بالفيديو.. على جدران خيام النزوح يخطّ الغزيون أحلامهم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

غزة- “سنعود يوما إلى غزة”. هذه واحدة من شعارات كثيرة خطّها الفلسطيني الثلاثيني أحمد الطلاع على خيمته في مدينة دير البلح التي نزح إليها من مخيم النصيرات للاجئين في وسط قطاع غزة.

تتزاحم كثير من الأقوال والشعارات على جدران من القماش لخيمة الطلاع، جعلت منها لوحة فنية. وقال للجزيرة نت إنه وجد كل الدعم والتشجيع من مارة يطرقون عليه باب الخيمة ويستأذنون لالتقاط صور تذكارية معها، وآخرون يطلبون منه أن يخط بقلمه على خيامهم ومحالهم التجارية.

يقيم الطلاع في هذه الخيمة مع أسرته وأطفاله، وقد خسر منزله في مخيم النصيرات جراء قصف إسرائيلي قبل نحو 3 أشهر، غير أنه يُظهر قدرا كبيرا من الصبر والصمود وتحدي الظروف القاسية، ويتمسك بالأمل بغد أفضل.

أحمد الطلاع يعبر عن مشاعره بالكتابة على جدران خيمته التي نزح إليها مع أسرته (الجزيرة)

“سلاحي القلم”

لدى الطلاع ملكة الخط الجميل، وكان يعمل خطاطا قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة إثر هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ويتعامل مع القلم كسلاح لا يقل أهمية عن سلاح المقاوم الذي يتصدى للعدوان في الميدان.

“سلاحي القلم ومن خلاله أوصل رسائلي للعالم أننا صامدون وصابرون ولن نرحل رغم الآلام وحجم الدم والدمار”. وقد ترجم الطلاع هذه الإرادة في عبارة تظهر على خيمته، وتقول “أيام شداد ولكن لطف الله أجمل”، وفي عبارة أخرى يقول “ابتسموا يا رفاق، نحن لسنا بخير، ولكن نسعى ما حيينا لنكون كذلك”.

ويلوم الطلاع العالم المتفرج على جرائم القتل الإسرائيلية والإبادة ضد الفلسطينيين من عقود، باستعارته قول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ويستبدل فيه الأرض بمدينة غزة، ويقول “سلام لمدينة خُلقت للسلام ولم تر يوما سلاما”.

الحياة بالخيمة مؤقتة والعودة للمنزل مؤكدة-رائد موسى-دير البلح-الجزيرة نت
الطلاع يؤكد أن الحياة بالخيمة مؤقتة والعودة للمنزل مؤكدة (الجزيرة)

خيمة وطن

يفسّر أستاذ علم النفس ورئيس مجلس إدارة “مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات” درداح الشاعر ظاهرة كتابة الآيات القرآنية والشعارات الوطنية على الخيام ومراكز الإيواء، بأن الفلسطيني يرتبط برباط وثيق، ويقاوم بقوة كلَّ محاولات ومخططات فصله عن أرضه أو مساعي تهجيره منها.

وهذه الخيمة رغم أنها نتاج نزوح وتشرُّد ومعاناة، فإن النازح يتعامل معها كوطن، ويقول الشاعر للجزيرة نت “أينما يحل الفلسطيني وفي أي مكان يلجأ إليه يظل دائم الحنين للوطن، وبالكتابة على قماش الخيمة وجدران مراكز الإيواء يعكس أمله بالله الذي لا ينقطع رغم الظروف القاسية وألم الجراح”.

ولأسلوب الكتابة على الخيام والجدران -بحسب الشاعر- دلالة نفسية لدى النازح، الذي يريد أن يثبت بالقول والفعل أنه صامد محتسب، ولديه القدرة على احتمال الأذى رغم عظم التضحيات.

كما أن الألم الذي يعاينه مرتبط دوما بالأمل، وهو أمر يعكسه اختياره لآيات قرآنية محددة تعلي من قيمة الشهداء والصبر، وكذلك أقوال مأثورة وأبيات شعرية باتت شعارات وطنية تتوارثها الأجيال.

ولطالما كانت الكتابة على الجدران أحد أساليب فصائل المقاومة الفلسطينية، وتميزت بها الانتفاضة الأولى (1987-1993) كوسيلة تواصل بين المقاومة والمجتمع، في وقت كانت تلاحق فيه دولة الاحتلال وسائل الإعلام التقليدية حينها.

ويقول نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل للجزيرة نت إن “الفلسطيني لا يعدم الوسيلة التي تناسب الوقت وتتماشى مع متطلبات المرحلة للتعبير عن نفسه، وذلك في حد ذاته مقاومة”.

ولهذا أدركت القوى الوطنية مبكرا ومع بدايات الانتفاضة الأولى أهمية التواصل الدائم مع المجتمع، فابتدعت ما يمكن تسميته بـ”صحافة الجدران”، يمارسها ملثمون يمتلكون ملكة الخط الجميل، يخطون على الجدران بيانات وشعارات ثورية، وقد دفع كثير منهم أرواحهم ثمنا لإيصال رسالة المقاومة للشعب.

حياة وبقاء

إضافة للكتابة على جدران الشوارع والمنازل والمؤسسات، تميزت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي بمجلات الحائط داخل المساجد وعلى أبوابها، وكانت أهم منابرهما الإعلامية للتواصل مع جمهور خاص من المتدينين ورواد المساجد.

‏وعن هذه المجلات يقول الكاتب والمحلل السياسي سعيد زياد، على منصة إكس، إنها كانت تُلصق على لوحات خشبية في كل مسجد، وتُعلَّق عليها في كل جمعة ومناسبة لوحات مخططة بطريقة فريدة، لبثِّ الوعي في نفوس الناس، وترسيخ فكرة المقاومة فيهم.

ويتابع “أذكر أن الناس كانوا بعد صلاة الجمعة يتجمهرون على اللوحات ليطالعوها فلا تكاد تجد موضع قدم لك لتتأمل هذا الجمال، كان ذلك كله قبل أن يعرف الغزيون التلفاز ومنصات التواصل الاجتماعي، وكانت المقاومة سبّاقة دوما في التخاطب مع جمهورها، حتى حصدت بذلك ثباتا وصمودا”.

وبالنسبة لنائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، فإن لجوء النازح المشرد من بيته -وكثير من النازحين لم تعد لهم منازل يعودون إليها جراء التدمير الهائل- للكتابة على قماش خيمته أو جدار مركز إيواء دليل حياة وبقاء.

كما أنه دليل على أنه قادر على التكيف مع الظروف مهما كانت قاسية وليس الرضا بها، فهو مقيم في هذه الخيمة أو المركز، ولكنه يتطلع في كل لحظة للعودة لمنطقة سكنه، وغالبيتهم يقولون “سنعود ونسكن ولو في خيمة فوق الأنقاض”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *