كان ذلك عام 2020، عندما استدعت سنغافورة مسؤولا إسرائيليا بارزا، وأخبرته بأنها اكتشفت أن جارتها إندونيسيا اشترت تكنولوجيا استخبارات من شركة تتبع لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
يقول تحقيق جديد لصحيفة هآرتس الإسرائيلية اليوم الخميس إن سنغافورة لم تستوعب أن تقوم حليفتها إسرائيل ببيع أجهزة تجسس متقدمة لدولة إسلامية وداعمة للفلسطينيين.
وبالفعل، فقد كشف التحقيق أن إندونيسيا اشترت برامج تجسس وأجهزة مراقبة من إسرائيل، بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.
فبعد 4 سنوات، تبين صحة ما قالته سنغافورة، إذ اتضح أن 4 شركات إسرائيلية باعت معدات إلكترونية تجسسية ذات قدرة هجومية لإندونيسيا أكبر بلد إسلامي على مستوى العالم.
شارك في التحقيق كل من منظمة العفو الدولية وصحيفة هآرتس الإسرائيلية ومجلة تيمبو الأسبوعية الإندونيسية، إلى جانب وسيلتي إعلام من سويسرا واليونان.
148 ضحية
وبين يناير/كانون الثاني 2019 ومايو/أيار 2022، سجلت العفو الدولية ارتكاب 90 اعتداء رقميا ضد مؤسسات ونشطاء المجتمع المدني في إندونيسيا، وراح ضحيتها أكثر من 148 شخصا، بينهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء بيئيون وطلاب ومحتجون.
وتضمنت هذه الهجمات الرقمية محاولات اقتحام الحسابات الخاصة للأشخاص والمضايقات.
ووفق التحقيق، فإن 5 من شركات التجسس السيبراني كانت على صلة بمختلف المؤسسات في إندونيسيا.
إحدى هذه الشركات هي “فن فيشر” الألمانية المنافسة للشركات الإسرائيلية العاملة في هذا المجال.
وكانت مجموعة حقوقية تدعى “أكسيس ناو” كشفت عن تطبيق تجسس لهواتف الأندرويد طورته الشركة الألمانية، وباعته للوكالة الإندونيسية لمكافحة الإرهاب.
وقد كشف التحقيق أيضا دلائل على نشاط شركة “تنتيغو” الإسرائيلية في إندونيسيا، وهي واحدة من بين شركات الأسلحة الإلكترونية الإسرائيلية الأقل شهرة.
وهذه الشركة تخضع أنشطتها وصادراتها لإشراف هيئة الصادرات الدفاعية الإسرائيلية.
وقد قامت شركة “تنتيغو” بتطوير وبيع برنامج تجسس يسمى “هيليوس”، إلى جانب أنظمة استخبارات رقمية أخرى أقل تدخلا.
وتشير بيانات الشحن والتجارة إلى أن أجهزة بأسماء مطابقة لتلك التي تبيعها الشركة الإسرائيلية، شحنت إلى إندونيسيا عبر شركتين في سنغافورة وبقيمة إجمالية بلغت حوالي 6 ملايين دولار.
العمل مع الشرطة
وسبق لشركة إسرائيلية أن كشفت على مواقع التواصل أنها عملت مع الشرطة الإندونيسية، وباعتها أنظمة “هيليوس أندرويد” (Helios Android) وأنظمة استخبارات الويب التكتيكية”.
وكشف التحقيق عن نشاط شركة إسرائيلية أخرى في إندونيسيا، وهي شركة “كانديرو” (Candiru)، التي وضعتها أميركا في القائمة السوداء مثل مجموعة “إن إس أو” (NSO)، بعد إساءة الزبائن استغلال التكنولوجيا الخاصة بها.
وهذه الشركة تبيع أجهزة تجسس بإمكانها قرصنة واختراق أنظمة الحاسوب والهواتف المحمولة. ونقل في السابق أن إندونيسيا واحدة من زبائن الشركة. وأكدت مصادر إسرائيلية أن “اتفاقهم في 2018 تم إقراره من وزارة الدفاع”.
ويكشف التحقيق الجديد ما لا يقل عن 3 شحنات من الأجهزة والبرامج المتعلقة بأنظمة التجسس الاستخباري السيبراني في الفترة من 2020 إلى 2021، وتتوافق هذه الشحنات مع تكنولوجيا سبق أن باعتها كانديرو Candiru بقيمة 33 مليون دولار.
ووفق التحقيق، فإن مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية كانت نشطة في إندونيسيا قبل أن تضعها إدارة بايدن في القائمة السوداء. وأشارت تحقيقات سابقة إلى أن إندونيسيا، قد تكون تستخدم برنامج التجسس “بيغاسوس” Pegasus التابع لشركة “إن إس أو”. في حين أن التحقيق الحالي لم يتمكن من تأكيد أن برنامج التجسس قد تم بيعه إلى أي جهة محددة في إندونيسيا.
بوابة نتنياهو للتطبيع
ويلفت التقرير إلى أن ما يسمى “الدبلوماسية السيبرانية” التي تنتهجها إسرائيل تتضمن البيع المتساهل والواسع النطاق لبرامج التجسس وأدوات المراقبة المتقدمة لدول غير غربية، مما سمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتطبيع العلاقات مع دول عربية وإسلامية وأفريقية.
ومن هذا المنطلق، من الوارد أن نتنياهو وظف “الدبلوماسية السيبرانية، في التطلع لإقامة علاقات مع إندونيسيا”، وفق التحقيق.
وقد كشف التحقيق عن مواقع ويب وعناوين “آي بي” (IP) في إندونيسيا مرتبطة بشركة “إنتيليكسا” (Intellexa) الإسرائيلية، “ويبدو أن أنها استخدمت لاستهداف الأشخاص في إندونيسيا باستخدام برنامج التجسس “بريديتور” Predator سيئ السمعة التابع للشركة”.
وتضمنت مواقع الويب وعناوين “آي بي” (IP) أيضا مواقع إخبارية مزيفة، بما في ذلك موقع يبدو أنه يحاكي موقعا إلكترونيا معارضا.
وفي الشهر الماضي، برزت للعلن من جديد تلميحات بوجود روابط أو علاقات بين جاكرتا وتل أبيب. وقد سمحت إسرائيل لطائرة إندونيسية بإلقاء مساعدات من الجو لغزة.
ووفق تقارير إسرائيلية، فإن جاكرتا منفتحة حاليا على فكرة التطبيع مع تل أبيب.