دير الزور.. هل تكسب “قسد” ولاء العشائر؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

دير الزور- تمتاز محافظة دير الزور شرقي سوريا، بتنوع قبلي وعشائري يمتد إلى تاريخ طويل في المنطقة، ويشكل هذا العمق التاريخي والثقافي في حوض الفرات، الهوية الثقافية والاجتماعية لسكان المحافظة.

ومع تطور الأوضاع في سوريا عقب اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011، تبادلت مختلف القوى السيطرة على المنطقة، من النظام إلى المعارضة حتى سيطرة “تنظيم الدولة” على معظم أرجاء المحافظة عام 2014.

وبعد تشكيل تحالف دولي لمحاربة التنظيم، سيطرت ما تُعرف بقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مارس/آذار 2019 -بدعم من التحالف الدولي- على غالبية منطقة شرق الفرات، والتي تمتد من الحدود الإدارية لمحافظة الحسكة شمالا حتى الحدود السورية العراقية شرقا.

وبسيطرة “قسد” على المنطقة، أصبحت أبرز المتحكمين في المشهد الأمني والسياسي والعسكري بشرقي سوريا.

وجهاء يتهمون قسد بأنها لا تتعاون مع شيوخ العشائر والفاعلين في دير الزور (الجزيرة)
  • ما طبيعة العلاقة بين قسد والعشائر في دير الزور؟

أحكمت “قسد” السيطرة على أرياف محافظة دير الزور بعد آخر معركة في الباغوز ضد تنظيم الدولة سنة 2019، حيث اعتمدت في سياستها على بناء تحالفات شكّلها قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، المنضوي تحت قوات سوريا الديمقراطية، كما يؤكد علي السليمان (اسم مستعار) الملقب بأبي حسين أحد وجهاء قرية الزر للجزيرة نت.

ويقول السليمان إن “قسد” ومنذ سيطرتها على مناطق شرق الفرات بدير الزور، “لا تتعاون مع شيوخ العشائر والوجهاء والفاعلين في المنطقة، بل سعت إلى تنصيب أشخاص موالين لها، ودعمهم عبر دعوتهم إلى تمثيل فعاليات اجتماعية، أو قبول وساطتهم في الإفراج عن سجناء لديها، في محاولة لتصديرهم اجتماعيا، وزيادة شعبيتهم لتمرير أجندتها في المنطقة”.

  • ما أسباب صدام “قسد” مع العشائر؟

قسمت “قسد” دير الزور إلى 4 قطاعات إدارية، تُسمى كانتونات، وهي المنطقة الغربية وغالبية سكانها من عشيرة البكارة، والمنطقة الوسطى من قبيلة العقيدات، والمنطقة الشمالية بغالبية من عشيرة البكير، والمنطقة الشرقية التي تضم عشيرتي الشعيطات وهجين، وصولا إلى الحدود العراقية السورية.

يتهم سكان تلك المناطق قوات سوريا الديمقراطية، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية، “بسوء إدارة مدنهم وبلداتهم، إذ منحت امتيازات محدودة للموالين لها فقط، مما تسبب في خروج احتجاجات شعبية ضدها في عدة أماكن منذ عام 2019″، وفق شهادة عبد السلام الخالد (اسم مستعار) أحد وجهاء قرية الحوايج.

ويؤكد الخالد للجزيرة نت أن قوات “قسد” “فرضت عليهم أحمد الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري كشيخ وأمير، رغم رفض أبناء المنطقة لوجوده”، قبل أن تعتقله “قسد” مؤخرا وتتهمه بسوء إدارة المنطقة وتسجيل انتهاكات جسيمة بحق السكان، وفق بيان للقوات نفسها.

وكان اعتقال الخبيل وتصاعد الغضب الشعبي ضد “قسد” وتجاوزاتها شرقي الفرات، الشرارة التي أشعلت المواجهات المسلحة مع بعض أبناء قبائل دير الزور.

يقول الصحفي وأحد أبناء دير الزور هيثم الحنت، إن القوة المسيطرة تتعامل الآن مع العشيرة “بمنطق وظيفي، تحاول من خلاله الوصول إلى شرعية وتقبل لسلطتها في دير الزور، وكسب ود سكانها ودعمهم”.

ويضيف للجزيرة نت، أن “توظيف قسد للعشيرة يظهر من خلال التعامل مع السكان المحليين عبر الوجهاء والشيوخ المختارين من قبلها، ودعم هؤلاء بالمراكز والتمثيل ومنحهم الامتيازات”.

هذا التعامل الوظيفي، يعود لتصور “قسد” عن العشائر كونها “أجساما وهياكل اجتماعية متماسكة يمكن التعامل معها عبر ممثليها، لكن الحقيقة بعيدة عن ذلك بسبب العوامل الديمغرافية وتغيّر الشروط الاقتصادية للعشائر”.

وكذلك بسبب “ما مرت به هذه العشائر خلال عقود طويلة أو حتى قرون، بدءا من توطينها مبكرا نهاية الحكم العثماني وخضوعها للسلطات السياسية المتعاقبة وبالتالي لحكم القانون، ثم انخراط أبنائها المستمر حتى الآن في هياكل ومؤسسات وتيارات حديثة متنوعة، وصولا إلى تغير كلي في تفكيرها وانتمائها وولائها”.

وبالتالي، يقول الحنت “لم يعد من الممكن التعامل مع أبناء العشائر انطلاقا من هذا التصور الكلاسيكي الذي لم يعد واقعه موجودا، كما أنه يلغي السكان المحليين كأفراد بحقوق سياسية وقانونية..”.

قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تنتشر في مواقع محددة في دير الزور (مواقع تواصل)
قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة توجد في مواقع محددة في دير الزور (مواقع التواصل)
  • كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الوضع في دير الزور؟

تنتشر قوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة في مواقع محددة بمحافظة دير الزور، إذ توجد في حقل “كونوكو” للغاز، وحقلي “العمر” و”التنك” النفطيين شرقي دير الزور، في شكل قواعد عسكرية تضم مهابط للطيران وجنودا ومروحيات عسكرية.

وينظر الأميركيون لدير الزور “بنمطية صعبة من خلال منظور عسكري تشرف عليه وزارة الدفاع الأميركية شريكة قسد على الأرض”، كما يؤكد الدبلوماسي السابق والباحث في مركز الدراسات الدولية بسام بربندي.

ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى وجود تغيير في النظرة الأميركية بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، إذ دعت واشنطن إلى خفض العنف في دير الزور، مؤكدة أحقية أهاليها في مطالبهم.

ويرى بربندي ضرورة إعطاء التحالف والأميركيين للمكون العربي مساحة كبرى لضمان أمنه وسلامته في شرق الفرات حفاظا على الحاضنة الشعبية، ولعدم الشعور بالخطر لوجود قوى أخرى على الجانب الآخر من نهر الفرات، كقوات روسيّة “ومليشيات” إيرانية.

وأكد أن الولايات المتحدة “ستتخذ خطوات جدية لمشاركة كبرى للمكون العربي في قوات قسد وإدارة المنطقة”.

  • إلى أين ستنتهي الأمور في دير الزور؟

بعد استعادة قسد السيطرة على المحافظة إثر المعارك الأخيرة التي دارت بينها وبين العشائر في نهاية أغسطس/آب الماضي، وإعلانها انتهاء العمليات العسكرية يوم 8 سبتمبر/أيلول الجاري، استولت على بعض منازل المدنيين وشنت اعتقالات عشوائية طالت عددا من الوجهاء والأعيان ووسطاء تفاوض بينها وبين العشائر، حسب ما رصده ناشطون في المنطقة.

ومع استمرار سوء الخدمات وتردي الأوضاع الاقتصادية، لا يستبعد الأهالي عودة التوترات للمنطقة، وفق ما يؤكده الناشط عبد المعين الدندل.

لكن، كشفت مصادر خاصة للجزيرة نت، عن وجود اجتماعات مكثفة بين وجهاء من أهالي المنطقة مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، للعمل على عقد مؤتمر عام للمحافظة، من المتوقع أن تنبثق عنه إعادة هيكلة إدارية وصدور قرارات جديدة تهمّ المنطقة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *