بعد طول ممانعة.. لماذا وافق الأكراد على الاتفاق مع الشرع؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 17 دقيقة للقراءة

في 27 ديسمبر/كانون الأول، وبعد أقل من 20 يوما على هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، أعرب قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، عن استعداد قواته للاندماج في مؤسسات الحكومة السورية الجديدة بشروط.

اشترط عبدي آنذاك أن يكون ذلك من خلال عملية تفاوضية مع سلطة دمشق، لحسم العديد من النقاط الخلافية، وعلى رأسها رغبته في احتفاظ قواته بهيكل خاص داخل وزارة الدفاع السورية، الأمر الذي يتطلب نمطا من الحكم اللامركزي في سوريا الجديدة يحافظ على قدر من الإدارة الذاتية داخل الشمال الشرقي لسوريا، وهو ما بادر وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة برفضه رفضا باتا.

وفي مساء العاشر من مارس/آذار 2025، وبعد قرابة شهرين من المفاوضات بين الجانبين، أعلنت الرئاسة السورية أخيرا توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، وأوضحت الرئاسة أن الاتفاق ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، مع وقف إطلاق النار فوق كافة الأراضي السورية.

يقودنا ذلك لتساؤلات مهمة: كيف تُوجت مسيرة شهرين من المفاوضات بين قسد والإدارة السورية الجديدة بتوقيع الاتفاق؟ وما دور السياقات الإقليمية والدولية في تحفيز هذا التوافق الصعب والتاريخي؟ وهل يمكن اعتباره حلا نهائيا للمسألة الكردية المعقدة في سوريا والتي يعود تاريخها إلى قرابة 8 عقود على الأقل؟

أكراد سوريا.. قيود الجغرافيا والتاريخ

تضرب جذور المسألة الكردية السورية بعمقها في الجغرافيا والتاريخ كليهما. تاريخيا، تنتمي المناطق الكردية في سوريا الحديثة تحديدا إلى ما كان يعرف باسم “بلاد ما بين النهرين العليا” والمعروفة أيضًا باسم “الجزيرة”، وهي المنطقة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة من منابعهما حتى بغداد، وتضم أيضا أجزاء من جنوب شرق تركيا وشمال غرب العراق الحاليين، وفي أعقاب توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، ضمها المهندسون الأنجلو فرنسيون للنظام الإقليمي الجديد إلى سوريا.

جغرافيًا تمتد حدود المعضلة الكردية اليوم إلى أبعد من سوريا بكثير، حيث يتوزع الأكراد اليوم بين سوريا وإيران وتركيا والعراق، وقد توافقت هذه الدول ضمنيا على منع قيام كيان سياسي مستقل للأكراد لأن ذلك كان يعني السماح بتحركات انفصالية على أراضيها. نشأ هذا التوافق بعد أن بدأ الأكراد في التحرك لتحقيق طموحاتهم الانفصالية، وقد وقعت إحدى أبرز هذه التحركات بين عامي 1927- 1930 بغية تأسيس ما سُميت “جمهورية أرارات” الكردية شرقي تركيا بقيادة إحسان نوري الباشا.

وعلى إثر ذلك، وقّعت العراق والجمهورية التركية التي تشكلت حديثا، إلى جانب إيران وأفغانستان معاهدة سعد آباد في عام 1937، وهي معاهدة عدم اعتداء أكدت على التزامها بمنع الأكراد من “زعزعة استقرار النظام الإقليمي الجديد” ومنعهم من إقامة دولة مستقلة.

وبالفعل لم يتمكن الأكراد من تحقيق حلم الانفصال طويل الأمد، سوى في تجربة “جمهورية مهاباد” التي أسسها الأكراد الإيرانيون بدعم من الاتحاد السوفياتي في عام 1946، ولكن الاتحاد سرعان ما انسحب من شمال غرب إيران بعد 11 شهرا، تاركا الجمهورية الوليدة فريسة للجيش الإيراني الذي اقتحمها وشنق قائدها قاضي محمد بتهمة الخيانة، قاضيا على الحلم الانفصالي الكردي في مهده.

في سوريا، كان الأكراد أكثر انسجاما في النسيج المجتمعي للبلاد، وحسبما يرصد تقرير لمؤسسة “جيوبوليتيكال فيوتشرز”، فقد برز إبراهيم هنانو، الكردي من قرية كفر تخاريم التابعة لمحافظة إدلب الحالية، مدافعا قويا عن استقلال سوريا أثناء الانتداب الفرنسي، وجرى الاعتراف به رمزا وطنيا. كما كان لسوريا 3 رؤساء من أصل كردي بين عامي 1949 و 1954 هُم: حسني الزعيم، وفوزي سلو، وأديب الشيشكلي.

ولكن بعد صعود نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بوصفه زعيما قوميا عربيا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وتحمس العديد من السوريين للاندماج مع مصر تحت قيادته، عارض الأكراد تلك الوحدة، وفي عام 1957 طالب الحزب الديمقراطي الكردي الذي تشكل حديثا في سوريا بالاعتراف بالهوية الوطنية الكردية، وبعد تشكيل الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في عام 1958، حظر عبدالناصر الحزب.

ومع أن الجمهورية العربية المتحدة قد جرى حلها في عام 1961، فإن هذا لم يخفف من مخاوف الأكراد بشأن القومية العربية. وتبنى القادة الجدد في دمشق الجمهورية العربية السورية اسما رسميا للبلاد تأكيدا على توجهها العربي رغم فض الوحدة مع مصر، وفي العام التالي، أجرت الحكومة تعدادا طارئا في محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكردية، وألغت جنسية 120 ألف كردي في سوريا، بزعم أنهم دخلوا البلاد بشكل غير قانوني من العراق وتركيا.

أدى الانقلاب الذي وقع في دمشق عام 1963 والذي أسس الحكم البعثي القومي إلى تفاقم معضلة الأكراد السوريين، وخاصة بعد اكتشاف النفط في نفس العام في شمال شرق البلاد، ورغم أن معظم الاكتشافات النفطية كانت في مناطق عربية فإن قربها من مناطق الوجود الكردي عزز مخاوف القادة السوريين من تمرد محتمل، فأرسل الحكام الجدد لسوريا قوات لمساعدة الجيش العراقي في سحق التمرد الكردي في شمال العراق ومنع انتشاره إلى منطقة الجزيرة.

وفي عام 1980، قرر الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إنشاء حزام أمني بطول 375 كيلومترًا على طول الحدود السورية مع العراق وتركيا، واستخدم قانون الإصلاح الزراعي لتهجير 140 ألف كردي من منطقة الحدود وتوطين أبناء القبائل العربية مكانهم.

تسببت هذه الممارسات في وأد أي طموحات استقلالية للأكراد ليس في سوريا وحدها، ولكن في المنطقة بأسرها. استمر الحال كذلك حتى عام 1992، حين تشكلت حكومة إقليم كردستان العراق -في ظروف استثنائية- في أعقاب تطورات حرب الخليج الأولى وضعف السلطة السياسية والعسكرية في بغداد، مما منح القوميين الأكراد في سوريا وتركيا دفعة كبرى لإحياء طموحاتهم القومية الانفصالية.

وتعززت المشاعر الانفصالية بصفة خاصة بعد الحملة العسكرية التي قادها النظام السوري ضد الأكراد بعد أحداث شغب انطلقت في القامشلي عام 2004، والتي بدأت بعد أن تحولت مباراة كرة قدم بين فريقين كردي وعربي إلى أعمال عنف، وهي اللحظة التي يرجح عدد من المراقبين أنها شهدت تأسيس النواة الأولى لوحدات حماية الشعب بشكل سري.

الأكراد في زمان الثورة

أعطت سنوات الثورة السورية، وانسحاب القوات الحكومية من الشمال الشرقي، دفعات إضافية من الأمل للحركات الانفصالية الكردية، وبحلول عام 2012 أُعلن عن تأسيس وحدات حماية الشعب (YPG) رسميا، بوصفها الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ذي التوجهات اليسارية.

وفي مطلع عام 2015، أحرزت المجموعة انتصارًا بارزا على تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة عين العرب (كوباني)، حيث بدأت المجموعة بتلقي الدعم الجوي والبري من الولايات المتحدة وغيرها من دول التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، قامت المجموعة بتأسيس قوات سوريا الديمقراطية التي جرى الترويج لها بوصفها مجموعة وطنية جامعة يمكن أن يندمج خلالها العرب والأقليات على نحو أفضل في جهود الحرب ضد الإرهاب، لكن في الحقيقة هيمن المكون الكردي بأغلبية كبيرة على تركيبة القوة، رغم مشاركة بعض العشائر العربية والآشورية/السريانية والتركمانية فيها.

لاحقا، في مارس/آذار عام 2016 أعلنت قوى كردية في سوريا تأسيس نظام فدرالي في مناطق سيطرتهم شمال شرق البلاد، تحت اسم “​​الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، ويميل القوميون الأكراد إلى تسمية هذه المنطقة من محافظات الحسكة والرقة ودير الزور باسم “روج آفا” وتعني بالكردية “غرب كردستان”.

خلال هذه المسيرة، استفادت الوحدات الكردية من الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية. وبفضل هذا الدعم، باتت قوات سوريا الديمقراطية تسيطر فعليا على ربع الأراضي السورية.

وفي حين لا توجد أرقام دقيقة عن أعداد قوات قسد، فإن متحدثا باسم وحدات حماية الشعب قال لرويترز في أغسطس/آب 2015 إن وحدات حماية الشعب لديها ما يقرب من 40 ألف مقاتل، وقبلها ذكرت شبكة إن بي سي نيوز في عام 2014 أن وحدات حماية الشعب لديها أيضا قوات نسائية (وحدات حماية المرأة – YPJ) تضم نحو 7 آلاف مقاتلة.

وقالت “مجموعة الأزمات الدولية” إن وحدات حماية الشعب تدفع رواتب شهرية تبلغ نحو 150 دولارا لما بين 25 و30 ألف مقاتل، وإنهم يتلقون 3 أشهر من التدريبات في واحدة من تسع أكاديميات عسكرية تتوزع على المناطق الكردية الثلاث في سوريا.

لكن رغم هذا التزايد الكبير في قوتها، أثبتت التطورات أن ثمة قيودا كبيرة حدّت طموحات قسد الانفصالية في مقدمتها المخاوف الإقليمية من تغذية التحركات الانفصالية الكردية في بلدان مجاورة أهمها تركيا التي شعرت بقلق كبير من ارتباط وحدات حماية الشعب الكردية وقوات قسد بحزب العمال الكردستاني الذي كان خاض “تمردا” انفصاليا طويلا ضد الحكومة التركية.

لذلك، ومنذ اللحظات الأولى لنجاح وحدات حماية الشعب من إخراج تنظيم الدولة من عين العرب (كوباني) في عام 2015، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن يتسامح مع حكومة إقليمية كردية في سوريا مماثلة لحكومة إقليم كردستان في العراق.

على إثر ذلك شنت تركيا 3 عمليات عسكرية حاسمة في شمال سوريا بدأت في عام 2016، ووقعت ثانيتها في عام 2018 تحت اسم “غصن الزيتون” وأسفرت عن خسارة الأكراد لعفرين، وهي بلدة حدودية إستراتيجية في طريقهم للوصول إلى البحر المتوسط.

وبعد أن أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، شنت تركيا هجومًا آخر، باسم عملية “نبع السلام”، مما أدى إلى خسائر واسعة لوحدات حماية الشعب وسيطرة تركيا على مساحة تبلغ 115 كيلومترًا بين تل أبيض ورأس العين.

خلال هذه العمليات كان الدعم الذي قدمته واشنطن لقسد أقل ما يكون، وهو ما كشف النقاب عن حدود العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد. لقد بدا واضحا قبل سقوط الأسد بسنوات أن مسألة دعم انفصال الأكراد السوريين لا تقع ضمن أولويات الأجندة الأميركية في الشرق الأوسط، وأن العلاقة الحميمة بين الطرفين لم تكن تتجاوز رغبة الأميركان في إيجاد شريك محلي في الحرب على تنظيم الدولة، ثم لاحقا في إدارة السجون ومخيمات الاحتجاز التي تضم عشرات الآلاف من أسرى مقاتلي التنظيم الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية، منهم ما يقرب من 50 ألفا في مخيم الهول بمحافظة الحسكة السورية.

وإذا توصلت الولايات المتحدة لتسوية مع أي طرف آخر لضمان عدم هروب هؤلاء المحتجزين فليس ثمة مصلحة إستراتيجية أخرى في الاحتفاظ بدعم قوات قسد على ما يبدو.

الانصياع لسلطة دمشق.. مجددا

يخبرنا هذا الاستعراض التاريخي بحقيقة واضحة وهي أن الطموحات الانفصالية الكردية غالبا ما ووجهت برفض شديد من قبل الجيران، بلغ حد التدخل العسكري لتقويضها في مهدها. الحقيقة الثانية التي يبدو أن القيادات الكردية بدأت تدركها هي أن التحولات الإقليمية لا تصب في صالحهم ما يعني أن عليهم إظهار مرونة أكبر بخصوص مطالبهم وهو ما عكسته البنود الثمانية المعلنة للاتفاق، والتي تشي -رغم عموميتها وعدم وضوحها- بقبول قسد بالانضواء بشكل كامل تحت السلطة السياسية والعسكرية الجديدة في دمشق.

أول هذه المتغيرات هي طبيعة السلطات الجديدة في دمشق نفسها، والدعم الواضح التي تحظى به من تركيا، المعارض الشرس للطموحات الانفصالية التركية. أما ثانيها فهو الدعوة التاريخية التي أطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني المحتجز في تركيا عبد الله أوجلان لأعضاء حزبه مطالبا إياهم بإلقاء السلاح، ووقف مسيرة العمل المسلح ضد الحكومة التركية والمستمرة منذ أكثر من 5 عقود، حيث يُعتقد على نطاق كبير أنّ حزب العمال الكردستاني قدم دعما واسعا عبر التسليح والتدريب لمقاتلي وحدات حماية الشعب.

ورغم أن مظلوم عبدي كان قد سارع بعد بيان أوجلان مباشرة بالقول إن دعوته موجهة لأعضاء حزبه في تركيا فقط ولا شأن لقسد بها، فإنه من المؤكد أن هذا المتغير التاريخي أثر معنويا وماديا على قسد وأحبط كثيرا من تطلعاتها الانفصالية.

علاوة على ذلك، لا يزال مستقبل الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا غير واضح في عهد الرئيس دونالد ترامب. حاليًا، لدى الولايات المتحدة نحو ألفي جندي منتشرين في شمال سوريا تحت دعوى منع عودة ظهور تنظيم الدولة، وقالت وكالة رويترز -نقلا عن مسؤولين في البنتاغون- إن وزارة الدفاع الأميركية تعد خططا مدتها 30 يوما و60 يوما و90 يوما لسحب جميع القوات من سوريا، رغم أن قوات سوريا الديمقراطية تزعم أنها لم تُبلَّغ رسميا بانسحاب الولايات المتحدة.

ومن جانب آخر، أدى تجميد إدارة ترامب للمساعدات الخارجية لمدة 90 يوما إلى توقف بعض الدعم الإداري والأمني ​​الذي تقدمه وزارة الخارجية الأميركية للمقاتلين الأكراد الذين يعملون في حراسة سجون ومخيمات احتجاز مقاتلي وعائلات تنظيم داعش في سوريا.

ويعني ذلك، وفقا لمركز ستراتفور، أن إعطاء تركيا الأولوية القصوى لاستكمال إنهاء التهديد الانفصالي الكردي داخل وخارج حدودها، تزامن مع احتمالية تقليص الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية وهو ما أضعف موقف الحركة بشدة في المفاوضات مع سلطة دمشق.

ففي فترة ولاية ترامب الأولى في عام 2019، عندما أعلن عن خطط لسحب القوات الأميركية من مواقع في شمال شرق سوريا، بادرت تركيا على الفور بشن هجوم عسكري في المنطقة، وقد يكون حدث ذلك بتفاهم بين الجانبين.

ومن ثم إذا انسحبت الولايات المتحدة مجددا من مواقع إضافية في سوريا خلال فترة ولاية ترامب الحالية، فمن المرجح أن تقوم تركيا رفقة الجيش السوري الجديد بعملية عسكرية أكثر ضراوة ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يدفع الأخيرة لاستباق هذه الخطوة بالتفاهم مع سلطة دمشق لضمان موقفها في النظام السياسي الجديد والتحوط ضد احتمالات خوض مواجهة منفردة مع تركيا، دون غطاء أميركي.

على الجهة المقابلة، من المرجح أن تجني الحكومة السورية بعض الفوائد من هذا الاتفاق. فمن ناحية، يوفر الاتفاق مع قسد في هذه اللحظة الحرجة من عمر الانتقال السوري، فرصة لتفرغ قوات الجيش المحدودة لمواجهة التحديات الأمنية شديدة الخطورة، حيث تواجه الإدارة تمردا لبقايا نظام الأسد كاد أن يستقل بمحافظات الساحل حيث تقطن الأقلية العلوية بكثافة، كما تواجه أيضا تحديات أمنية مركبة في السويداء والقنيطرة ودرعا جنوبا، من جانب بعض دعاة الإدارة الذاتية من الدروز، فضلا عن التوغل الإسرائيلي المستمر، والفصائل المنفلتة.

كما أن الاتفاق يخفف من حدة انتقادات دولية جرى توجيهها لقوات السلطة الجديدة بارتكاب جرائم جماعية بحق مدنيين أثناء محاولتها السيطرة على التمرد، وفي وقت تحوم فيه الأنباء حول عقد مجلس الأمن لعقد جلسة علنية بشأن تطورات الساحل السوري بعد عقده جلسة مغلقة شهدت إجماعا نادرا في السنوات الأخيرة على إدانة أحداث الساحل، يعيد الاتفاق مع قسد في هذه الساعات الحساسة التوازن لصورة الإدارة السورية الجديدة، ويظهرها بمظهر الحريص على السلم الأهلي، والقادر على إدارة التنوع في سوريا سلميا.

فضلا عن أن تفاهم حكومة دمشق مع قسد سيتيح لها الاستفادة من عوائد حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها بشكل أفضل، خاصة  في حال تخفيف العقوبات الغربية على القطاع النفطي والمالي في البلاد.

وعلى هذا النحو، فقد تكون الحكومة السورية أيضا قد أبدت استعدادا لتقديم بعض التنازلات السياسية والثقافية لقوات سوريا الديمقراطية، مثل الاحتفاظ ببعض المناصب البلدية أو المناصب التشريعية للتمثيل الكردي بالإضافة إلى الحفاظ على بعض حقوق اللغة الكردية والاعتراف بها لغة ثانية للبلاد، في مقابل تلبية مطالب دمشق العسكرية والأمنية.

وعلى أية حال، ما زال هناك متسع من الوقت قبل أن تتكشف التفاصيل الفنية الدقيقة للاتفاق، الذي من المقرر أن يجري تنفيذه على مراحل خلال عام 2025، وخاصة النقاط شديدة الإشكال مثل المسؤولية عن حماية سجون ومخيمات تنظيم الدولة، ومصير المقاتلين الأجانب المطلوبين لتركيا، وغير ذلك مما سيحدد مدى صلابة الاتفاق أو هشاشته، وما إذا كان خطوة حقيقية نحو حل القضية الكردية في سوريا أم مجرد تحرك تكتيكي مؤقت فرضته الظروف الراهنة، فيما لا تزال النيران مشتعلة تحت الرماد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *