أوضح موقع أميركي أن تلاشي الذكريات بعد كل هذه العقود من الاحتلال الإسرائيلي، أدى إلى عدم فهم كثيرين لجذور وطبيعة ما يجري في قطاع غزة، موضحا أنه ما لم تغير إسرائيل سياساتها فلتتوقع مقاومة أقوى وأشد بصرف النظر عما إذا كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد “دمرت” أم لا.
وأضاف ضابط المخابرات الأميركي السابق بول بيلار في مقال له بموقع ناشونال إنترست أن الكثير من الخطابات على مدى الأشهر الثمانية الماضية حاولت محو الذكريات بشكل أكثر جذرية من خلال التظاهر بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكما لو أن هجوم حماس على جنوب إسرائيل كان صاعقة من السماء لا مبرر لها سوى الكراهية الفطرية غير المبررة للإسرائيليين.
ولا يحتاج المرء إلى العودة بعيدا في تاريخ الصراع بحثا عن منظور يقوض هذا الوصف -كما يقول الكاتب- إذ قتل 1632 فلسطينيا بين عامي 2014 و2023، على يد الإسرائيليين وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، مقابل 155 إسرائيليا على أيدي الفلسطينيين وهذا أكثر من ضحايا هجوم حماس الذي قدرته الحكومة الإسرائيلية بنحو 1200 شخص.
بدأ الإرهاب إسرائيليا
وبالعودة أبعد في تاريخ الصراع، يمكن فهم طبيعة وأسباب “العنف” الفلسطيني ضد إسرائيل، حيث أدرك الصهاينة في وقت مبكر أن مشروعهم يتضمن بالضرورة استخدام العنف ضد الشعب الذي يعيش في فلسطين، فكانت المذابح والتهجير الجماعي، وهي تجربة جماعية مؤلمة تعيش عليها النكبة كجزء من الوعي الوطني الفلسطيني، وكان الإرهاب آنذاك إلى حد كبير من عمل مجموعات قادها رئيسا الوزراء الإسرائيليان مناحيم بيغن وإسحق شامير، كما يقول الكاتب.
أما بالنسبة للعديد من الأميركيين اليوم، فقد غرس فيهم أن الإرهاب الدولي مرتبط بالتنظيمات الفلسطينية، إذ ارتكبت جماعات فلسطينية العديد من الهجمات التي احتلت العناوين الرئيسية في زمن مضى، مثل عمليات اختطاف طائرات ركاب متعددة ومتزامنة، وقتل رياضيين إسرائيليين في أولمبياد ميونخ عام 1972.
وشملت الجماعات الفلسطينية التي نفذت الهجمات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والصاعقة وحركة فتح، وجماعات منشقة مثل أيلول الأسود، وكانت تمثل مجموعة متنوعة من الأيديولوجيات والتوجهات السياسية، التي لم يوحدها إلا الغضب المشترك من القهر الإسرائيلي لإخوانهم الفلسطينيين، وقد كانوا في الغالب علمانيين وليسوا إسلاميين.
ولم يكن لحماس، التي لم تتأسس إلا عام 1987، أي دور في أي من هذا، ولذلك يقتضي النظر الصحيح أن ينظر المرء إلى من يسبب المشكلة المتكررة بدلا من الاستمرار في إلقاء اللوم على الآخرين.
هدف مضلل
وإذا صدقنا كلام القادة الإسرائيليين -يوضح بول بيلار- بأن الهدف المعلن من مواصلة عدوانها على القطاع هو “تدمير حماس”، فلا بد أن ندرك أن هذا الهدف مضلل على مستويات متعددة، لأن حماس ليست جيشا نظاميا يحسب تدميره بعدد الكتائب التي تم استئصالها، بل هي حركة وأيديولوجية ووسيلة للتعبير عن عدم الرضا عن القهر الذي تمارسه إسرائيل.
وبحسب بيلار فإن سلوك إسرائيل في غزة أدى لزيادة شعبية حماس بين الفلسطينيين لأنهم رأوا فيها المجموعة الأكثر صدقا في الوقوف في وجه إسرائيل، خلافا للسلطة الفلسطينية التي لا يرون فيها إلا مجرد أداة مساعدة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
ولم تصبح حماس كما هي اليوم بسبب شيء في جيناتها، بل بسبب الظروف التي أخضعت لها إسرائيل الشعب الفلسطيني، وإذا اختفت حماس غدا فإن جماعات أخرى سوف تستخدم العنف كوسيلة للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما فعلت ذلك مجموعات سابقة نشطت في الستينيات والسبعينيات.
وخلص الكاتب إلى أن المعاناة التي تحملها سكان قطاع غزة خلال الأشهر الـ8 الماضية ستخزن في الوعي الفلسطيني إلى جانب نكبة الأربعينيات والغزوات الإسرائيلية، لإدامة الغضب الفلسطيني وتحفيز تلك الجماعات المستقبلية، ولن تنتهي هذه القصة المأساوية بتدمير أي جماعة بعينها، بل فقط بتقرير مصير الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال.