تناولت الصحف الفرنسية قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق من زوايا مختلفة ولكنها متقاربة، بحيث اتفقت على أنه يثير مخاوف من التصعيد.
ولئن رأت صحيفة “لوموند” أن إيران -التي تجنبت حتى الآن الدخول في صراع مفتوح مع إسرائيل- تجد نفسها مضطرة للانتقام فإن موقع “ميديا بارت” اعتبر أن هذه الضربة تقوض مفهوم “الصبر الإستراتيجي” الذي طوره النظام الإيراني، في حين اعتبرت مجلة “لوبوان” أن تل أبيب تعمل على تصفية كبار المسؤولين في الحرس الثوري مستفيدة من ضبط النفس الذي أبدته إيران منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ففي تصعيد يبدو كأنه استفزاز لإيران -حسب لوموند- وجهت إسرائيل ضربة ساحقة إلى “محور المقاومة” عندما حولت طائراتها مبنى تابعا للقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق إلى كومة من الركام، مما أسفر عن مقتل 11 شخصا، بينهم اثنان من قادة فيلق القدس.
واستعرضت الصحف الثلاث ردود الفعل الإيرانية الفورية التي اقتصرت على التوعد بأن “هذه الجريمة الجبانة لن تمر دون رد”، حسب الرئيس إبراهيم رئيسي الذي وصف الضربة بالتصرفات “غير الإنسانية” وأنها “غزو عدواني وخسيس وانتهاك صارخ للقواعد الدولية”.
معايرة صعبة
بدوره، دعا وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان المجتمع الدولي إلى تقديم “رد جدي” على هذه “الأعمال الإجرامية”، وقال المتحدث باسمه إن إيران ستقرر نوع رد الفعل والعقاب الذي ستتخذه ضد إسرائيل.
كما دعت روسيا -التي تتدخل عسكريا إلى جانب إيران في سوريا- إسرائيل إلى “وضع حد لأعمال العنف المسلح الاستفزازية ضد الأراضي السورية والدول المجاورة”، وطلبت عقد جلسة عامة لمجلس الأمن بشأن هذا الهجوم.
وتتفق الصحف على أن إيران تواجه بالفعل معضلة، لأن الرد -حسب لوموند- قد يؤدي إلى صراع مفتوح مع إسرائيل وحريق إقليمي، وهو السيناريو الذي سعت طهران إلى تجنبه منذ بدء الحرب على قطاع غزة، تاركة حلفاءها ضمن “محور المقاومة” يهاجمون إسرائيل دعما لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتكمن الصعوبة بالنسبة لطهران -حسب “ميديا بارت”- الآن في معايرة ردها بشكل صحيح بحيث لا يؤدي إلى صراع مباشر مع تل أبيب، خاصة أنها صاغت لتبرير عدم الرد على الهجمات الإسرائيلية مفهوم “الصبر الإستراتيجي”، ولكن الهجوم الحالي يقوض هذا المفهوم.
لكن المخاطر هذه المرة أعلى بكثير -حسب “ميديا بارت”- لأن القنصلية المعنية تتمتع بالحماية الدبلوماسية، كما يتمتع موظفوها بالحصانة، لذلك كانت الأراضي الإيرانية هي التي تأثرت بطريقة ما، وبالتالي فإن الهجوم “انتهاك لجميع الالتزامات والمواثيق الدولية”، حسب عبد اللهيان.
وتشير التحاليل السائدة في دوائر صنع القرار في إيران -حسب الموقع- إلى أن “إسرائيل تريد دفع إيران إلى الرد عسكريا عليها لصرف انتباه المجتمع الدولي عن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة من خلال الظهور بمظهر الضحية”، في حين أن إيران ليست لديها مصلحة في الدخول بلعبة إسرائيل، والأميركيون لا يرغبون في الانخراط بصراع أوسع في المنطقة.
عدم الرد ضعف
ويبدو للمجلة أن الرد الإيراني ضد الأراضي الإسرائيلية مستبعد في هذه المرحلة، ومع ذلك قالت أعلى سلطة في إيران إنها سترد على الهجوم، وتعهد المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي بأن “النظام الصهيوني الشرير سيعاقب من قبل رجالنا الشجعان”.
فاتانكا: إيران حتى الآن آثرت غض الطرف عن الأعمال الإسرائيلية التي تستهدف رجالها في سوريا، ولكن استهداف القنصلية يعني استهداف العاصمة، وعدم الرد سيكون انحناء، وسيكون من المستحيل على طهران أن تجد الخطاب المناسب للتهرب منه
لكن عدم الرد -حسب “لوموند”- يمكن أن يشوه سمعة طهران داخل محور المقاومة ويقلل قوة الردع لديها ضد إسرائيل، وبالتالي تعريض كوادرها لهجمات أخرى، خاصة أن إسرائيل تفسر ضبط النفس الإيراني بأنه علامة ضعف، كما تقول مجلة لوبوان.
ونقل موقع “ميديا بارت” قول مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط أليكس فاتانكا إن “طهران لديها مشكلة في الصورة”، إذا قلت إنك قوي جدا وأنت تتعرض للضرب باستمرار ولا ترد فإن قوتك لم تعد ذات مصداقية.
وأضاف أن “إيران حتى الآن آثرت غض الطرف عن الأعمال الإسرائيلية التي تستهدف رجالها في سوريا، ولكن استهداف القنصلية يعني استهداف العاصمة، وعدم الرد سيكون انحناء، وسيكون من المستحيل على طهران أن تجد الخطاب المناسب للتهرب منه”.
وحسب عالم السياسة فراس قنطار مؤلف كتاب “سوريا.. الثورة المستحيلة”، فإن “إيران يجب عليها الرد في مواجهة هجوم كهذا (..)، وعليها أن تسأل نفسها من يبلغهم (الإسرائيليون) بالمعلومات بهذه الدقة؟”، لأن الطائرات الإسرائيلية انتظرت حتى غادر القنصل الإيراني -الذي شارك في اللقاء مع ضباط فيلق القدس- القنصلية لإطلاق صواريخها.