تصريحات دا سيلفا تخيّم على اجتماع وزراء مجموعة الـ20 بالبرازيل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

ساو باولو – عقد وزراء خارجية “مجموعة الـ20” اجتماعهم في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية يوم 21 فبراير/شباط الجاري والذي يستمر يومين، وعلى جدول أعماله قضايا الفقر والمناخ وإصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والحرب الروسية على أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويأتي الاجتماع في ظل أزمة دبلوماسية متصاعدة بين البرازيل وإسرائيل بعد تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا خلال مؤتمر القمة الأفريقية في أديس أبابا يوم 18 فبراير/شباط الحالي، والتي وصف فيها ما تفعله إسرائيل بالشعب الفلسطيني “بالهولوكوست والإبادة الجماعية”.

ودفع “الاشتباك الدبلوماسي” بين الطرفين دا سيلفا إلى استدعاء سفيره في تل أبيب على خلفية الإجراءات التي اتخذتها الخارجية الإسرائيلية والتصريحات التي اعتبرها وزير الخارجية البرازيلية ماورو فييرا “مثيرة للاشمئزاز”.

مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية تستضيف اجتماع وزراء خارجية مجموعة الـ20 (رويترز)

دعم واضح

يأتي كل هذا في وقت تتصاعد فيه حركة الاحتجاج الشعبية البرازيلية على المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، من خلال المظاهرات والفعاليات، التي لم تتوقف منذ بدء العدوان على القطاع، في أغلب المدن والولايات البرازيلية.

وتقول آرليني كليميشا أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة ساو باولو إن الموقف الرسمي البرازيلي فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة أصبح تدريجيا، وبحذر، أكثر وضوحا وحسما منذ الأسبوع الأول بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتضيف للجزيرة نت “من الواضح أن دا سيلفا منزعج ومتأثر للغاية بالمذبحة التي تُرتكب في غزة. لقد وصل بعد 5 أشهر تقريبا إلى اللحظة الأكثر وضوحا في دعمه فلسطين”.

وتوضح كليميشا أن هذا التحول بدأ بالإعلان الذي طال انتظاره حول الدعم البرازيلي لجنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ثم اتخذ الآن بعدا جديدا مع استدعاء دا سيلفا السفير البرازيلي في إسرائيل بعد أن تم تصنيفه كشخص غير مرغوب فيه هناك.

وتتابع “لم تتوقف وسائل الإعلام الرئيسية في البرازيل عن انتقاد دا سيلفا في كل خطوات الدعم التي قدمها لفلسطين، فالرأي العام البرازيلي منقسم إلى حد كبير، والنزاع السياسي المحلي بين الأحزاب اليمينية والقوى الديمقراطية الاجتماعية حاد جدا، دخل على خطّه الآن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني”.

وتضيف “بدأت الأحزاب السياسية اليمينية والكيانات الصهيونية المحلية وممثلوهم في البرلمان باستخدام خطوات دا سيلفا لمهاجمته باتهامات كاذبة بدعم الإرهاب، وتم استخدام القضية الفلسطينية سلاحا من قبل اليمين ضد الرئيس البرازيلي”.

رئيس شجاع

بدوره، يقول برونو أوبرمان أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الكاثوليكية في ساو باولو إن الرئيس لولا دا سيلفا كان شجاعا جدا في وقوفه مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للإبادة. ويرى أن استدعاء السفير البرازيلي في إسرائيل بعد “الإذلال”، الذي تعرض له من وزير خارجية الاحتلال، لا يكفي، وأن إسرائيل سخرت في الأيام الأخيرة من دا سيلفا ومن البرازيل، في حين لم يرد وزير الخارجية البرازيلي “بشكل مناسب”.

ويوضح أوبرمان للجزيرة نت أن البرازيل واحدة من أكبر مشتري الأسلحة الإسرائيلية في التاريخ، وأن الحظر العسكري إذا ما اتّخذ قرار بشأنه يمكن أن يضفي مصداقية على تصريحات لولا دا سيلفا.

ويتابع المتحدث ذاته “أما الرأي العام البرازيلي فهو منقسم حول ما يحدث في غزة، لأنه منقسم بين مؤيدي لولا دا سيلفا والرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو. اليسار الصهيوني قوي وله نفوذ واسع في البلاد، كما أن وسائل الإعلام أيضا معارضة لمواقف الحكومة”.

من جانبه، يقول الكاتب الصحفي والقيادي العمالي البرازيلي فابيو بوسكو، للجزيرة نت، إن غالبية الشعب البرازيلي يدينون الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، ويطالبون الاحتلال بوقف فوري لإطلاق النار، وبالتالي فإن ما قاله دا سيلفا كان منسجما تماما مع الشعور العام للشعب البرازيلي.

وحول الدور الذي قد تلعبه البرازيل في المحافل الدولية كاجتماع قمة الـ20 الذي سيُعقد في الأشهر المقبلة، يقول أوبرمان إن “مجموعة الـ20 هي المساحة الأخيرة للحوار بين القوى العظمى المتنافسة. وأعتقد أن البرازيل قادرة على الاضطلاع بدور وساطة مهم في هذا السياق الذي يتسم بالتوتر العالمي المتزايد وانتشار الصراعات المسلحة”.

ويضيف أن البرازيل تُعدّ واحدة من الدول القليلة القادرة على العمل كمُحاور جدير بالثقة للولايات المتحدة وروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي، الذي تفاوضت معه على اتفاقية التجارة الحرة.

الوقفة التضامنية مع فلسطين
وقفة تضامنية في البرازيل مع فلسطين (الجزيرة)

دور مهم

ويتابع أوبرمان “أعتقد أن الدبلوماسية البرازيلية قادرة على الاضطلاع بدور مهم في منع تصعيد الحرب الباردة الجديدة والوصول إلى نقطة اللاعودة. ويتمثل التحدي فيما إذا كانت القوى الكبرى تنظر للبرازيل باعتبارها جهة فاعلة وقادرة على لعب هذا الدور القيادي”.

ويوضح “لقد نجحت الدول الغربية في كبح طموحات البرازيل في التحول إلى قوة عالمية، كما حدث عندما رفضت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، الاتفاق النووي الذي أبرمه لولا دا سيلفا مع إيران عام 2010″.

أما الكاتب الصحفي فابيو بوسكو فيقول إن الحكومة البرازيلية ستطرح ثلاث نقاط للنقاش في قمة الـ20، وهي مكافحة الفقر، والتغيّر المناخي، وإصلاح مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.

ويعتقد أن المشكلة الرئيسية هي مع الدول الرأسمالية الغنية، لأن مكافحة الفقر في آخر سلّم أولوياتها، ويبدو أن مكافحة التغيّر المناخي تضر بمصالحها الاقتصادية.

وبشأن مجلس الأمن، يرى بوسكو أن الدول الخمس الدائمة العضوية لن تقبل بأي تغيير يقلّص من قوتها وصلاحياتها. وبالتالي فإن كل هذه النقاط لن تعالَج في إطار مجموعة الـ20، وأن الطريقة الوحيد لمواجهة هذه التحديات هي أن يتحرّك المتضرّرون من الفقر ومن مشاكل المناخ على المستوى العالمي.

وعن انسجام المواقف البرازيلية شعبيا ورسميا مع مواقف دول الجنوب وعلى رأسها جنوب أفريقيا تجاه حرب الإبادة في غزة، تقول كليميشا إن انتقاد لولا دا سيلفا العدوان الإسرائيلي على غزة كان تعبيرا عن الشعور العام لدى شرائح واسعة من الشعب البرازيلي.

وتضيف أنه منذ اللحظة التي نشب فيها هذا الجدل والخلاف، لم تُدن أي دولة ما قاله لولا دا سيلفا، بل هنالك دول عدة عبّرت عن دعمها الرسمي مثل كولومبيا وبوليفيا وكوبا وفنزويلا.

ويرى بوسكو أن الشعور العام البرازيلي ضد حرب الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية، وهو شعور يتشابه مع مشاعر تضامن الطبقة العاملة البرازيلية مع عمال وفقراء دول الجنوب.

ويضيف أن ما فعلته حكومة جنوب أفريقيا “لجلب القَتَلة الإسرائيليين” إلى العدل الدولية هي “مبادرة شجاعة وفي غاية الأهمية، وستكون الغالبية العظمى من الشعب البرازيلي سعيدة بمحاكمة الجناة وإيقاف هذه المجزرة البشعة بحق الشعب الفلسطيني”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *