واشنطن- انقسم الخبراء الأميركيون حول الهجمات الجوية التي شنتها إيران ضد إسرائيل فجر أمس الأحد، واعتبر بعض المحللين أن الهجوم كان متواضعا سواء في قوته أو تأثيراته، وأنه غير ناجح في نهاية المطاف. وعلى النقيض، وصف آخرون الهجمات بأنها حدث تاريخي شديد الأهمية من حيث جلب حرب الظل الإيرانية الإسرائيلية الطويلة والممتدة منذ عقود إلى العلن.
ومثلت الضربة الإيرانية أول هجوم مباشر لإيران على إسرائيل منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل أكثر من 4 عقود، وعكست الهجمات نطاقا عملياتيا كبيرا وتعقيدات ضخمة.
فقد تم إطلاق عدد كبير من الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية من داخل إيران، ومن قبل مليشيات حزب الله في لبنان وجماعة الحوثيين في اليمن، ردا على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإسرائيلية في دمشق، الذي قتل فيه عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا قبل أسبوعين. إلا أن هذه الهجمات لم تتسبب إلا في أضرار مادية بسيطة، في حين لم يسفر عنها وقوع ضحايا إسرائيليين.
هجوم رمزي لكنه تاريخي
يمثل هجوم إيران غير المسبوق على إسرائيل لحظة مهمة في التاريخ، حتى لو كان المقصود من الهجوم أن يكون رمزيا إلى حد كبير، وفقا لمحلل في شركة استشارات المخاطر الجيوسياسية “أوراسيا غروب”.
وقال غريغوري برو، محلل الشؤون الإيرانية بالشركة، للجزيرة نت “لا تخطئوا: حتى لو كانت إيران تنوي أن يكون هذا عرضا رمزيا للقوة لاستعادة الردع، فقد هاجمت إسرائيل بالصواريخ والطائرات دون طيار لأول مرة”، وأضاف أنه شخصيا “لم يتوقع أن تستخدم إيران صواريخها الخاصة، من داخل أراضيها، في ضرب إسرائيل بصورة مباشرة”.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر خبير الشؤون الإيرانية جودت بهجت، المحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أنه خلال الأيام القليلة الماضية، اتخذت حرب الظل المستمرة منذ أعوام بين إسرائيل وإيران منعطفا جديدا وخطيرا. “فمن خلال مهاجمة القنصلية الإيرانية في دمشق، تجاوزت إسرائيل خطا أحمر مهما. وردا على ذلك، من خلال مهاجمة إسرائيل مباشرة، وليس عبر وكلاء، تجاوزت إيران أيضا خطا أحمر كبيرا”.
وأشار بهجت إلى أن “الهجوم الإسرائيلي الأخير على القنصلية الإيرانية والانتقام الإيراني يفتح الباب أمام الحسابات الخاطئة. سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتوصل الجانبان إلى اتفاق بشأن ما هو مقبول وما هو غير مقبول. وإلى أن يتوصلا إلى مثل هذا الاتفاق، فإن أحدهما أو كليهما قد يخطئان في الحسابات، وهذا يمكن أن يزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله”.
واقع جديد.. هل يقبله الجميع؟
وفي تغريدة على موقع إكس، يقول آرون ديفيد ميلر، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وخبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إن “إسرائيل حققت نجاحا أمنيا تكتيكيا كبيرا في دفاعها ضد الصواريخ الإيرانية، ونجحت شراكتها مع الولايات المتحدة والدول العربية السنية. والسؤال الآن هو كيف يمكن تحويل ذلك إلى فرصة إستراتيجية دون الاقتراب من خطر نشوب حرب إقليمية. لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن تقبل ضربة إيران كواقع جديد دون دفع الثمن”.
من ناحيته، يقول ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف شمال الأطلسي (الناتو) ووزارة الدفاع، إن “إيران تريد أن تثبت أن لديها قدرات ضخمة عسكرية، وبالتالي يجب أن تكون جزءا مهما من أي نقاش حول أمن المنطقة، وهم يريدون أن يتم الاعتراف بهم كلاعب رئيسي في شؤون المنطقة”.
وفي حديث للجزيرة نت، عبّر دي روش عن اعتقاده أن “إدارة بايدن يمكنها التأثير على شكل الرد الإسرائيلي على إيران. ومع ذلك، فإن ثمن ذلك هو أن الولايات المتحدة ستخسر أي نفوذ لديها على إسرائيل بشأن إدارة الحرب في غزة”.
وأضاف “أعتقد أن الإيرانيين ارتكبوا خطأ إستراتيجيا بالسماح لإسرائيل بالخروج من المعضلة التي كانوا فيها والمتمثلة في إلحاق خسائر ضخمة في صفوف المدنيين في غزة، وتحويل الرواية إلى كفاح إسرائيل من أجل البقاء ضد قوة إقليمية لا ترحم. وكالعادة، ضحى الإيرانيون بالمصالح الفلسطينية من أجل مصالحهم الخاصة”.
وأعتبر دي روش أن الهجوم على إسرائيل لم يُحسن سمعة إيران. لقد استخدموا أفضل ما لديهم وهزموا. لقد تحول ميزان القوى في المنطقة قليلا لصالح إسرائيل بعد هذه الهجمات، خاصة فيما يتعلق بإمكانية مواجهتها لهجوم غير مسبوق من حيث التنوع والشدة”.
قواعد اللعبة لم تتغير
ومن جانبه، يقول تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن، والمحاضر بجامعة جورج واشنطن، للجزيرة نت، إنه “إذا كانت هناك رسالة إلى واشنطن، فهي أن إيران قادرة على التصعيد إلى مستوى آخر، بعد أن هاجمت الأراضي الإسرائيلية مباشرة لأول مرة، لكنها ليست مضطرة لذلك إذا قيدت إدارة بايدن إسرائيل”.
واعتبر تشارلز أن “تحذير إيران إسرائيل من الرد على الهجوم، يوضح أن هذا لم يكن بداية هجوم أوسع نطاقا، بل هو هجوم انتقامي لتدمير إسرائيل لقنصليتها في دمشق وقتل كبار أفراد الحرس الثوري الإيراني”.
من ناحية أخرى، يرى تشارلز أنه “من المؤكد أن إدارة بايدن تضغط على إسرائيل لعدم التصعيد، فهي تتمتع بالنفوذ الذي تحتاجه فيما يتعلق بإمكانية فرض شروط على المساعدات العسكرية، ولكن اللجوء لذلك من عدمه، فهذه مسألة أخرى. وقد أعلنت إدارة بايدن، كالعادة، أن التزامها تجاه إسرائيل صارم”.
ولا يعتقد تشارلز أن “هذا الهجوم يغير بشكل أساسي عنصر الردع أو التوازن الإستراتيجي بين الدولتين، ويبدو أن الهجوم الإيراني هو أكثر من محاولة لإعادة تأسيس الردع، وتذكير إسرائيل بأنه قد يكون هناك ما هو أسوأ بكثير إذا اختارت إسرائيل التصعيد”.