوي عبد الحكيم حقاني عن تعليمها “لا بد في تعليم النساء وتعلمهن من التفريق بين مبدأ التعلم والتعليم وكيفية التعلم والتعليم، فإن الأول لا شك في جوازه، بل يجب على المرأة علم ما يجب عليها فعله وما يستحب لها فعله”.
ويرى حقاني أن “الأولى أن تتعلم النساء في البيوت من محرمهن لأن حق تعليمهن على أوليائهن..” ويؤكد على التزام المرأة بالآداب الشرعية إذا احتاجت للخروج لتعلم العلوم الدينية.
وأما عن تعلم العلوم العصرية، فيقول مؤلف كتاب الإمارة الإسلامية ونظامها “هذا في تعلم النساء العلوم الدينية، والدنيوية كتعلم الخياطة وعلم الطب. وأما ما لا يناسبهن كالكيمياء والهندسة ونحوهما فلا يحتاج لخروجهن لها وإن كانت من فروض الكفاية… لكن بتعلم الرجال وتعليمهم تفرغ ذمة الكل. فأي حاجة شرعية لخروجهن؟”.
ويرى حقاني، وهو من المنظرين والمراجع الفقهية لحركة طالبان أنه “يجب في الدولة الإسلامية ترجيح التعليم الديني على العصري، ولا يعني أن يترك الأخير بل المراد أن يكون العصري ضمن الديني” ويضيف “من المعلوم المجرب أن التوغل في العلوم الجديدة العصرية مهلك للعقيدة والعمل”.
ويتبنى هذا الاتجاه شريحة واسعة من المنسوبين إلى العلوم الشرعية داخل الحركة، ومن هؤلاء على سبيل المثال المولوي خليفة دين محمد رئيس مجلس شورى علماء كابل المعين من قبل زعيم الحركة، ورئيس جامعة هرات الحكومية المفتي أبو الحكمت عبد الغفار، وآخرون.
وقد صرح عبد الغفار بأن “فكرة وجود مدارس البنات في الأصل غربية وصلت إلينا من الكفار ولا أصل لها في الإسلام ولا يوجد لها مثال في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم”.
ويرى هذا المفتي -وهو يرأس جامعة فيها 16 كلية و70 قسما علميا- أن دراسة المرأة بالمدارس وخارج البيت “تسبب في إفسادها وانحرافها” وإذا كانت ثمة حاجة لها أن تدرس العلوم الدينية والطب فـ”يجب على أبيها وأخيها وزوجها أن يدرسها الطب في البيت”.
مؤيدو تعليم النساء
ومقابل الأصوات المانعة لتعليم النساء، هناك قطاع من العلماء الشرعيين داخل الحركة يؤيدون ويطالبون بفتح المدارس والجامعات أمام الفتيات، وإدخال إصلاحات وتعديلات في النظام التعليمي إن كان ثمة ملحوظات شرعية.
ومن بين تلك الأصوات، المولوي عبد السميع الغزنوي أحد كبار المراجع العلمية في طالبان، حيث يقول “لا ينبغي ربط الحجاب بالتعليم. فالحجاب فرض ابتداء على المسلمة، والتعليم أيضا فرض. وإذا كانت هناك مشكلات -كما يقولون- فعلى الحكومة إصلاح الأمور وأن تهيئ الظروف. فهذه مسؤوليتها وليس الحل في الإغلاق والمنع”.
وداخل الحركة والحكومة أصوات تطالب بفتح المدارس والجامعات أمام البنات، ومنها شير عباس استانكزي نائب وزير الخارجية الذي تحدث أكثر من مرة حول حق المرأة في التعليم مطالبا السماح لها بالعودة إلى المدارس والجامعات، وقال “علينا أن نوفر الظروف لتعليم كل مواطن في هذه البلاد رجلا كان أم امرأة، هذا حقهن الطبيعي والشرعي والإسلامي”.
وفي تصريح آخر، قال نائب وزير الخارجية “إن استمرار إغلاق أبواب المدارس أمام البنات يزيد المسافة بين الشعب والحكومة”.
