غزة- ما خلفته آلة الحرب الإسرائيلية في ممتلكات عائلة “أبو عكر” من شركات تجارية ومستودعات ومنازل سكنية، ينسحب على مفاصل الحياة كافة، حيث الدمار الهائل يلف أرجاء قطاع غزة الساحلي الصغير، الذي يتعرض لحرب ضارية منذ 6 شهور.
وتتفاوت تقديرات الخسائر المادية من جهة إلى أخرى، كون الحرب مستمرة ومتصاعدة، والاحتلال يفصل شمال القطاع عن جنوبه، ومخاطر التحرك ميدانيا تعرقل الوصول إلى أماكن الاستهداف.
ووفق آخر تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة يقيّم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول وحتى نهاية يناير/كانون الثاني الماضيين، تقدَّر تكلفة هذه الأضرار بنحو 18.5 مليار دولار.
خسائر فادحة
وبحسب التقرير نفسه، تعادل هذه الخسائر 97% من إجمالي الناتج المحلي للضفة الغربية وقطاع غزة معا عام 2022، وتشمل البنيةُ التحتية المدمرة المنازل السكنية، والمياه، والمرافق الصحية، والطاقة، والطرق والمواصلات، والاتصالات والتكنولوجيا، والخدمات البلدية، والصناعة والزراعة، وقطاعات حياتية أخرى.
ولا يغطي التقرير الدمار الذي سببته الغارات الجوية والقصف المدفعي والتوغل البري الإسرائيلي خلال فبراير/شباط، ومارس/آذار الماضيين، وتقول هيئات فلسطينية رسمية وأهلية إن الخسائر الناجمة عن الحرب تتجاوز هذه التقديرات بكثير.
وقال المهندس هاني أبو عكر للجزيرة نت إن خسائر عائلته تقدر بأكثر من 15 مليون دولار، جراء الدمار الذي لحق بشركاتها الـ3 ومستودعاتها التجارية ومنازلها السكنية في مدينتي غزة وخان يونس والمحافظة الوسطى بالقطاع.
وشركات أبو عكر من كبريات الشركات التجارية الفلسطينية، خاصة في مجال استيراد المواد الغذائية، ويعود تاريخها لنحو 5 عقود، ويؤكد هاني أن الاحتلال يتعمد تدمير الشركات الوطنية والبنية التحتية لمختلف مناحي الحياة في غزة بالاستهداف المباشر وغير المباشر.
كما تكبدت شركات أبو عكر خسائر أخرى ناجمة عن عطاءات وعقود عمل مع منظمات دولية عاملة في غزة، وضياع حوالي 10 آلاف طرد غذائي نتيجة الاستهداف الإسرائيلي والسرقة، وفق هاني.
وأضاف أن الاحتلال استهدف العائلة والموظفين في الشركات خلال العمل على إعداد الطرود الغذائية لصالح منظمات دولية ومحلية، وقصف بالمدفعية المخازن والمستودعات، وقال “أنذرنا بسرعة المغادرة، ومن ثم دمرها كليا”.
حرب إبادة
ويؤشر حجم الدمار في ممتلكات أسرة أبو عكر على سياسة التدمير الممنهج التي يمارسها الاحتلال ضد غزة.
ويقول رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي للجزيرة نت إن الحقائق على الأرض تؤكد أن كافة المنشآت المدنية تُعد في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، وإن النية الإسرائيلية الخالصة هي القضاء على مقدرات القطاع وتدمير بنيته التحتية، ومقومات وجوده وممتلكاته العامة.
وبناء على رصد أولي للهيئة، يقدر عبد العاطي أن الاحتلال تسبب في تدمير 70% من منازل وممتلكات المواطنين والمنشآت المدنية، خاصة في محافظتي غزة وشمالها، مما يؤكد أن الهجمات الإسرائيلية ذات طابع انتقامي وعشوائي.
كما دمر الاحتلال 80% من منشآت القطاع بشكل كلي وجزئي، بما فيها المستشفيات والمدارس، والمقار الحكومية، والبلديات، والمساجد والكنائس، والجامعات، والمؤسسات الأهلية، والمحال التجارية، والمنشآت الاقتصادية، والأماكن التاريخية، والمرافق الخدمية الحيوية، والشوارع والمزارع، وشبكات الكهرباء والمياه، ومحطات الصرف الصحي، وشبكات الاتصالات.
ويؤكد عبد العاطي أن ذلك يندرج في سياق “مخطط إسرائيلي مكشوف هدفه جعل غزة منطقة مدمرة غير صالحة للحياة، بانتقام جماعي من الغزيين، ودفعهم لليأس والهجرة، بعدما تسببت الحرب في الفتك بهم وقتل وجرح أكثر من 100 ألف، وتشريد 85% منهم وإجبارهم على النزوح المتكرر على مدار الشهور الماضية، وإقامة خيام ومراكز إيواء بائسة”.
وحتى مطلع الشهر الجاري، يقدر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، في حديثه للجزيرة نت، إجمالي الخسائر الاقتصادية الأولية المباشرة الناجمة عن الحرب بنحو 30 مليار دولار، فيما يرجح عبد العاطي وهاني أنها تتجاوز ذلك ولا يمكن حصرها بدقة إلا بتوقف الحرب، فضلا عن الخسائر غير المباشرة جراء توقف عجلة الحياة.
واقع مأساوي
وتصنف الجزيرة نت القطاعات الحيوية التي تعرضت للتدمير على النحو التالي، وتستند فيها إلى رصد أولي للمكتب الإعلامي الحكومي والهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني:
- المنازل السكنية: تدمير أكثر من 70 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، وإلحاق أضرار بليغة ومتوسطة بنحو 600 ألف أخرى، بما يعادل 70% من الوحدات السكنية في القطاع.
- القطاع الصحي: استهداف إسرائيلي لـ155 مؤسسة صحية، وأدى ذلك إلى إخراج 32 مستشفى و53 مركزا صحيا عن الخدمة، وتدمير أكثر من 126 سيارة إسعاف.
- القطاع الحكومي: تدمير 168 مقرا حكوميا، بينها وزارات ومؤسسات مدنية ومقار أمنية وشرطية ومحاكم.
- دور العبادة: تدمير 223 مسجدا بشكل كلي و289 لحق بها دمار جزئي، إضافة إلى تدمير 3 كنائس.
- الأماكن الثقافية والتاريخية: تدمير قرابة 200 موقع أثري ومبان تاريخية، من بينها مراكز ثقافية، ومساجد وكنائس تاريخية، ودور نشر ومطابع وأستوديوهات وشركات إنتاج إعلامي وفني ومقار مؤسسات إعلامية. ولحقت أضرار متفاوتة بأكثر من 146 بيتا لها قيمة تاريخية في البلدة القديمة بمدينة غزة.
- القطاع الفندقي والترفيهي: تدمير واسع لمتنزهات وفنادق ومدن ترفيهية، وملاهي وألعاب إلكترونية.
- المنشآت الاقتصادية والأراضي الزراعية: تدمير آلاف المنشآت الصناعية والتجارية، شملت مصانع ومصارف ومحال تجارية، ومخابز ومزارع ومخازن، ومكاتب خدمية، وشركات ومراكب الصيد.
وتشير البيانات الأولية إلى تدمير نصف المساحة الزراعية في القطاع خاصة في مدينة غزة وشمالها، مما أدى إلى توقف قرابة نصف مليون عامل عن مهنهم في غزة، وخسائر مالية كارثية، عدا عن رفع نسبة الفقر إلى 90%. - المدارس والجامعات: تدمير 100 مدرسة بشكل كلي، وإلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 300 أخرى، إضافة إلى تدمير كلي وجسيم لجميع الجامعات.
- النقل والمواصلات: تدمير واسع لأسواق ومعارض بيع السيارات، وتشير التقديرات الأولية إلى أن دمارا كليا وجزئيا لحق بأكثر من 10 آلاف سيارة، وتخريب كبير للشوارع والمفترقات الرئيسية وتغيير معالمها كليا.
- شبكات الكهرباء والاتصالات والإنترنت: لحق بها تدمير واسع وأدى إلى تردي خدمات الاتصالات والإنترنت، وقطع الكهرباء كليا عن القطاع، وتعمد الاحتلال تعميقها بتدمير الخلايا الشمسية.
وبحسب رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، فإن حجم الكارثة سيفوق التقديرات الأولية الحالية، وفضلا عن الخسائر الاقتصادية المباشرة لا يجب إغفال الخسائر غير المباشرة الناجمة عن توقف 90% من العمال عن العمل، وخلق واقع مأساوي باتت معه غالبية الغزيين تعتمد على المساعدات الإغاثية.