توغو.. انتخابات تشريعية وإقليمية وسط توترات بسبب الدستور الجديد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

لومي- يتوجه الناخبون في توغو غدا الاثنين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات تشريعية وإقليمية يتم خلالها انتخاب 113 عضوا للجمعية الوطنية، بجانب أول انتخابات إقليمية في تاريخ البلاد، وسط حالة من التوتر بسبب تبني دستور جديد اعتمد في 19 أبريل/نيسان الجاري وسط اعتراضات شعبية ومن الأحزاب السياسية.

ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت أكثر من 4 ملايين. وستشهد هذه الانتخابات زيادة عدد المقاعد من 91 إلى 113، وذلك بعد مباحثات بين الحكومة والمعارضة، التي طالبت بتوسيع التمثيل البرلماني ليتطابق مع عدد البلديات.

وتجري الانتخابات وسط توترات واعتراضات شعبية في غياب استفتاء شعبي على الدستور والاكتفاء بتمريره عبر الجمعية الوطنية التي يحتفظ فيها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية “يو إن آي آر”، بقيادة الرئيس فور غناسينغبي، بأغلبية كبيرة، مقابل ائتلاف المعارضة “التحالف الجماعي” الذي يسعى لإلغاء الدستور الجديد والعودة إلى دستور 1992.

ويُنظر إلى هذه الانتخابات على أنها محطة حاسمة قد تشكل مستقبل النظام السياسي في توغو، خاصة مع الانتقال المرتقب إلى الجمهورية الخامسة إذا أُقرّ النظام البرلماني الذي يتبناه الدستور الجديد.

وعبر ناتانييل أولمبيو، الناطق الرسمي لتحالف “لا تلمس دستوري” المعارض، في تصريح للجزيرة نت عن قلقه بشأن الوضع الديمقراطي في توغو، مشيرا إلى أنه “للمرة الأولى، نجد مرشحين يخوضون حملاتهم الانتخابية دون معرفة محتوى الدستور الذي سيحكمون تحت لوائه، وهذا يُعتبر سابقة في تاريخ الديمقراطيات المعاصرة حيث يتم الانتخاب تحت ما يمكن وصفه بدستور سري”.

وأشار أولمبيو إلى أن الوضع في توغو يُظهر تناقضا صارخا مقارنة بالتطورات الديمقراطية في منطقة غرب أفريقيا، وفي دول إقليمية مثل السنغال، واصفا النظام في توغو بـ”الاستبدادي”. وأضاف “حتى لو تمكن الحزب الحاكم من الفوز، وهو الأمر المرجح، فإن الشعب التوغولي سيستمر في مقاومة هذا الدستور”.

وأعرب الناطق باسم تحالف “لا تلمس دستوري”، عن شكوكه في قدرة الداخل التوغولي على إحداث تغيير للحكم، سواء من خلال المسارات القانونية أو السياسية، رغم مشاركة الداخل الفعّال في العملية الانتخابية القادمة.

وأشار إلى أن منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ربما لا تملك -هي الأخرى- القدرة على التأثير في تغيير النظام. وعليه، ناشد الاتحاد الأوروبي “الداعم الفعلي للنظام التوغولي” للضغط على الرئيس فور غناسينغبي لترك السلطة، مضيفا “في حالة عدم تدخلهم، فإننا سنواصل محاولاتنا لتحقيق التغيير بالوسائل المتاحة لنا”.

المعارضة التوغولية ترى أن الرئيس فور غناسينغبي يقود نظاما استبداديا يسعى لتعزيزه بالدستور الجديد (الجزيرة)

مراقبة الانتخابات

أكدت إيكواس، ومنظمة الفرانكوفونية الدولية، والاتحاد الأفريقي مشاركتها في مراقبة العملية الانتخابية. وبدت هذه المشاركة كإشارة إلى عدم نية هذه المنظمات مناقشة قانونية الدستور الجديد، وهو ما فُسّر محليا بأنه مباركة للحكومة على “انقلابها الدستوري”.

وكانت إيكواس أعلنت في 15 أبريل/نيسان عن نيتها إرسال بعثة استكشافية إلى توغو، لكنها تراجعت بعد يوم من ذلك وقررت إرسال بعثة معلوماتية، مما أثار استياء المعارضة والمجتمع المدني.

في هذا الصدد، عبر عليون تين، مؤسس مركز “أكريكا-جوم” في دكار، المعني بدراسة الديمقراطية والسلام في غرب أفريقيا، عن خيبة أمله تجاه عجز إيكواس عن تطبيق القواعد الديمقراطية على دولها الأعضاء.

وفي تصريح لصحيفة توغولية، أشار تين إلى أن المنظمة الإقليمية صمتت عن التعديلات “غير الدستورية” لنظام الحكم في توغو خلال زيارتها الأخيرة إلى لومي، وقال إن إيكواس تتخذ إجراءات صارمة ضد الانقلابات العسكرية لكنها تظل عاجزة عندما يستخدم رؤساء الدول المدنيون الحِيَل الدستورية والقانونية للبقاء في السلطة، وتوغو هي مثال على ذلك.

