رام الله – منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحوّلت المقدسات الإسلامية والمسيحية بفلسطين إلى هدف في العمليات العسكرية الإسرائيلية وفي اعتداءات المستوطنين، في رسالة تحدٍ تتجاوز حدود فلسطين المحتلة، حيث جغرافيا الصراع المستمر منذ أكثر من 75 عاما، إلى عموم المسلمين والمسيحيين في أنحاء العالم.
وإن تركز الاستهداف الإسرائيلي بشكل كبير وواسع على المقدسات والرموز الإسلامية، وتحديدا المساجد والقرآن الكريم، فإن مقدسات ورموزا مسيحية كانت في دائرة الاستهداف، وفق جهات رسمية فلسطينية.
فمنذ بدء معركة طوفان الأقصى، دمر الاحتلال في قطاع غزة 100 مسجد بشكل كلي، بينها المسجد العمري التاريخي، و192 مسجدا و3 كنائس بشكل جزئي، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، يضاف إليها تدمير وتجريف عدة مقابر.
سهام ورسائل
من الضفة الغربية المحتلة وجّه جيش الاحتلال سهامه إلى صدور أكثر من مليار و700 ألف مسلم عندما ردد جنوده ترانيم توراتية عبر مكبرات الصوت في مسجدين خلال اقتحامهم مدينة جنين من الثلاثاء إلى الخميس الماضيين، ومن خلالها وجه تحذيرات للسكان.
لم تكن حادثة جنين منعزلة، فقد سبقتها حوادث أخرى اقتحم فيها الجنود مساجد بمدن وقرى ومخيمات الضفة، وعلقوا العلم الإسرائيلي على المآذن. كما ألقى جنود للاحتلال قنبلة داخل مسجد في قرية بُدرس غرب رام الله، وفي جميع الحالات حرصوا على أخذ صور لتلك الأفعال ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي العبرية.
تلك ليست حالات فريدة، إذ سرعان ما يشارك وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تلك المشاهد على حساباته مشيدا بالجنود، وكلما أعلن جيش الاحتلال توقيف بعض جنوده أو التحقيق معهم، سارع بن غفير إلى الدفاع عنهم ورفض محاسبتهم.
أما المسجد الأقصى فيعيش منذ نحو شهرين عزلة لم يسبق لها مثيل منذ احتلاله عام 1967، إذا لا يتمكن سوى بضعة آلاف من أداء صلاة الجمعة، بعد أن كان يؤمه عشرات الآلاف في أحلك الظروف.
وفي المقابل، فُتح على مصراعيه لاقتحامات المستوطنين مع توفير قوات عسكرية وشرطية ترافق المقتحمين وتتيح لهم أداء طقوس توراتية فيه.
اقتحام ومنع للأذان
وبينما تعرض المسجد الأقصى لاقتحام المستوطنين 46 مرة خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيي، مُنع رفع الأذان 204 مرات في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، وفرضت إجراءات مشددة على دخوله للصلاة، وفق وزارة الأوقاف الفلسطينية.
أما القرآن الكريم، أقدس مقدسات المسلمين، فوردت شهادات من معتقلين أفرج عنهم بأن الجنود مزقوا نسخا من المصحف الكريم، ودعسوا عليها في منازلهم خلال عمليات الاعتقال وداخل السجون خلال اقتحام الغرف.
وفيما يتعلق بالمقدسات المسيحية، لم يكن الوضع أحسن حالا وإن كان أقل عددا، ففي القدس تكرر قيام جماعات دينية يهودية متطرفة بالاعتداء والبصق على المسيحيين.
كما بدأت جمعيات استيطانية خلال الحرب مساعيها للاستيلاء على نحو 11 دونما (الدونم يساوي ألف متر) من الحي الأمني داخل السور المحيط بالبلدة القديمة من القدس، ويبذل سكان الحي -الذين تقلص عددهم إلى نحو ألف نسمة- قصارى جهدهم لمنع الاستيلاء على الأرض.
مزيد من العنف والاحتراب
في تفسيره لما يجري، يقول وزير الأوقاف والشؤون الدينية الشيخ حاتم البكري، للجزيرة نت، إنه منذ سيطرة الاحتلال على الضفة عام 1967 يحاول تغيير المعالم الدينية ودورها كما فعل بعد النكبة في مساجد أراضي الـ48.
وأضاف أن الاحتلال استهدف المسجد الأقصى من اليوم الأول، ثم أحرقه عام 1969، ويحاول تقسيمه كما فعل في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل والذي حول جزءا منه إلى كنيس عام 1994.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يقول البكري “رأينا استهدافا كبيرا للمساجد، تدمير ما لا يقل عن 100 مسجد بشكل كلي، ومئات أخرى بشكل جزئي من خلال الاستهداف المباشر بالقصف”.
في جنين، يضيف وزير الأوقاف “تم تدمير مسجد الأنصار بشكل كلي، ثم رأينا التصرفات الحمقاء للجنود من تدنيس واعتلاء للمنابر وترديد خزعبلات، وهذا لقي قبولا من وزراء في حكومة الاحتلال”.
وقال البكري إن مجمل تلك التصرفات لا تقود إلا إلى مزيد من العنف والاحتراب، وتستوجب موقفا عالميا واضحا خاصة من المرجعيات الدينية على المستوى العالمي التي سارعت إلى إدانة تلك التصرفات.
وتابع أن “تلك التصرفات بما في ذلك إعطاء الأوامر للجنود لدخول المساجد، ستجر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه، الأمر يمس الحالة الإسلامية العالمية، ما حدث لا يمس مخيم جنين فقط أو فلسطين، بل يمس مشاعر مليون و700 ألف مسلم”.
استهتار وشراكة
من جهته، يقول رئيس مركز القدس الدولي والمختص بشؤون المسجد الأقصى حسن خاطر إن المساس بمقدسات المسلمين يعني “دخول مرحلة خطيرة من الاستهتار بالمقدسات الإسلامية وبمشاعر المسلمين في أنحاء العالم”.
وأضاف أن ما يجري يعكس “هستيريا تستهدف استفزاز المسلمين بتدنيس مقدساتهم ومحاولة كسر المُقدس وإسقاط رمزية المقدسات لديهم بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، ولذلك ستكون نتائجه عكسية تماما”.
وأضاف خاطر في “استهداف المقدسات بشكل مباشر والاستخفاف بها والسخرية منها ومحاولة إنقاص قيمتها بشكل كبير إلى درجة تدميرها، فيه دفع خطير باتجاه حرب دينية”.
وبالعودة إلى دروس الماضي، يقول الباحث الفلسطيني إن كل اعتداء على مقدسات المسلمين كان يقابله رد فعل وفاتورة تكون باهظة على المعتدي.