إسطنبول – تشهد الحدود بين أذربيجان وأرمينيا حالة من التوتر بينهما، مع حشد كل منهما قوات الجيش قرب السياج الفاصل بين البلدين، مما يهدد باندلاع حرب ثالثة في إقليم ناغورني قره باغ، الذي استعادت باكو السيطرة على أجزاء واسعة منه في حرب 2020، وهو سيناريو لا تفضله أنقرة، بحسب مراقبين.
وعقب سقوط الاتحاد السوفياتي وتحرير منطقة القوقاز، غزت أرمينيا إقليم قره باغ عام 1993 وضمته، وأقامت فيه حكما ذاتيا، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وفي عام 2020، اندلعت حرب واسعة بين البلدين، تمكنت أذربيجان خلالها من استعادة قسم كبير من أراضي الإقليم، لتنتهي الحرب باتفاق لوقف إطلاق النار، وتعهدت يريفان بالتخلي عن المزيد من أراضي قره باغ.
وتتواصل منذ ذلك الوقت الاشتباكات العسكرية المحدودة على جانبي الحدود، لكنها تصاعدت مؤخرا مع حشد الطرفين مزيدا من القوات العسكرية، ولا سيما في مدينة هانكندي، التي نص اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 على أن تتخلى عنها أرمينيا لصالح أذربيجان تدريجيا.
وتضمن الاتفاق تعهد أرمينيا بفتح ممر زنغزور من أجل ربط جمهورية ناختشيفان التابعة لأذربيجان، والتي تتمتع بحكم ذاتي وتشترك في الحدود مع كل من تركيا وأرمينيا وإيران.
صراع الممرات الحدودية
ويرى مراقبون أن قضية فتح الممرات الحدودية التي تطالب بها أذربيجان وتركيا، وتتلكأ فيها أرمينيا وتساندها في ذلك إيران، طغت على الصراع وجهود التطبيع بين أطرافه التي أعقبت حرب 2020.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول المحلل السياسي والخبير في شؤون منطقة القوقاز باسل الحاج جاسم إن “التوتر بين أذربيجان وأرمينيا ليس جديدا، لكنه مرتبط بعدم استكمال الاتفاق الذي أنهى الحرب السابقة برعاية روسية، والذي ينتهي بتبادل فتح الممرات البرية، وهي عبارة عن ممر عبر أراضي أرمينيا بين إقليم ناختشيفان وأذربيجان الأم، وآخر عبر أراضي أذربيجان يربط أرمينيا بعاصمة إقليم قره باغ، والتي لا تزال تحت سيطرة الأرمن”.
ويؤكد الحاج جاسم أن ملف فتح الممرات البرية يتجاوز النزاع بين الجارين في جنوب القوقاز، مشيرا إلى حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل فترة عن معارضة إيران منح أرمينيا ممرا بريا داخل أراضيها لأذربيجان، وسبق أن تحدث أكثر من مسؤول إيراني عن رفضهم لأي تغييرات في الخرائط على حدودهم.
خطر التحول الأرميني
ولا تقتصر الأخطار الناجمة عن التوتر بين أذربيجان وأرمينيا على مصالح تركيا وأمنها القومي، بل تتعدى ذلك إلى الأبعاد الدولية للصراع و”التحول السياسي الذي يقوده رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشنيان”، حسب ما يرى مصطفى كيركتشي أوغلو المحرر في القسم الدولي بجريدة “يني شفق” التركية المقربة من الحكومة.
ويشرح أوغلو للجزيرة نت قائلا “بعد وصول باشينيان إلى السلطة، بدأ يحاول بقوة تحويل مسار بلاده، التي كانت معتمدة بشكل كبير على روسيا، نحو الولايات المتحدة”، مشبها جهوده بالخطوات التي اتخذها الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعد حرب 1973، وتمكن وقتها من النجاح بعد تحقيق نصر نسبي، مما ساعد بلاده على أن تُؤخذ مطالبها على محمل الجد.
وأضاف الصحفي التركي أن وضع باشينيان أضعف بكثير، “إذ يبدو جيشه مقابل أذربيجان أقل تجهيزا، في حين تنظر إليه روسيا، حليفته التقليدية، بتحفظ حاليا”.
ورأى أن الأثر المحتمل على الأمن القومي التركي قد يتعلق بشكل كبير -وربما أكثر من احتمال الحرب- بجهود باشينيان التقرب من الولايات المتحدة، إذ تمهد لاحتمال أن تطيح جماعة موالية لروسيا برئيس الوزراء من خلال انقلاب عسكري، مما يعني استمرار أرمينيا بوصفها دولة ضعيفة أكثر في المنطقة ولكن لا تزال معادية لتركيا.
خيارات تركيا
ويعتقد كيركتشي أوغلو أن خيارات تركيا في التصدي لعواقب انزلاق التوتر المتصاعد في القوقاز نحو حرب ثالثة تبدو معقدة، وتخضع لحسابات دقيقة تحتاج للموازنة بين المصالح والمخاوف.
ففي حين لا تتردد تركيا في المساهمة بحماية حقوق أذربيجان المشروعة، لا تريد لأذربيجان أن تضغط كثيرا على أرمينيا خصوصا باشينيان، على حد قوله.
ويتوقع المتحدث أن توافق إدارة أرمينيا الجديدة على شروط أذربيجان في المدى المتوسط، لافتا إلى عدم قدرة إدارة باشينيان على الاعتماد بالكامل على إيران، في حين تتقرب من الولايات المتحدة في الوقت نفسه.
ويرى كيركتشي أوغلو أنه من الضروري لتركيا أن تأخذ موقفا بصفتها “الأخ الأكبر” الذي يسعى لتسوية الأمور، مستفيدة من امتلاكها علاقات جيدة مع جورجيا وأذربيجان بهدف تطبيع العلاقات مع أرمينيا.