صمت في ذكرى الثورة.. هل عاد التونسيون إلى مربع الخوف؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

تونس– في الذكرى السنوية الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية غابت مظاهر الاحتفال الرسمي والتظاهر السلمي للقوى السياسية والمدنية، لتحل محلها حالة من الصمت المشوب بالإحباط، فيما أرجع سياسيون ذلك إلى سطوة نظام الحكم الحالي للرئيس قيس سعيد.

وبدت العاصمة تونس التي انتشر في كل زاوية منها عناصر الأمن في حالة صمت مطبق غير مسبوق، حيث خلت الشوارع من مظاهر التجمهر السياسي أو المسيرات الاحتجاجية ضد الرئيس قيس سعيد، في لحظة مفصلية يفترض أن تكون فرصة لاسترجاع ذكريات الثورة ومطالبة السلطة بتكريس الحرية.

وجاءت الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية التي انطلقت في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010 في محافظة سيدي بوزيد لتتوج بسقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011، وسط مشهد سياسي واجتماعي متأزم، بسبب استمرار اعتقال معارضين للرئيس سعيد وتدهور الأوضاع المعيشية.

ويرى مراقبون أن حالة الركود في الشارع التونسي تعكس إحباطا عاما لدى التونسيين الذين أصبحوا منشغلين بمحاولات التأقلم مع واقع سياسي واقتصادي واجتماعي صعب، في ظل عودة الملاحقات القضائية والأمنية ضد المعارضين والنشطاء وكذلك تدهور المعيشة وارتفاع الأسعار والبطالة والفقر.

الرئيس قيس سعيد أثناء تقديمه لملف ترشحه في الانتخابات التي فاز بها مؤخرا (الجزيرة)

ركود وإحباط

ويثير هذا الوضع تساؤلات حول أسباب غياب نشاط المعارضة التي تبقى الأنظار متجهة نحوها باعتبارها كانت تمثل صمام الأمان للثورة في السنوات الأخيرة. وهذا الخمول يسلّط الضوء على تراجع قدرة الأحزاب على تعبئة الشارع أو التأثير في المزاج العام، في ظل ما تصفه المعارضة بتصاعد القمع السياسي.

حول هذا يقول القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني للجزيرة نت إن الخمول السياسي هو نتيجة مباشرة لحالة الإحباط التي تمر بها القوى السياسية والمدنية، مشيرا إلى حصول انتكاسة لدى التونسيين أسهمت في تغييب ذكرى الثورة لديهم جراء تكريس الرئيس سعيد نظاما فرديا.

وبعد عامين من صعوده للحكم، اتخذ سعيد يوم 25 يوليو/تموز 2021 تدابير استثنائية أبرزها حل البرلمان السابق وإقالة حكومة هشام المشيشي وحل المجلس الأعلى للقضاء وإلغاء دستور 2014، ليقوم بعدها بسن دستور جديد حيث استبدل بالنظام البرلماني آخر رئاسيا منح فيه لنفسه صلاحيات واسعة.

وقوبلت تلك الإجراءات برفض واسع من أوساط المعارضة، لكنها لم تتمكن من حشد الشارع بسبب القبضة الأمنية التي تمنع أي تحرك معارض واسع النطاق. هذا فضلا عن سلسلة الملاحقات الأمنية والقضائية التي انتهت باعتقال عشرات المعارضين من مختلف التيارات والتوجهات الفكرية والسياسية.

ويرجع العجبوني غياب أي شكل من أشكال التظاهر السلمي لأحزاب المعارضة في ذكرى الثورة التونسية إلى عدم التنسيق فيما بينها بسبب المناخ الحالي الذي يتسم بالتخويف والترهيب والزج بكل نفس معارض وكل رأي حر في السجون في ظل القبضة الأمنية والقضائية للنظام.

ويقول “سعيد لم يكن يوما معارضا لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أو مناضلا من أجل الديمقراطية، وكل ما قام به بعد الثورة هو فرض سياسة الأمر الواقع لإرساء حكم فردي زاد من عودة التونسيين لمربع الخوف”، معتقدا في المقابل أن الشعب التونسي سيرفض هذه الحالة ليسترجع حريته.

ويتابع “لقد علّمنا التاريخ أن الاستبداد مهما طال لا يمكن أن يدوم. وقد شاهدنا كيف انتهى النظام السوري بعد عقود من القمع والاستبداد، وهو درس يجب أن يستوعبه كل من يعتقد أن السلطة الفردية ستبقى دائمة”.

المحامي والناشط الحقوقي العياشي الهمامي الجزيرة
العياشي الهمامي: الأحزاب السياسية عاجزة عن استيعاب ما حدث من انحراف للثورة (الجزيرة)

انسداد سياسي

بدوره، يقول القيادي بحركة النهضة، بلقاسم حسن، للجزيرة نت، ردا على سؤال حول سبب هذا الفتور السياسي التونسي، إن تقهقر الحراك السياسي مرتبط بتعطل الانتقال الديمقراطي، معتبرا أن الوضع السياسي التونسي يشهد انسدادا في ظل غياب أي حوار وطني أو انفتاح على مطالب المعارضة.

وأشار حسن إلى قيام أحزاب المعارضة، وخاصة حزبه، بتحركات عديدة آخرها يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، المتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، للمطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين وأغلبهم من حركة النهضة ومنهم زعيم الحزب راشد الغنوشي.

ولفت حسن إلى انكباب مكونات جبهة الخلاص الوطني المعارضة، التي تشكل حركة النهضة أحد أبرز أطرافها، على إعادة ترتيب أولوياتها الداخلية للخروج من حالة الركود، خاصة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس سعيد بولاية ثانية من 5 سنوات.

من جهة أخرى، تحدث المحامي والناشط الحقوقي، العياشي الهمامي، عن حالة الإحباط واليأس التي تعيشها القوى السياسية والمدنية جراء القمع السياسي والملاحقات المستمرة في حق المعارضين والنشطاء والصحفيين، والتي لعبت دورا كبيرا في إضعاف الحراك السياسي وتجذير حالة من الخوف لدى التونسيين.

كما يضيف للجزيرة نت أن الأحزاب السياسية بقيت عاجزة عن استيعاب ما حدث من انحراف عن أهداف الثورة وضرب للحرية والديمقراطية في فترة حكم قيس سعيد، مشيرا إلى أنها تعيش حالة إحباط وارتباك ولم تنجح في تقديم تصورات بديلة لمقاومة نظام الحكم الفردي الذي جثم على البلاد.

ويرى أن سعيد قام بإلغاء الاحتفال بذكرى سقوط النظام الدكتاتوري للرئيس بن علي في 14 يناير/كانون الثاني مقابل اعتماد تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 كتاريخ لاندلاع شرارة الثورة التونسية، لكنه لم يحرص حتى على الاحتفال الرسمي به، ما يعكس محاولة منه لكسر صورة الثورة في أذهان التونسيين، وفق رأي الهمامي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *