الرباط- تظاهر آلاف المغاربة اليوم الأحد وسط العاصمة الرباط في مسيرة شعبية كسرت هدوء صباح المدينة وملأت شوارعها المجاورة لمقر البرلمان وساحة باب الأحد الشهيرة بألوان العلم الفلسطيني، اعتراضا على استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة للأسبوع الثاني على التوالي.
طوفان بشري تشكل من جميع فئات الشعب المغربي ومختلف أطيافه السياسية دعما للمقاومة في عملية “طوفان الأقصى” بدعوة من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين.
ورفع المتظاهرون الذين تجمعوا في ساحة “باب الأحد” الأعلام الفلسطينية ورددوا شعارات مطالبة بإلغاء اتفاقيات التطبيع بين الرباط وتل أبيب، مثل “فلسطين أمانة والتطبيع خيانة”، و”لا لا ألف لا للتطبيع والهرولة”، وأخرى منددة بانتهاكات الاحتلال بحق المدنيين وداعمة للمقاومة الفلسطينية، مثل “حماس ليست إرهابية، إسرائيل إرهابية”، و”غزة رمز العزة”.
وحمل المتظاهرون صورة القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف إلى جانب صورة المقاوم المغربي الراحل عبد الكريم الخطابي، في إشارة إلى تمثيلهما الهدف نفسه، وهو تحرير أرض محتلة من قوة استعمارية، كما رفعوا صورا توثق جرائم الاحتلال ولافتات تدين صمت المجتمع الدولي.
وقال سيون أسيدون نائب منسق الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع للجزيرة نت إن الانتهاكات في غزة تعد “وصمة عار في جبين المجتمع الدولي -وعلى رأسه الأمم المتحدة- الذي يكتفي بتصريحات محتشمة، إضافة إلى الولايات المتحدة ومعها دول غربية تدعم الاحتلال الإسرائيلي متجاهلة جرائمه”.
وأضاف أسيدون -وهو ناشط يهودي- أن “إسقاط التطبيع هو هدفنا في هذه المسيرة، ووسيلتنا للضغط على الكيان المحتل”، معتبرا أن إسرائيل تمثل امتداد الاستيطان الاستعماري في القرن الـ21، ومحذرا في الوقت نفسه من جريمة تطهير عرقي جديدة قد تحدث مع تهجير سكان قطاع غزة من أرضهم بسبب القصف المستمر.
كلنا فلسطينيون
“نحن اليوم نعيش طوفان المغرب الأقصى”، بهذه الجملة عبّر رئيس حركة التوحيد والإصلاح أوس رمال عن الحشد الذي اتجه صوب مبنى البرلمان المغربي.
وقال رمال للجزيرة نت إن “المغاربة اليوم يؤكدون على قلب رجل واحد وبكل توجهاتهم رفضهم التطبيع مع الاحتلال، وأنهم صوت واحد خلف المقاومة التي لن تتوقف حتى تحرير الأقصى وكامل فلسطين”.
وأشار رمال إلى أن المغاربة يوجهون رسالة اليوم إلى “من يعيش وهم تطبيع الشعب المغربي مع ما يقع من تخاذل”، مضيفا أن هؤلاء المتظاهرين “هم المغاربة الحقيقيون الذين يخرجون للتعبير عن رفضهم التطبيع، ودعمهم المتواصل للشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس”.
بدوره، اعتبر عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان حسن بناجح مسيرة الرباط رسالة للعالم مفادها “كلنا فلسطينيون”، وأشار إلى أن ما حققته المقاومة الفلسطينية في “طوفان الأقصى” يمثل كل المغاربة والأمة، معتبرا أن المعركة من “مقدمات التحرير واسترجاع المقدسات والإرادة الشعبية التي حاولت بعض الحكومات سلبها من الأمة” حسب تعبيره.
وشدد بناجح في حديث مع الجزيرة نت على مشروعية معارك فصائل المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لافتا في الوقت ذاته إلى أنها “كشفت حقيقة شعارات الديمقراطية لدى المجتمع الدولي الذي تجاوز دعم الصهيونية إلى مساندة قتل الأطفال والمدنيين وتدمير البنى التحتية، في مخالفة لكل القوانين الدولية”.
كما أدانت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، مطالبة المجتمع الدولي بتحمل المسؤولية في ما يقع.
وقالت منيب للجزيرة نت “إن المعركة التي انطلقت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تعد هبّة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين المهضومة”، داعية كل من يندد بها إلى “أن يتساءل حول ما حدث قبل ذلك اليوم من همجية صهيونية حاولت تصفية القضية الفلسطينية وما زلت مستمرة إلى اليوم”.
حضور نسائي
وشهدت المسيرة مشاركة نسائية نوعية عبرت عنها عضوة ائتلاف المرأة العالمي لنصرة القدس وفلسطين حسناء قطني “هي تحية من المغربيات إلى المرأة الغزية التي تنوب اليوم عن كل نساء الأمة مفادها كلنا فلسطينيات”.
وأضافت قطني في حديثها للجزيرة نت أن “المرأة المغربية سباقة على مر التاريخ في مساندة القضية الفلسطينية العادلة”، مشيرة إلى أن ما حدث في الرباط اليوم يدل على أن “صوت الشعوب يعلو ولا يعلى عليه رغم اتفاقيات التطبيع والصمت الرسمي الذي يعبر عن التخاذل العربي”، حسب تعبيرها.
ومن بين الحاضرات في المسيرة فتاة لم تمنعها مأساة زلزال الحوز التي عايشتها قبل بضعة أسابيع من المشاركة، تقول مريم -التي قدمت من مراكش إلى الرباط- “عناء سفرنا يهون أمام ما يعيشه إخوتنا في فلسطين وغزة من اضطهاد صهيوني”، مؤكدة “أن القضية الفلسطينية بالنسبة للمغاربة قضية وطن متجذرة كما هي عقيدة”.
وتعتبر هذه الفعالية أول مسيرة وطنية داعمة لفلسطين تنظم في المغرب منذ منع تنظيم مظاهرة مماثلة عام 2020 عقب تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، وذلك بناء على قرار من وزارة الداخلية أرجعت فيه السبب إلى حالة الطوارئ الصحية جراء تفشي فيروس كورونا.
يذكر أن الملك المغربي محمد السادس قد أمر في أكتوبر/تشرين الأول 2000 بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بعد ست سنوات من فتحه، وطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وما صحبها من ضغط شعبي على مستوى الشارع المغربي.