رؤية أميركية متناقضة لمستقبل غزة وحل الدولتين بعد الحرب

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

واشنطن- يثير موقف إدارة الرئيس جو بايدن تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي كثيرا من الاستغراب والدهشة في الأوساط الأميركية، المحافظ منها والليبرالي.

فمن ناحية، يكرر أركان الإدارة، مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، التأكيد على مبدأ حل الدولتين كأساس لأي تسوية مستقبلية لما بعد حرب غزة، ومن ناحية تستمر الإدارة في شحن الأسلحة والذخائر بصورة يومية لإسرائيل، وتمتنع من المطالبة بوقف إطلاق النار، حتى بعد تخطي ضحايا العدوان الإسرائيلي لأكثر من 25 ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء.

وبعد يوم واحد من الرفض العلني لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لفكرة إقامة دولة فلسطينية، أكد بايدن على أنه ليس من المستحيل تحقيق حل الدولتين حتى عندما يكون نتنياهو في السلطة. وتحدث بايدن مع نتنياهو أمس الجمعة، إذ نقل “رؤيته لسلام وأمن أكثر ديمومة لإسرائيل، مندمجة تماما في المنطقة، وحل الدولتين مع ضمان أمن إسرائيل”.

رؤية غير واقعية

ويضاعف البيت الأبيض جهوده للترويج لفكرة صفقة سعودية إسرائيلية كوسيلة لإحلال السلام في الشرق الأوسط على أن يتم من خلالها ربط مستقبل قطاع غزة بهذا الاتفاق المحتمل.

وأشارت تقارير لوجود خطة أميركية تشير إلى إمكانية تأمين أموال إعادة الإعمار من السعوديين، وتنازلات إسرائيلية للفلسطينيين، ومباركة فلسطينية للصفقة كجزء من خريطة طريق عاجلة لإعادة إعمار قطاع غزة.

وعلى النقيض، مما أكده بايدن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فقد توسعت ساحة الصراع، إذ نفذت واشنطن وحلفاؤها، هجمات على قواعد الحوثيين في اليمن بعد أن استهدف الحوثيون سفن شحن في البحر الأحمر، ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويقول تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن، والمحاضر بجامعة جورج واشنطن، للجزيرة نت، إن “ركائز التصور الأميركي معقولة بما فيه الكفاية، لكن الإدارة لم تبد أي اهتمام حقيقي بتهيئة الظروف وإنشاء عملية للوصول إلى هناك، باستثناء التطبيع الإقليمي. إنهم غير واضحين للغاية بشأن طبيعة وسلطات الدولة الفلسطينية المستقبلية، وما سيحدث في غزة بعد انتهاء هذا الصراع، إذا انتهى”.

من جانب آخر، وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار الدبلوماسي السابق وخبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي إلى أن “رؤية إدارة بايدن منطقية بالتأكيد. ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه الركائز الأساسية حجر الزاوية في خطة تحتاج إلى تفصيل، وليس من الواقعي أن يحقق أي من الأطراف المتحاربة مطالبه القصوى”.

إلا أن ولفغانغ عاد ليقول إنه “من الناحية الواقعية، لا أرى حلا للصراع الفلسطيني في السنوات الـ20 أو الـ30 المقبلة. ومع ذلك، فمن المنطقي الاقتراب من مثل هذا الحل خطوة بخطوة”.

سخرية وغضب

وسخرت صحيفة وول ستريت جورنال، ذات التوجه المحافظ، في افتتاحيتها -أمس الجمعة- من قراءة الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية توني بلينكن للأوضاع في الشرق الأوسط.

وأكدت الصحيفة، الأكثر رزانة بين التيارات المحافظة الأميركية، أنه على عكس ما يطمح إليه بايدن، فإن الشعب الإسرائيلي غير مستعد تحت الظروف الحالية لبحث منح الفلسطينيين دولة، لكن إدارة بايدن تواصل الضغط عليه.

واتهمت الصحيفة بلينكن بطرح حل فاشل لمشاكل الشرق الأوسط يتمثل في طرح نهج إقليمي، إلا أنه يتطلب أن تتخذ إسرائيل قرارات صعبة. وبعبارة أخرى، تقول الصحيفة إن “هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والدعم الشعبي الفلسطيني الواسع له، أظهر من هو الطرف الذي لا يريد السلام، فلماذا تطلب واشنطن من إسرائيل التنازل والالتزام بالسلام من جانبها”، وفق الصحيفة.

في المقابل، يضغط التيار التقدمي بالحزب الديمقراطي بقيادة السيناتور بيرني ساندرز على إدارة بايدن باتجاه وقف إطلاق النار، ووقف تقديم مساعدات عسكرية غير مشروطة لإسرائيل، مع التدقيق في سجل إسرائيل في مجال حقوق الإنسان.

ويستغرب هذا التيار من إدراك بايدن المتزايد باستحالة القضاء عسكريا على حركة حماس، ومع ذلك تستمر إدارته في إرسال الأسلحة والذخيرة لإسرائيل بصورة يومية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وتضغط الاحتجاجات التي يشارك فيها مئات العاملين ضمن إدارة بايدن، إضافة لتظاهرات مئات الآلاف في مختلف المدن الأميركية للضغط لوقف إطلاق النار، على صانعي القرار في واشنطن خاصة مع تعهد كثير من شباب الجامعات الأميركية، والجالية العربية والإسلامية، بعدم التصويت لبايدن في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادمة.

وتقول أسال راد، الباحثة في مؤسسة مجموعة أوراسيا، للجزيرة نت “من الصعب معرفة ما تفكر فيه إدارة بايدن، نظرا لدعمها المستمر لأفعال إسرائيل، على الرغم من الاحتجاجات العالمية، وقضية الإبادة الجماعية المنظورة أمام محكمة العدل الدولية. إنهم يفهمون بالتأكيد أهمية السابع من أكتوبر/تشرين الأول وتداعياته من حيث أمن إسرائيل والظروف القاسية للفلسطينيين في غزة”.

وتضيف “إذا كانوا على دراية بالضرر الذي لحق بمصداقية الولايات المتحدة، وفعالية القانون الدولي، والضرر الذي لحق بسمعة الإدارة نفسها بسبب رفضها محاسبة إسرائيل على أفعالها بأي شكل من الأشكال، فلا يبدو أنهم يهتمون، وقد حافظوا على نفس الموقف بلا تغيير”.

السيناتور بيرني ساندرز يضغط على إدارة بايدن لوقف لإطلاق النار (الفرنسية)

معضلة مستمرة

تؤمن الإدارة الأميركية بصعوبة تحقيق أي اختراق في الموقف الإسرائيلي المتصلب في ظل رئاسة نتنياهو للحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار حسين إبيش، كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إلى أن “حكومة إسرائيلية أخرى ربما تستطيع القيام بما تتصوره واشنطن، إذا فهمت إسرائيل أهمية كل هذا لأمنها على المدى الطويل. يبقى أن نرى. لكن أحد الأهداف هنا بالتأكيد من وجهة نظر إدارة بايدن هو إرسال رسالة إلى الإسرائيليين مفادها أن نتنياهو جزء كبير من المشكلة، وأن التخلص منه ضروري للغاية”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *