خسائر فادحة لمزارعي جنوب لبنان.. من يعوضهم عن القصف الإسرائيلي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

جنوب لبنان- “يوميا نرمي حليب مزرعتنا، فمعمل الألبان الذي كان يستلم منا الإنتاج أغلق أبوابه بسبب الحرب، وزبائننا نزحوا نحو مناطق أكثر أمانا، وضعنا يرثى له، فنحن نتكبّد خسائر فادحة يصعب علينا تحمّلها” بهذه الكلمات التي تخنقها الغصة يصف المزارع غسّان الحاج وضع مزرعته للأبقار والدجاج في بلدة ميس الجبل الحدودية جنوب لبنان.

في حديثه للجزيرة نت، يشرح الحاج الظروف الصعبة التي تمر بها مزرعته بفعل الاعتداءات الإسرائيلية، أولها عدم قدرة البيطريين على تفقد ماشيته، وعدم قدرته على الخروج من البلدة لشراء الأدوية لها، وهذا ما أدّى إلى نفوق عدد منها، مضيفا “كميّات الأعلاف التي خزنّاها بدأت تنفد، مما دفعني لإخراج قطيع الأغنام إلى الرعي، ومنذ أسبوع سقطت قذيفة علينا وقتلت 5 نعاج ونجوت بأعجوبة”.

ومع اندلاع المواجهات بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي، نزح اللبنانيون بالآلاف من بلداتهم الحدودية، خوفا من بطش آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تفرّق بين بشر وحجر وشجر، مما أفضى إلى شلل الحياة الاقتصادية شللًا تامًّا.

أما المتضرّر الأكبر من تداعيات هذه الأزمة فهم المزارعون وأصحاب المزارع، الذين حُرموا من الوصول إلى أرزاقهم لجني المحاصيل أو الاهتمام بقطعانهم، مما يدعو إلى دق ناقوس الخطر من أجل مساعدتهم وتعويضهم.

قطيع المزارع غسان الحاج يخرج للرعي بعد تعذّر تأمين الأعلاف اللازمة بسبب العدوان الإسرائيلي (الجزيرة)

قصف مزارع الدواجن

جيش الاحتلال لم يحل بين المزارعين ومزارعهم فحسب، بل عمد إلى قصف هذه المزارع بشكلٍ متعمّد، لإلحاق الأذى بالمواطنين، مثل ما تعرض له صبحي شيت ابن بلدة كفر كلا قضاء مرجعيون (جنوب) والذي استهدف القصف الإسرائيلي مزرعة يملكها مع إخوانه كانت تحوي ما يزيد على 500 دجاجة، نفقت جميعها بالقصف.

ويؤكّد شيت -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه المزرعة كانت تؤمّن له مدخولا جيدا يعيله وعائلته، واليوم مع خسارتها فإنه خسر مورد رزقه الأساسي.

ويلفت إلى أنه يملك أيضا عددا من الأبقار، نقلها لمنطقة البقاع مع اندلاع الأزمة، لكنه عاجز عن تأمين الأعلاف لها، بعد أن قصف الإسرائيليون مخزن الأعلاف أيضا، مضيفا “كنت أبيع يوميًّا من 200 إلى 300 لتر حليب، اليوم لا أستطيع أن أبيع أكثر من 80 لترا بسبب هذا الوضع، وهذا يكبّدني يوميا خسائر فادحة”.

الزيتون دون قطاف

أما مزارعو الزيتون فحالهم ليس أفضل من باقي المزارعين، فمئات العائلات التي تعتمد على المحصول تركته كما هو دون قطاف، إذ لم تستطع الوصول إليه بسبب القصف الإسرائيلي.

علي ياسين دياب ابن بلدة حلتا الحدودية قضاء حاصبيا ترك بستانه الذي يحوي مئات أشجار الزيتون ولجأ إلى منطقة البقاع الغربي، فلم يستطع أن يجني المحصول بسبب القصف الإسرائيلي.

ويؤكّد للجزيرة نت أن بستان الزيتون كان يعود عليه بحوالي 50 صفيحة زيت كل عام، يبيعها بالسوق المحلي، حيث كان يعتمد عليها كمدخول أساسي، مضيفا “كنا نعتمد على المردود من بيع زيت الزيتون، لنؤمّن معيشتنا طوال السنة، أما هذا الموسم فأنا وأهالي بلدتي لم نقطف المحاصيل، مما يعني أننا سنعيش في ضائقة مالية خانقة هذا الشتاء”.

قفران النحل بانتظار النحالين الذين حُرموا من متباعتها بسبب الاعتداءات الإسرائيلية (خاص الجزيرة نت) (1)
المناحل بانتظار النحالين الذين حُرموا من متابعتها بسبب الاعتداءات الإسرائيلية بجنوب لبنان (الجزيرة)

تهديد معيشة النحّالين

مربو النحل في الجنوب لهم حصتهم أيضا من هذه الاعتداءات الإسرائيلية، حيث حرموا من الوصول إلى مناحلهم ورعايتها والاهتمام بها، مما يهدد معيشة مئات العائلات التي تعتمد كليا على إنتاج العسل.

ويشير محمد الدر من بلدة مجدل زون قضاء صور إلى أن هناك صعوبة كبيرة في الوصول إلى المناحل، كونها توضع في أماكن بعيدة على الجبال أو في الوديان، وهذه الأماكن تستهدفها إسرائيل بشكل يومي.

وفي حديث مع الجزيرة نت، ينوّه الدر إلى أن مهنة تربية النحل توارثها عن والده وهي أساسية في حياته وحياة أبنائه، فهذه المهنة هي المورد الاقتصادي الوحيد له، وفي بلدته يوجد أكثر من 20 نحّالا، وكلهم يعتمدون على تربية النحل كمصدر رزق أساسي.

خطورة كبيرة يعيشها النحل في هذا التوقيت بالذات، فبحسب الدر هذا الوقت استثنائي ودقيق بالنسبة له، فالنحّال يقوم بتجهيز الخلايا للشتاء كون النحل يدخل هذا الفصل في سبات ولا يخرج إلا في أوقات نادرة، وفي فبراير/شباط يبدأ النحل بالتكاثر وإنتاج فوج جديد.

ويحذّر الدر من خطورة ترك النحل دون رعاية خلال هذه الفترة، بقوله “إذا لم يتلقَّ النحل الرعاية اللازمة فسيكون ضعيفا الموسم القادم، وإذا لم نستطع الوصول إليه لرشّه بالأدوية اللازمة التي تقيه من الأمراض فسيموت بأعداد هائلة، وسنخسر”.

تعويضات حكومية

جهود حكومية لبنانية تبذل لتعويض هؤلاء المزارعين ولتثبيتهم في أرضهم، وفق ما يؤكّده وزير الزراعة بحكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن، مشيرا إلى أن القصف الإسرائيلي بالقنابل الفوسفورية المحرّمة دوليا لمساحات شاسعة بلغت حتى الآن 700 هكتار، مما أتى على ما لا يقل عن 45 ألف غرسة زيتون ومئات الآلاف من الأشجار الحرشيّة المعمّرة، كما طال المزارع وتضررت الثروة الزراعية والحيوانية والمناحل.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد الحاج حسن أن الحكومة وضعت خطّة طارئة لمسح الأضرار، وبدأت الوزارة بمسح وتوثيق الأضرار منذ اليوم الأول للاعتداءات، ولديها خارطة يومية في هذا الإطار.

أما على المستوى الخارجي، فيؤكّد وزير الزراعة وضع خطة مع الهيئات المانحة والطلب منها تقديم مساعدات طارئة للمزارعين، لتعزيز بقاء المزارعين بمناطقهم، كما أرسلت الوزارة طلبا إلى أمين عام منظمة الفاو لتقديم المساعدات للمتضررين، وكذلك طلبت الوزارة مؤازرة من فريق علمي وتقني للمساعدة في الكشف على المناطق الزراعية والأحراش التي تعرضت للقصف بالفوسفور الإسرائيلي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *