ليلة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، منتجع الباندا على سفح جبل الشيخ، في مستوطنة نيفي أطيف في الجولان المحتل، رياح الخريف في الخارج تدق نوافذ الجناح الفاخر المخصص لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تسلل ليلا في غفلة من المتظاهرين حول الفندق، وتكنس معها أوراق الشجر المتعجّلة في السقوط، وبقايا منشورات متظاهرين إسرائيليين كانوا يقفون قبل أيام حول الفندق للاحتجاج على التعديلات القضائية التي يقاتل لإقرارها، والتي من شأنها أن تقوض سلطة المحكمة العليا لصالحه، ولينغّصوا عليه إجازته، تماما كما فعلوا قبل شهرين في أغسطس/آب.
شيء ما كان يؤرّق نوم الرجل السبعينيّ سوى صفير الرياح في الخارج، وأوجاع الظهر التي أصابته من جلوسه على كرسي رئاسة الوزراء لسبعة عشر عاما متقطعة، فكلما أغمض نتنياهو عينه أفزعته ستّ عيون تحدجه بسخط وخيبة، عيون يعرف أصحابها، فهذا الشابُ العابسُ أخوه يوناتان، وذاك الشيخ الفاني ذو الحاجب الكثيف الذي أربى على المئة أبوه بن صهيون، وذلك القصير المتحفّز زئيف جابوتنسكي زعيم الصهيونيّة التصحيحية والأبُ الروحي لحزب الليكود. ولكن ما سبب سخطهم وقد كرّس حياته للسير على خطاهم؟ يُغالب بنيامين الأرق حتى يصرعه النوم، ليستيقظ على اتصالات أجهزته.
لقد اختُرق السياج العازل مع قطاع غزة، وانقطعت الاتصالات بكتيبتها، ولا يُعرف مصير عشرات الجنود ومئات المستوطنين في مستوطنات جنوب دولة الاحتلال التي تُعرف بغلاف غزة. سيعرف الرجل سريعا أن عشرات من جنوده قد أُسروا، وأن أضعافهم قُتلوا على أيدي نخبة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ولم يلبث طويلا إلى أن أدرك السر الحقيقي لأرقه، ونظرات الخيبة التي رآها بين صحوه ومنامه. لقد سقط “الجدار الحديديّ” الذي عاش أبوه من أجله، وقُتل أخوه في سبيله، وأنفق خمسة عقودٍ وهو يحوطه ويرعاه، ولكن لم تكن هذه بداية القصة.