قلقيلية- بمرور الأيام، تشتد حاجة الفتاة يقين أبو سفاقة لوالدتها الأسيرة زهرة، خاصة وهي تقترب من اختبارات الثانوية العامة، وتعيش معاناة مضاعفة وحزنا لغياب والدتها قسرا.
وتفتقد يقين والدتها الأسيرة الدكتورة زهرة خُدرج (52 عاما) للشهر الثالث على التوالي، وذلك منذ اقتحم الاحتلال الإسرائيلي منزلها في حي شريم بمدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، واختطفها من بين زوجها وأطفالها، وأودعها كما عشرات الأسيرات الفلسطينيات في سجونه، مانعا الاتصال والتواصل معهم ومخفيا أية معلومات عنها، إلا ما يرشح من هنا وهناك.
وكأي فتاة بعمر 17 عاما، تفتقد يقين أمها، فقد كانت حضنا وحاضنة لها، خاصة بمساعدتها ودعمها بدراستها وللاستعداد لتقديم اختباراتها بعد أقل من شهرين. لكن يقين حلّت مكان أمها بالقيام بأعباء المنزل ورعاية شقيقيها الصغيرين والعناية بواجباتهما المدرسية معا، تقول للجزيرة نت “أفتقد أمي بكل شيء في حياتي”.
اعتقال “كيدي”
اعتقلت زهرة، وهي الأسيرة الوحيدة من مدينة قلقيلية، من منزلها، حيث اقتحمه جنود الاحتلال وحققوا معها ومع عائلتها قبل أن يصادروا أجهزة الحاسوب و5 من هواتف أفراد العائلة، ومن ثم اقتادوها إلى مركز تحقيق وتوقيف بيت إيل العسكري قرب مدينة رام الله، ومكثت فيه 3 أيام، قبل أن تنقل إلى سجن الدامون حيث تقبع نحو 80 أسيرة فلسطينية.
ومرت الأسيرة، وهي أم لـ7 أبناء، بفترة تحقيق قاسية، ليس لذنب اقترفته أو اعتراف دانت به نفسها، فهي لم ترتكب ما يوجب اعتقالها حسب زوجها الدكتور عبد اللطيف أبو سفاقة، الذي يرى أن الاحتلال لفَّق لها “تهمة التحريض” وإلى الآن لم يتم الحكم عليها.
وعبر ما يرشح من معلومات تأتيهم بواسطة المحامين، أو ما قد تنقله أسيرات أفرج عنهن، تستقي عائلة خُدرج أخبارها، وهي تعيش قلقا كبيرا على حياتها بفعل ما تعانيه من أمراض مزمنة، كضغط الدم المرتفع والسكري وآلام شديدة بالمعدة والعمود الفقري.
وتتحدث الناشطة النسوية أسماء مراعبة عن زهرة وتقول “الأسرى أكثر من يفتقدها، حيث كانت تؤازرهم دون كلل أو ملل، رغم أنه لم يكن لديها أي أسير قريب أو بعيد” وتساءلت في حديثها للجزيرة نت “كيف ستنظم فعالية التضامن مع الأسرى غدا بمدينة قلقيلية دون زهرة؟”.
فقد كانت آخر فعالية تشاركها أسماء مع زهرة قبل اعتقالها للتنديد بالحرب على غزة ومناصرة للأسرى، وتقول “لست وحدي من سيتفقد زهرة، بل كل من عرفها، وسيخلو دوار أبو علي إياد في قلقيلية حيث تنظم الفعاليات، من صوتها الذي يصدح رافضا للاحتلال وجرائمه”.
فراغ لا يعوض
تعمل زهرة بوظيفتها كموجّهة للصحة المدرسية في مدينة قلقيلية، فهي تحمل شهادتي الماجستير والدكتوراه في علوم البيئة والموارد البشرية، وتُعرف بنشاطها المجتمعي والدعوي، وكانت تقدم حصص الإرشاد والتوعية لطلبة الثانوية العامة بشكل يومي في مدارس المدينة.
كما أن زهرة كاتبة ومثقفة وروائية، صدر لها حتى الآن ما يزيد على 14 مؤلفا بينها 4 روايات، منها “البرتقال المر” و”وطن بتوقيت التيه” وكتاب “لغة الجسد وفنونها في عالم الأعمال” الذي يُعد أبرز وأهم مؤلفاتها.
ومثل ابنتها يقين، تركت زهرة فراغا كبيرا في حياة زوجها، الذي قال للجزيرة نت إن زوجته هي رفيقته في كل شيء كمشوار العلم والعمل والنشاط المجتمعي الذي برزت به.
وأنشأت زهرة مركز “عصفور فلسطين الثقافي” ونظمت فيه العديد من الفعاليات، خاصة المؤازرة لقضية الأسرى أو المتعلقة بالأطفال وتنمية مواهبهم “قبل أن يغلقه الأمن الفلسطيني ويستدعيها للتحقيق” وفق زوجها أبو سفاقة الذي يضيف “حتى بعد إغلاق المركز، نظمت زهرة أنشطتها عن بُعد عبر الإنترنت، ولم تنقطع عن برامجها الدعوية والتوعية خارج المركز”.
وشكلت زهرة -وفق زوجها- عنصرا داعما وسندا قويا لـ4 من أبنائها وبناتها الذين يكملون تعليمهم الجامعي في الخارج، حيث تقف عند احتياجاتهم العلمية والبحثية، متجاوزة احتياج الأبناء لأمهم.
الأسيرات يواجهن الموت
وعشية يوم الأسير الفلسطيني الذي يوافق 17 أبريل/نيسان من كل عام، قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في بيان لها إن “78 أسيرة فلسطينية يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون الإسرائيلي المخصص للنساء”.
وأوضحت أن من بينهن 60 أسيرة من الضفة الغربية، و3 مقدسيات و6 من قطاع غزة، وأن منهن 50 موقوفات، و21 أسيرة معتقلات إداريا (بلا لائحة اتهام) و7 أسيرات صدرت بحقهن أحكام متفاوتة.
ونقلت الهيئة، في بيان لها الثلاثاء وصل الجزيرة نت، عن محاميتها التي زارت سجن الدامون، أن الأسيرات يتعرضن لعقاب وقمع السجانين، وأن بعضهن نُقلن للمشفى تحت وطأة التعذيب خلال الاعتقال، حيث قيدن لساعات وأجبرن على التفتيش العاري، وعندما رفضن تم عزلهن، كالأسيرة إيمان نافع زوجة الأسير نائل البرغوثي الذي يُعد أقدم أسير فلسطيني والمعتقل منذ 44 عاما.
كما تعرضت الأسيرة أسماء شتات من قطاع غزة لتحقيق قاس وضرب شديد لا تزال آثاره واضحة على وجهها، وأصيبت بانهيار عصبي بعدما أحضروا لها زوجها الذي اعتقل رفقتها وهو مكبل بيديه ورجليه وبدا عليه التعذيب كأداة ضغط عليها.