وتحدث أحد الشخصيات المقربة من طالبان للجزيرة نت بشرط عدم ذكر اسمه، وقال “كثير من الوزراء والمسؤولين في كابل مثل وزراء الخارجية المولوي أمير خان متقي، والدفاع المولوي محمد يعقوب مجاهد، والداخلية الملا سراج الدين حقاني، يؤيدون رفع حظر تعليم البنات، ولكنهم لا يستطيعون مخالفة زعيم الحركة المولوي هبة الله آخند زاده والشيوخ المقربين منه”.
إصرار اجتماعي
ومما يثير الشكوك حول إرادة فتح المدارس أمام الفتيات أن الحكومة لم تتخذ أي خطوة لإصلاح نظام تعليم البنات، ولم تعلن عن أي تقدم أو إجراءات بهذا الشأن، الأمر الذي يفهم منه حسب قول الطالبة الثانوية بهارة سادات بأن “سلطة طالبان لا تريد عودة الفتيات للمدارس والجامعات مثلما فعلوا في عهد حكمهم الأول”.
ويطالب علماء وشخصيات سياسية وشخصيات من المجتمع طالبان وحكومتها بفتح المدارس والجامعات أمام البنات، ويرون أن استمرار الوضع وحرمان نصف المجتمع من الدراسة من التعليم لا يتعارض مع تعاليم الإسلام وأحكامه فحسب، بل ينذر بكارثة حقيقية في حق الشعب ومستقبل البلاد، كما أفاد بيان صادر عن الحملة الوطنية لدعم تعليم البنات.
وقال البيان إن “التعليم واجب ديني وحق أساسي من حقوق الإنسان، فهو كذلك يمثل إرادة الشعب ويعتبر شرطا مهما لاستقلال البلاد واستقرارها واكتفائها الذاتي وازدهار مستقبلها، وبالتالي لا يمكن لأي مواطن أفغاني القبول بتقييد تعليم الفتيات أو التسامح معه”.
ويضيف البيان “رغم المطالبات المتكررة لعلماء الدين وشيوخ القبائل والمجتمع المدني والمجتمع الدولي، لم يتم فتح أبواب المدارس أمام البنات، بل أغلقت أبواب الجامعات في وجه المرأة، وقوبلت الاحتجاجات بالقمع. ومع أن بعض مسؤولي النظام يعتبرون الحظر الراهن على تعليم الأفغانية أمرا مؤقتا ويتحدثون عن منهج دراسي جديد وظروف مناسبة لتعليم المرأة، لكن في الواقع لا يمكن رؤية أي ضوء في هذا النفق المظلم حتى الآن”.
تداعيات قرار الحظر
وعن نتائج وتداعيات استمرار منع الأفغانية من التعليم، تقول الأستاذة الجامعية وحيدة عدالت جو إنها “تسبب في انتشار الاكتئاب في أوساط الفتيات”.
ومن جانبه، يؤكد الدكتور محمد إبراهيم شينواري القائم بأعمال وزير المعارف بحكومة الرئيس السابق أشرف غني أن استمرار حظر التعليم يؤدي إلى اليأس والضغط النفسي والاكتئاب الشديد وفقد الثقة بالنفس لدى الفتيات، كما يسبب في انتشار أمراض نفسية ومشكلات اجتماعية مختلفة، بحسب وصفه.
وتتحدث تقارير إعلامية عن هجرة كثير من العائلات الأفغانية إلى الدول المجاورة وبعض الدول الغربية لأجل توفير فرص الدراسة لبناتها، كما أن جامعات ومؤسسات غربية تحتضن طالبات أفغانيات بتقديم منح دراسية لهن.
وإلى أن تحسم قيادات طالبان موقفها من تعليم المرأة فكريا وتعيد النظر في قرارها، تبقى الأفغانية محرومة من التعليم ويبقى اليأس والاحباط والاستياء في أوساط فئات من الشعب، بينما يستمر التوتر في العلاقات مع المجتمع الدولي.