تعلمنا من الأسوأ لنبني رواندا.. قصة ناجية من الإبادة الجماعية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

الدوحةـ رغم مرور 3 عقود على الإبادة الجماعية بحق عرقية التوتسي التي شهدتها رواندا في أبريل/نيسان 1994، إلا أن ذكريات هذه المأساة ما تزال عالقة في أذهان الكثيرين، ومنهم الناجية جلوريوسا أويمبوهوي.

فقدت جلوريوسا والديها وإخوتها الأربعة (أخان وأختان)، وعاشت تجارب مرعبة سواء خلال الإبادة أو بعدها، خاصة أن تفرقها عن عائلتها وانفصالها عنهم خلال عمليات الإبادة، كان سببا في نجاتها.

لم تكن النجاة من الإبادة رحمة، وإنما كانت أكثر إيلاما لجلوريوسا التي لم تجد فرصة لدفن أفراد عائلتها وأحبائها بكرامة، واضطرت للعيش وسط مرتكبي الإبادة الجماعية سواء اعترفوا أم لا، وكلما تراهم تشعر بالحزن، وتتساءل عما إذا كانت عائلتها قُتلت على أيديهم، وتشعر أن بعضهم يعرف ما حدث، وأين قُتلوا.

حضور كبير لفعالية إحياء ذكرى الإبادة الجماعية لعرقية التوتسي بمركز قطر الوطني للمؤتمرات (الجزيرة)

نهضة رواندا

شاركت جلوريوسا في فعالية “كويبوكا 30” التي نظمتها سفارة رواندا في العاصمة القطرية الدوحة بمناسبة الذكرى الـ30 للإبادة الجماعية ضد التوتسي، والتي أقيمت مساء الخميس بمركز قطر الوطني للمؤتمرات.

ورغم ما عاشته فإنها بعد مرور 30 عاما على الإبادة الجماعية لعرقيتها تغيرت كثيرا، وأصبحت أكثر إيجابية من أجل نهضة رواندا الجديدة، ورؤية الأجيال القادمة أكثر مرونة وتفهما، ونشر شعلة الأمل بينهم، واستبدال الكراهية بالحب.

وتقول جلوريوسا للجزيرة نت إن الأجيال الناجية تعلمت من الأسوأ لتسير البلاد نحو الأفضل، “إننا واحد ولا يمكن أن نكون إلا روانديين، هناك ألم عميق بداخلي، وعندما أتذكر والدي وأحلامه في مستقبل أكثر إشراقا، أرى رواندا الجديدة”.

وتضمنت الفعالية التي شهدت حضورا دبلوماسيا مميزا، معرضا صغيرا، وبدأت بدقيقة صمت وتلاه عمل رمزي بإيقاد شعلة الأمل، ثم عرض مسرحي قدمته مالايكا أواماهورو، الممثلة والشاعرة والمغنية الرواندية المولد، واستعرضت خلاله قصة الإبادة الجماعية وكيفية تخطي هذه الفاجعة المؤلمة وبناء رواندا الجديدة.

وانطلقت في رواندا، في السابع من أبريل/نيسان الجاري، مراسم إحياء ذكرى مرور 30 عاما على الإبادة الجماعية (كويبوكا 30)؛ التي شهدتها عام 1994 ونفذها متطرفون من عرقية الهوتو ضد أقلية التوتسي على مدى 100 يوم دامية، قُتل خلالها أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي.

وترى جلوريوسا أن “كويبوكا” التي تعني “التذكر” باللغة الكينيارواندية، تمثل بالنسبة لها الفرصة المناسبة لتذكر والديها وإخوتها والعائلة الأكبر، والأهم من ذلك أن تتذكر استهداف التوتسي بسبب هويتهم، وتمزيق البلاد وتحول شعبها إلى كراهية بعضهم البعض. وقالت إن نجاتها من هذه الإبادة كانت بفضل الروانديين “جبهة رواندا الوطنية” الذين ناضلوا من أجل إنقاذ البلاد.

أواماهورو قدمت عرضا مسرحيا استعرضت خلاله قصة الإبادة الجماعية ومراحل بناء رواندا الجديدة (الجزيرة)
عرض مسرحي يستعرض قصة الإبادة الجماعية ومراحل بناء رواندا الجديدة (الجزيرة)

فرصة للامتنان

تضيف أن “كويبوكا 30” فرصة أيضا للامتنان “للذين ضحوا بحياتهم لإنقاذنا من الإبادة الجماعية”، وتذكر كيف تخلى عنهم العالم الذي لم يتوقف قط عن تعليمهم كيفية السلام والديمقراطية والتنمية، ولكنه تركهم “في أيدي الجزارين”، وفقا لجلوريوسا.

ويوضح السفير الرواندي بقطر إيغور مارارا كاينامورا، أن إحياء ذكرى الإبادة الجماعية بحق عرقية التوتسي، والذي يقام تحت عنوان “نتذكر- نتحد – نجدد” يحمل أهمية عميقة للشعب الرواندي الذي يفكر بوعي كبير في ماضيه ورحلة الشفاء والمصالحة وإعادة البناء التي تلت ذلك.

ويقول كاينامورا للجزيرة نت “نقف خلال هذه الذكرى، اعترافا بانتصار وحدتنا على أي شيء آخر، فمن بلد كان يُعتقد أنه مكان ميؤوس منه في عام 1994، بنينا مجتمعا متحدا تغذيه الرغبة في الارتقاء ورفع بعضنا البعض”.

ويضيف “بينما نفكر في الدروس المستفادة من ماضينا، نعتقد أن مكافحة أيديولوجيات الإبادة الجماعية بأي شكل من الأشكال هي معركة لا ينبغي للإنسانية أن تتوقف عن خوضها أبدا، ونجدد التزامنا بالتعاون النشط مع جميع أصحاب المصلحة، لتعزيز السلام والأمن الإقليميين والدوليين”.

و”لقد اخترنا أن نظل مسؤولين أمام بعضنا البعض، ونتطلع إلى الداخل بحثا عن الأسباب والحلول الوحيدة لتحدياتنا الوجودية، وأن نؤمن أن ماضينا المأساوي لن يحرمنا أبدا من مستقبل مشرق”.

كاينامورا يرى أن مكافحة أيديولوجيات الإبادة الجماعية هي معركة لا ينبغي للإنسانية أن تتوقف عن خوضها أبدا (الجزيرة)
كاينامورا: مكافحة أيديولوجيات الإبادة الجماعية معركة لا ينبغي للإنسانية أن تتوقف عن خوضها (الجزيرة)

الإبادة في صور

وتخللت الفعالية شهادات مختلفة مرتبطة بالإبادة الجماعية، منها شهادة توزاهورا توبيبوكا إيتيكا رايوز، الذي فقد والديه و6 من إخوته، وعكست قصته تجربة جيل ما بعد الإبادة الجماعية.

أما ياسين نوزيمان (34 عاما) وإتيناس إريمان (36 عاما) المقيمان في الدوحة، فقد أعربا للجزيرة نت عن حزنهما الشديد لهذه الإبادة الجماعية بحق عرقية التوتسي، والتي أودت بنحو مليون شخص.

ويعتبر نوزيمان أن سبب حضوره الفعالية هو المشاركة في إحياء هذه الذكرى لأكثر من مليون شخص من الأجداد والآباء والأمهات والأطفال، خاصة أنه لن تتاح لنا الفرصة أبدا لمعرفتهم، “لكننا عرفنا أن جريمتهم الوحيدة هي أنهم ولدوا تحت اسم التوتسي”، وفق قوله.

أما إريمان الذي كان يرتدي الزي القطري، فيقول إنه لم يعايش هذه الإبادة لأنه كان صغيرا وقتها، ولكنه سمع عنها الكثير، ويشعر بحزن وقهر شديدين لما حدث، إلا أنه شدد على أن هذا الأمر بقي في الماضي، “واليوم نحن الشباب نتطلع إلى رواندا الجديدة”.

وضم المعرض الذي صاحب الفعالية صورا وقصاصات كانت بمثابة رحلة تعليمية للمشاركين، وقدم نبذة حول كيفية الإعداد للإبادة الجماعية ضد التوتسي وتنفيذها، وتأثيرها العميق، ورحلة المثابرة في رواندا.

وتناولت الصور الإبادة الجماعية والعلامات التحذيرية لصانعي السياسات بوقوع هذه الفاجعة بعد تاريخ من التمييز والعنف والمجازر التي سبقها، واستعرضت الصور عددا الأشخاص الذين قتلوا في الإبادة.

وتطرقت إحدى القصاصات إلى كيفية بداية الإبادة الجماعية، في حين تحدثت ثانية عن عنصرية الهوتو ضد التوتسي، وثالثة عن أحداث الـ100 يوم من الإبادة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *