الشرق الأوسط يشتعل، والمخاوف تزداد من احتمال أن يتفاقم الصراع، لا سيما بين إسرائيل وإيران، والذي جرّ إليه بالفعل دولا أخرى في المنطقة وأطرافا دولية فاعلة مثل بريطانيا والولايات المتحدة، وعلى الغرب، أكثر من أي وقت مضى، منع التصعيد.
هكذا ينظر الكاتب والخبير بشؤون الشرق الأوسط، الدكتور ديفيد روبرتس، إلى المشهد الذي يقول إنه ينذر بالتحول إلى ما هو أكبر من حرب إقليمية، كما جاء في مقاله بصحيفة “ّذي إندبندنت” البريطانية.
حرب الظل واحتمالات التفاقم
ويعتقد الكاتب البريطاني الذي يعمل محاضرا في جامعة كينغز كوليدج لندن، أن بيت القصيد يتمثل فيما يُطلق عليها حرب الظل بين إسرائيل وإيران المستمرة منذ عقود، مشيرا إلى أن الاحتمال الراجح كان دائما أن تتفاقم حدة التوتر لتصل إلى الحالة التي نشهدها اليوم. وتساءل: “ولكن إلى أي درجة ستسوء الأمور؟”.
وقبل أن ترد على قصف إسرائيل قنصليتها في دمشق مطلع الشهر الجاري، أعطت إيران إنذارا مبكرا لإسرائيل والولايات المتحدة بشأن نواياها، مما أتاح للتحالف وقتا للاستعداد لهجوم وشيك، كما أنها لم تطلب من حزب الله اللبناني الموالي لها نشر عدد كبير من صواريخه البالغ عددها 150 ألفا.
وذكر روبرتس في مقاله أن الرد الإيراني لم يسفر سوى عن ضحية وحيدة في حالة حرجة هي فتاة في السابعة من عمرها من فلسطينيي 48. وتساءل عما إذا كان ذلك يعد فشلا لإيران أم ضربة محسوبة بعناية من شأنها أن تسفر عن أقصى درجة من التداعيات السياسية بأقل قدر من الأضرار؟.
دلالة التصريحات الإيرانية
ولفت الكاتب إلى تصريحات البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة بأن الرد على قصف قنصليتها في سوريا قد انتهى وأنها تعتبر الأمر “منتهيا”.
وقال إن تلك التصريحات تدل على أن القيادة الإيرانية كانت بحاجة إلى انتقام مدروس يظهر عدم رغبتها في توجيه ضربة مدمرة قد تدفع إسرائيل للثأر على نطاق واسع وربما بمشاركة أميركية.
ويتوقع روبرتس أن ترد إسرائيل على الهجوم الإيراني، لأن القيادة في تل أبيب -مثل نظيرتها في طهران- لا يمكن أن تعتبره أمرا عاديا ولن تتركه يمر دون عقاب.
حجم الرد الإسرائيلي
وعلى أقل تقدير، قد تواصل إسرائيل بطريقة موسعة ما درجت على فعله ردحا من الزمن وهو استهداف “وكلاء إيران” في الشرق الأوسط وقوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق، بحسب كاتب المقال الذي يعتقد أن استهدافا أوسع للجماعات المرتبطة بطهران في العراق واليمن قد يكون واردا أيضا.
وقد يُنظر أيضا إلى الضربات العسكرية الضيقة النطاق ضد منشآت صناعة الطائرات المسيرة الإيرانية أو عتادها العسكري على أنها هجمات محدودة نسبيا.
وطبقا لمقال “ذي إندبندنت”، فإن المخاوف تتصاعد بشكل كبير فيما يتعلق بالسيناريوهات التي قد تستهدف فيها إسرائيل البرنامج النووي الإيراني.
الجانب المشرق
ويعد الجانب المشرق الوحيد في هذا السيناريو من وجهة نظر الكاتب، هو أن معظم التحليلات تشير إلى أن إسرائيل لا تقدر على شن مثل هذه العملية بمفردها، بل ستحتاج إلى القوات الأميركية المتمركزة في الخليج للمساعدة إذا كانت هناك فرصة معقولة للنجاح، وقد رفضت الإدارة الأميركية حتى الآن الانضمام إلى أي عملية من هذا القبيل.
وثمة احتمال أن تجري إسرائيل حسابات أكثر عقلانية يمكن بموجبها أن يعترف قادتها بأن المؤسسة العسكرية الإيرانية “أحرجت نفسها بمثل هذا الهجوم غير الفعال”، وأن إسرائيل كانت محظوظة لأن الهجوم لم يكن أكثر تعقيدا ولم يشمل قوات حزب الله، وأن إسرائيل يصعب عليها تحمل مليار دولار أخرى للدفاع عن نفسها، كالذي أنفقته في تلك الليلة وحدها، وأن النظرة العالمية الشاملة تميل أكثر نحو “النظر لإسرائيل باعتبارها داود في مواجهة جالوت الإيراني (أو الخير مقابل الشر)”، مما أدى إلى تراجع الفظائع التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة في سلم ترتيب الأحداث الجارية.
سيناريو الهجوم الكبير
ويرى الكاتب أيضا أنه في حكم المؤكد أن يقف حزب الله اللبناني إلى جانب إيران ويهاجم شمال إسرائيل في حال تعرضت إيران إلى هجوم إسرائيلي كبير.
ويتكهن بأن هذا التوسع في الصراع لن يقتصر على منطقة بلاد الشام، وستضاعف جماعة أنصار الله (الحوثيون) في اليمن استهدافهم للسفن التجارية في البحر الأحمر، وسيعاودون هجماتهم على دول الخليج.
ومع ذلك يقول الكاتب إنه من الصعب حدوث سيناريو يفلت فيه الصراع المحتدم من حدود الشرق الأوسط ليمتد إلى أوروبا، أو شرق أو جنوب آسيا، أو جزء كبير من أفريقيا.
ويمضي روبرتس في تكهناته قائلا إن التأثير الجغرافي الاقتصادي للصراع المشتعل الذي يندلع على فترات متقطعة في أنحاء الشرق الأوسط قد يطلق العنان لأسعار النفط، ومن ثم قد يقوّض تعافي الاقتصاد العالمي.
وفي ظل هذه الاحتمالات المنطقية القاتمة، فإن تدخل الغرب لمنع جميع الأطراف المنخرطة في الصراع من تصعيده، يصبح أهم من أي وقت مضى، بحسب الكاتب.