واشنطن- كشفت إزاحة كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب الأميركي السابق من منصبه قبل أيام، عن عمق الأزمة التي يعاني منها الحزب الجمهوري وسط تصارع تيارات فكرية وأيديولوجية لا يجمع بينها إلا الحد الأدنى من القيم التقليدية المحافظة.
ولا يعلم أغلب المراقبين كيفية ردم الشقوق بين تيارات الحزب في وقت تغيب فيه الثقة بين الأعضاء وسط اتهامات متبادلة بتخلي كل منها عن جوهر الأفكار المحافظة التي يتبناها الحزب، في ظل استقطاب حاد وغير مسبوق مع الحزب الديمقراطي في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
تيارات خمسة
وتتفق كل التيارات الجمهورية على خطوط عريضة منها خفض إنفاق الحكومة والضرائب مع دور أصغر للحكومة الفدرالية، وسياسات اجتماعية محافظة تضيّق على الإجهاض وترفع قيم العائلة التقليدية.
ويتبنى هذا التيار سياسات متشددة تجاه الهجرة والمهاجرين خاصة غير النظاميين، وسياسة خارجية تُبرز أهمية القوة العسكرية الأميركية وتتشدد تجاه روسيا والصين.
إلا أن الاتفاق على الاتجاهات العامة للحزب ترك مساحة واسعة للاختلاف، ولم تُحصن الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب الحزب من حرب أهلية ضروس انتهت بإقالة 8 نواب جمهوريين لزعيم حزبهم مكارثي، صاحب أهم ثالث منصب في النظام الأميركي بعد الرئيس ونائبته، وذلك للمرة الأولى في التاريخ الأميركي.
وينتمي نواب الحزب الجمهوري بمجلس النواب إلى 5 تيارات فكرية رئيسية، بينما ينتمي النواب الثمانية الذين نجحوا (مع تصويت كل الديمقراطيين) في إزاحة مكارثي، إلى التيار الترامبي الأكثر شعبوية وتطرفا بين تيارات الجمهوري، هم:
- أندي بيغز من أريزونا
- كين باك من كولورادو
- تيم بورشيت من تينيسي
- إيلي كرين من أريزونا
- مات غايتز من فلوريدا
- بوب جود من فرجينيا
- نانسي ميس من كارولينا الجنوبية
- مات روزندال من مونتانا
ويمكن تناول التيارات الخمسة على النحو التالي:
أرضية مشتركة
- تيار الجمهوريين المعتدلين
يقف هذا التيار إلى جانب الأفكار الجمهورية الأوسع نطاقا في معظم القضايا، ويحاول أعضاؤه إيجاد أرضية مشتركة مع الديمقراطيين في بعض القضايا، كما أنهم يختلفون كثيرا عن زملائهم في يمين الحزب، ومن أعضائه ديفيد جويس من أوهايو، ونانسي ميس من كارولينا الجنوبية.
وغالبا لا يرتقي أعضاء هذه المجموعة إلى مناصب بارزة في قيادة الحزب. ويتعين عليهم اتباع خط رفيع للحفاظ على مناصبهم ووظائفهم. ويُحتمل ألا يتفقوا مع التيار الجمهوري السائد في كل شيء.
ورفضت النائبة ميس موقف الحزب من قضية الإجهاض، ولم يدعم النائب جويس سياسة طرد بعض الديمقراطيين من اللجان التي يقودها الجمهوريون، إلا أنهما يتفقان إلى حد كبير مع رسائل الجمهوريين المناهضة لبايدن.
ويكون موقفهم أكثر التزاما بالخط الجمهوري في القضايا المهمة لقاعدتهم الانتخابية، مثل الحفاظ على “القيم العائلية” أو “إبطاء التضخم”. ولا يدعم هذا التيار، الصغير نسبيا، ادعاءات الرئيس السابق دونالد ترامب بسرقة انتخابات عام 2020.
تيار غالب
- تيار الجمهوريين التقليديين
وهو التيار الغالب في الحزب وفي قياداته في مجلس النواب، ويتباهون بسجلاتهم المحافظة المستقرة. وفي كثير من الأحيان، يتحدثون ضد الأعضاء الذين ينتمون إلى يمينهم، لكنهم يحاولون عموما أن يكونوا في الوسط، ويمثل هذا التيار الخط الفاصل بين الأجنحة المعتدلة من جانب، والأجنحة المؤيدة لترامب في الحزب من جانب آخر.
ومن أعضائه البارزين النائبة إليز ستيفانيك من نيويورك والنائب توم إيمر من مينيسوتا.
ويلتزم هذا التيار ببعض مبادئ “الترامبية” كتوبيخ وسائل الإعلام، وهو بحاجة إلى اعتباره ممثلا للمصالح العليا للحزب المتنوع أيديولوجيا، ولا يهاجم الرئيس السابق مثل الجمهوريين الأكثر اعتدالا، ولا يدق إسفينا داخل التجمع كما يفعل الجناح اليميني المؤيد لترامب.
ويدفع هذا التيار نحو أجندة جمهورية تقليدية إلى حد ما، مثل خفض الضرائب أو تقليص دور الحكومة دون الخوض كثيرا في الحروب الثقافية التي أصبحت تميز أعضاء مجلس النواب اليمينيين المتطرفين.
رباط جامع
- تيار الجمهوريين المتشددين
يعد هذا التيار من المحافظين الذين من المحتمل أن ينحازوا إلى الأيديولوجيا اليمينية الشعبوية، وهو الفئة المفضلة للكتلة الانتخابية شديدة الولاء لترامب، ومن أبرز أعضائه النائبان ستيف سكاليس من لويزيانا، وباتريك ماكهنري من كارولينا الشمالية.
ويشعر أعضاء اليمين المتطرف بالراحة مع نواب هذا التيار، وهم بمثابة الرباط الذي يجمع القوى اليمينية والمؤسسة المحافظة معا. ولا ينسّق هذا التيار كثيرا من أجل تمرير مشروعات القوانين مع الديمقراطيين، أو حتى مع أعضاء مجلس النواب الجمهوريين الأكثر اعتدالا.
وكانت هذه الديناميكية واضحة تماما خلال معركة رئيس مجلس النواب عندما تم طرح سكاليس كرئيس محتمل للمجلس، إذ كان بإمكانه الحديث إلى 20 جمهوريا مناهضا لمكارثي. وقد لا يتفق هؤلاء الأعضاء مع كل ما يقترحه تجمع الحرية. على سبيل المثال، ولا يروج هذا التيار لادعاء سرقة نتائج انتخابات 2020.
- تيار “حزب الشاي” أو “تجمع الحرية”
هم أعضاء تُحركهم الأيديولوجيا اليمينية الشعبوية بالأساس، ومن أعضائه البارزين جيم جوردان من أوهايو، وبايرون دونالدز من فلوريدا، ويُعد أعضاؤه من أكثر المحافظين تشددا في مجلس النواب، وهو تيار أكثر التزاما في القضايا الأيديولوجية مثل خفض الإنفاق الحكومي ومهاجمة التظلم التاريخي للسود والأقليات.
ولاء
ويدفع موقف التيار المحافظ أعضاءه للمناورة وأحيانا للتواصل مع بقية التيارات الجمهورية، ويترددون في التواصل مع الديمقراطيين. كما يجبرهم أسلوبهم المحافظ على الانفصال عن الحلفاء الجمهوريين اليمينيين في بعض الحالات.
وعلى سبيل المثال، عندما قال ترامب في تغريدة إن 4 أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس -جميعهم من النساء السود- يجب أن “يعودوا” “من حيث أتوا”، ندد بعض أعضاء هذا التيار بموقف ترامب.
وبصفة عامة، يدعم هذا التيار ترامب لكن ولاءاته ليست مرتبطة بزعيم معين. وغالبا ما يُظهرون بشكل إستراتيجي دعمهم للرئيس السابق ويدافعون عنه بصوت عال خلال جلسات المساءلة، ويمكن القول إنهم يريدون أيضا زيادة سلطتهم في مجلس النواب.
- تيار ماغا أو التيار الترامبي
“فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، -ماغا- هم أنصار ترامب الأكثر ولاء له. ولا ينتقد أعضاء هذا التيار ترامب تحت أي ظرف، حتى لو لم يتبنوا وجهات نظره بالكامل.
قوة كبرى
وصوّت معظم تيار ماغا ضد التصديق على فوز الرئيس بايدن الانتخابي لعام 2020. ومعتقدات هذا التيار الأيديولوجية مرنة وتصل إلى حد التناقض في بعض الحالات مثلهم مثل ترامب.
ومن أبرز أعضائه النائب مات غايتز من فلوريدا الذي قاد جهود إقالة كيفن مكارثي، والنائبة مارجوري تايلور جرين من جورجيا.
قد لا يكون هذا هو الجناح الأكبر عددا، لكنه بالتأكيد الأعلى صوتا، ويتمتع بقوة كبيرة نظرا للأغلبية الضيقة للحزب الجمهوري في مجلس النواب (فارق 10 أصوات فقط، مما يعني أن 5 أصوات فقط تُفشل أغلبية الجمهوريين في المجلس).
ونجح هذا التيار في الإطاحة بمكارثي بعدما صوّت 8 من أعضائه عكس بقية أعضاء الحزب الجمهوري.
ولا يخشى هذا التيار مواجهة المؤسسات الأميركية الراسخة، ويُنظر إلى منتميه، من قبل بقية الأعضاء الجمهوريين بالمجلس، على أنهم مشرعون غير جادين.