التعديلات الدستورية الجديدة قوبلت برفض شديد من المعارضة واحتجاجات في الشارع (رويترز)

التعديل الدستوري

وكان هذا الدستور الذي تجري وفقه الانتخابات الحالية قد أقر بأغلبية كبيرة في الجمعية الوطنية في 25 مارس/آذار 2024، وأبرز ما جاء فيه هو تغيير نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني.

وقوبلت التعديلات برفض شديد، إذ شكّلت المعارضة تحالفا ونظمت مظاهرات مع بداية أبريل/نيسان الجاري، واصفة التعديل بـ”الانقلاب الدستوري”، مما دفع الحكومة لطلب إعادة قراءة الدستور في محاولة لاسترضاء الشعب، ومن ثم أعيد للبرلمان الذي وافق عليه مرة أخرى بالإجماع في 19 أبريل/نيسان، حيث أيده 87 نائبا.

في المقابل، قال وزير الإعلام التوغولي ياوا كوغيان، إن الدستور الجديد يُلبّي “تطلعات الشعب العميقة”، نحو نظام برلماني، حيث يكتسب رئيس الوزراء، من حزب الأغلبية، السلطات التنفيذية كلها.

وأشار إلى أن الرئيس غناسينغبي ملزم بنشر الدستور الجديد خلال 15 يوما بعد موافقة البرلمان، وهو إجراء -بحسب كوغيان- متوقع في فترة قريبة نظرا للدعم الكبير الذي حظي به النص وتوافقه مع المعايير الديمقراطية، بعد مراجعة النص مرتين، مما يعكس التزامه بتلبية مطالب الشعب على حد قوله.

عضو برلمان توغو جيري تاما
رئيس حزب “التزام جديد” التوغولي جيري تاما قدم طلبا للمحكمة الدستورية لإبداء الرأي في الدستور الجديد (الجزيرة)

خيارات المعارضة

لمواجهة الدستور الجديد، تحركت المعارضة في توغو عبر خطين متوازيين، الأول قانوني يعتمد على الطعون والاعتراضات، والثاني سياسي يتمثل في التعبئة الجماهيرية.

بعد يوم من التصويت البرلماني الثاني على الدستور، حثت الجمعية التوغولية لمكافحة الإفلات من العقاب رؤساء المؤسسات الحكومية على مراجعة المحكمة الدستورية لتقييم دستورية النص والتحقق من توافق بنوده مع القواعد المتعارف عليها.

واعتبرت الجمعية أن التحليل الذي ستقوم به المحكمة الدستورية سيضمن الالتزام بالقانون وسيحدد ما إذا كان ينبغي على رئيس الجمهورية المصادقة على الدستور الجديد أم لا.

واستجاب جيري كومانديجا تاما، رئيس حزب “التزام جديد” التوغولي ، لنداء الجمعية، فقدم في يوم الاثنين الماضي طلبا إلى المحكمة الدستورية للحصول على رأيها القانوني، في تبني الدستور الجديد عبر البرلمان دون إجراء استفتاء شعبي.

وفي تعليق للجزيرة نت، صرح ناتانييل أولومبيو، المتحدث باسم تحالف “لا تلمس دستوري”، بأن رؤساء المؤسسات ورؤساء الكتل البرلمانية الذين لديهم صلاحية طلب مراجعة دستورية من المحكمة الدستورية بخصوص الدستور الجديد جميعهم مُعيّنُون من قبل الرئيس، ما يُثير تساؤلات حول مدى إمكانية أداء دورهم بشكل مستقل.

وأضاف أنّ أي إجراء قانوني محتمل سيكون شكليا في ظل هذه الظروف، معربا عن تشككه في فعالية تلك الجهود. وأشار أولومبيو إلى أنّ الرئيس عين عضوين جديدين بالمحكمة الدستورية في 20 أبريل/نيسان الجاري، مما يعكس محاولاته لضمان تأييد المحكمة للدستور الجديد.

أما المسار السياسي الذي يتماشى مع الحملات الانتخابية التي انطلقت في 13 أبريل/نيسان، فقد أطلق التحالف الجماعي، وهو تجمع سياسي لأحزاب المعارضة، دعوة إلى التعبئة الشعبية ضد الدستور الجديد.

ويرى التحالف أن هذا الدستور لم يحظ بالإجماع الوطني اللازم. وقد شجع محمد تشاسونا تراوري، منسق التحالف وعضو حركة المواطن من أجل التنمية “إم سي دي”، الناخبين لاستخدام صناديق الاقتراع كوسيلة للتعبير عن رفضهم، مقترحا أن تكون الانتخابات بمثابة استفتاء عام ضد التغييرات الدستورية.

ويرى التحالف، الذي يضم أحزاباً مثل “تقارب” الوطني، وحركة “المواطنين من أجل الديمقراطية والتنمية”، وحركة “النور من أجل التنمية في السلام”، هذه الانتخابات فرصة حاسمة لتحقيق التماسك الوطني في فترة حرجة للبلاد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *