باريس- تجمّع آلاف المتظاهرين في ساحة الجمهورية بالعاصمة الفرنسية باريس، بمناسبة الذكرى الـ76 للنكبة التي أدت إلى تهجير قسري جماعي للفلسطينيين من مدنهم وقراهم عام 1948، للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة ورفض تكرار النكبة للفلسطينيين.
وشارك في مقدمة المسيرة الاحتجاجية، التي وصلت ساحة الأمة، عدد من النواب الفرنسيين عن حزب “فرنسا الأبية”، ورؤساء الجمعيات المناصرة للقضية الفلسطينية، والطلاب من مختلف الجامعات.
وفي حين ارتفعت الأعلام الفلسطينية وردد المتظاهرون شعارات “إسرائيل قاتلة، ماكرون متواطئ” و”لأجل فلسطين لن نتوقف”، حمل آخرون مفاتيح العودة، في إشارة إلى المفاتيح التي تحتفظ بها العائلات الفلسطينية لمنازلهم القديمة لأكثر من 7 عقود.
إصرار على المواصلة
وقالت القيادية في حزب “فرنسا الأبية” اليساري ماتيلد بانو إنها تشارك في المظاهرات كل أسبوع بباريس بدعم من الجمعيات والحركة الطلابية ومدارس الثانوية المكونة من الشباب، للوقوف ضد الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.
وأضافت بانو، في حديث للجزيرة نت، “لقد تم اتهامي بالدفاع عن الإرهاب، وأُلغيت مؤتمرات لزعيم الحزب جان لوك ميلينشون والناشطة والمحامية الفلسطينية ريما حسن، لكننا سنبقى هنا ولن نسكت ولن نترك فلسطين تختفي أبدا”.
وعن جدل استخدام القضية الفلسطينية في الحملة الانتخابية الأوروبية، أوضحت رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب “لن توقفنا الانتخابات الأوروبية عن الحديث عن هذه الإبادة الجماعية، بل على العكس من ذلك، سنبذل كل ما في وسعنا للمواصلة في تأكيد مطالبنا حتى تتوقف، لأن المجتمع الدولي وكل العالم يشاهد الصور المقبلة من غزة في صمت”.
وردا على ادعاءات اليمين المتطرف واليمين، أشارت بانو إلى أنه “لا يجب أن تكون مسلما أو عربيا حتى تتأثر بما يحدث للشعب الفلسطيني، لأنه يكفي أن تكون إنسانا، وإنه لشرف لنا أن نفعل ذلك، كما أنه شرف للشعب بأكمله الوقوف والصراخ والتظاهر لمنع استمرار المذبحة”.
وعي متزايد
وعند النظر إلى المتظاهرين المشاركين في هذه الوقفات الاحتجاجية منذ طوفان الأقصى في مختلف المدن الفرنسية، يمكن ملاحظة تزايد الوعي داخل المجتمع بشأن غزة، بحسب شهود.
وتقول المتظاهرة جاكلين، للجزيرة نت، إنه “بالمقارنة مع الفترة الماضية، أعتقد أننا أصبحنا أكثر وعيا بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في قطاع غزة، ونفهم بشكل أوضح أن ما وقع بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أمر غير مقبول ولا يمكن السكوت عنه”.
من جانبه، يفتخر إيمانويل وزوجته بمشاركتهما في معظم المظاهرات منذ بداية الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ويقول للجزيرة نت “يمكنني التأكيد أن الوعي الفرنسي بالقضية الفلسطينية يتزايد. وعندما حاولت ثني الناس عن شراء المنتجات المقبلة من المستوطنات الإسرائيلية، كانت الاستجابة إيجابية مرة واحدة من كل 3 مرات تقريبا، وهذه نسبة جيدة بالفعل”.
لكن بعض الفئات في الدول الغربية، يوضح إيمانويل، لا تزال تتشبث بمصادر راحتهم ويخشون أن يؤدي رأيهم إلى الإضرار بمصالحهم الشخصية، ملقيا باللوم على وسائل الإعلام الغربية التي تؤثر بشكل كبير على الشعوب، قائلا “بينما ترفع الجزيرة الوعي بالقضية، يقوم الإعلام الغربي بالعكس ويجعلهم أسيري لغته التي يصدرها لهم”.
تشويه المنادين بالسلام
وترى رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب فرنسا الأبية ماتيلد بانو أن داعمي فلسطين يجدون أنفسهم أمام مشكلة كبيرة، تتعلق بعدم احترام حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون لسيادة القانون.
وتهدف حكومة ماكرون، بحسب بانو، إلى تشويه الأصوات التي ترتفع من أجل احترام القانون الدولي، ووقف إطلاق النار، وإنهاء مبيعات الأسلحة لإسرائيل، فضلا عن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين، وتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، “على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل”.
ويشاطرها الطالب عادل من جامعة السوربون الرأي، متأسفا “نصف المجتمع الفرنسي يؤيد القضية الفلسطينية، والنصف الآخر من الفاشيين يكرهون فلسطين والمسلمين والمهاجرين، لأن أعينهم مغلقة ولا يستطيعون إدراك فظاعة ما يحدث”.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، قال عادل “لا يزال كثيرون يقدرون حياة الشخص الأوكراني على حياة الفلسطيني، لأنهم لا يعتبرونه إنسانا. ونرى ذلك حتى الآن، إذ لا يوجد وقف لإطلاق النار ويواصل الإسرائيليون في السخرية من الجميع”.
وفي السياق، تصر بانو على التوضيح أن الغالبية العظمى من الشعب الفرنسي لا توافق على اختفاء فلسطين أو الفلسطينيين، ولا تتفق مع خطاب الإبادة الجماعية أو تجريد الفلسطيني من إنسانيته، لأن “معظمنا إلى جانب السلام واحترام القانون الدولي”.
ومع هتافات المتظاهرين حولها “شكرا ماتيلد”، أشارت النائبة الفرنسية إلى وشاح أسود مزيّن بالتطريز الفلسطيني أهدته لها سيدة تسكن غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مستذكرة مقولة للكاتب والمؤرخ الفلسطيني إلياس صنبر “فلسطين سلسلة من التلال عالقة في حلق العالم، ولن يتمكن أحد من ابتلاعها”.