نيودلهي- يستعد سكان الهند للتصويت في الانتخابات التشريعية المقررة يوم الجمعة المقبل لاختيار أعضاء جدد للبرلمان، حيث يدلي نحو 970 مليون ناخب بأصواتهم في بلد يعد ثاني أكبر الدول في العالم من حيث عدد السكان، ويقطنه خليط متعشب من السكان ويتنافس على حكمه عدد كبير من الأحزاب السياسية (537 حزبا) ولكل منها برنامجه السياسي ومطالبه المختلفة.
فالهند موطن أكثر من 1.4 مليار نسمة يدينون بكل أديان العالم، موزعين على أكثر من ألفي مجموعة عرقية تتحدث بـ60 لغة رئيسية (17 منها لغات رسمية لولاية أو أكثر)، بينما لا تزال الإنجليزية لغة التعامل على المستويات العليا والمحاكم.
ينقسم سكان الهند بصورة رئيسية إلى الآريين ذوى البشرة القمحية والسكان ذوى البشرة السوداء. والآريون استوطنوا في أخصب الأراضي، فيما يقطن ذوو البشرة السوداء في الجنوب والغابات والمناطق النائية.
حزام البقرة
وتعرف سهول الهند التى يعيش فيها الآريون بـ”حزام البقرة” نظرا لتقديسهم الأبقار وتشاركهم في عقائد دينية متشابهة وإيمانهم بالطبقات التي يولد فيها كل هندوسي.
ويتحدث هؤلاء اللغة الهندية الأكثر انتشارا في البلاد، إذ يتحدث بها نحو 425 مليون نسمة، ويحاولون فرض ثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم الدينية على بقية سكان الهند، بحسب نشطاء من المكونات الأخرى للسكان.
وتعد منطقة “حزام البقرة” الأكثر تأثرا بالحركة الهندوسية السياسية وتقع فيها معظم الاضطرابات المعادية للمسلمين، ومعظم القضايا المرفوعة ضد مساجد أثرية بحجة أنها أقيمت على أنقاض معابد هندوسية تقع فى هذه المنطقة.
ويسعى الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا (حزب الشعب الهندي) في هذه الانتخابات بصورة خاصة لتوظيف نجاحه في بناء معبد “راما” على أنقاض المسجد البابري، بوصفه “انتصارا تايخيا للهندوس” والذي يعد رئيس الحزب والحكومة ناريندا مودي مسؤولا مباشرا عنه، بحسب محللين.
وتتمتع المنطقة بأكبر كثافة سكانية وللسبب نفسه يوجد بها أكبر عدد من مقاعد البرلمان التي تم تقسيمها على أساس الكثافة السكانية. وتعد ولاية “أوتاربراديش” التي تقع فى قلب حزام البقرة هي كبرى الولايات الهندية ويبلغ تعداد سكانها 240 مليون نسمة، وهي تنتخب 80 نائبا فى البرلمان.
ويتمتع الحزب الذي يستحوذ على غالبية مقاعد هذه الولاية بقوة كبيرة في البرلمان. وكان الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا قد فاز في انتخابات 2019 بـ71 مقعدا في هذه الولاية وحدها.
الدرافيد.. أهل الجنوب
ويتكون الجنوب الهندي بصورة أساسية من ولايتي تاميل نادو وكيرالا، وسكانهما لا يقدسون البقرة، ولا تدين غالبيتهم بالديانة الهندوسية التقليدية، فهم يسمون أنفسهم بـ”الدرافيد” ويقولون إنهم سكان البلاد الأصليون، ويشاركهم في ذلك القبليون وسكان الغابات والجبال.
وهؤلاء يمثلون غالبية السكان في الهند إلا إنهم مشتتون ويعانون من الفقر ويفتقرون لزعامات قوية بحسب محليين. ويطالب هؤلاء أحيانا الهندوس الآريين بمغادرة الهند أو الانفصال عنها. وتشتد هذه النعرة من وقت لآخر كلما حاولت الحكومة الهندية -التي يسيطر عليها سياسيو حزام البقرة- فرض اللغة الهندية على الجنوب.
الشرق والشمال الشرقي
أما مناطق الشرق وخصوصا ولاية البنغال الغربية، فهى الأخرى لا تشارك الوسط والشمال من الناحية العرقية واللغوية، وقد حكمها الشيوعيون لعدة عقود من الزمن.
وثمة 7 ولايات صغيرة فى شمال شرق الهند ولها لغات وأديان محلية خاصة بها، وهم لا يقدسون البقرة ولا يجمعهم الكثير مع بقية سكان الهند، بل يشتكون من التمييز العنصري ضدهم.
وأيضا تقع فى الشمال ولاية جامو وكشمير، وهي المنطقة الوحيدة ذات الغالبية الإسلامية في الهند وبها أيضا أحزاب محلية عديدة تتنافس فيما بينها. وقد تم سلخ منطقة لداخ عن جامو وكشمير عندما ألغت حكومة مودي الحكم الذاتى للولاية في سنة 2019.
هذه المناطق لها توجهات مختلفة عن حزام البقرة الذى يقع تحت تأثير الحركة الهندوسية ويحكمها الآن حزب الشعب الهندي. وولايتا تاميل نادو وكيرالا في الجنوب لهما حزبان محليان. وفي ولاية البنغال الغربية فى الشرق يحكم حزب ترينامول الذي يفتخر بالتراث المحلي.
ويحكم ولاية أوديشا المتاخمة حزب محلي آخر ليس له نفوذ خارج الولاية. ومناطق الشمال الشرقي يحكمها حاليا حزب الشعب الهندي بالتعاون مع أحزاب محلية صغيرة.
موطن نشأة الأحزاب
غالبية الأحزاب الهندية، بما فيها حزب المؤتمر وحزب الشعب الهندي، نشأت في منطقة حزام البقرة. وهذه المنطقة شهدت أيضا نشأة أحزاب قومية ومحلية أخرى مثل الأحزاب الاشتراكية والشيوعية (يوجد بالهند 4 أحزاب شيوعية)، وحزب “ساماجوادى” فى أوتاربراديش، وحزب راشتريا جاناتا دال في ولاية بيهار، وحزب بيجو جاناتا دال في ولاية أوديشا، وهى كلها أحزاب اشتراكية ذات توجهات إقليمية.
وفي ولايتى تيلنغانا وآندهرا براديش في وسط الهند يوجد حزبان إقليميان قويان يؤمنان بالاشتراكية. ولا تحبذ الأحزاب الإقليمية هيمنة أي حزب قومي مثل “المؤتمر” أو “الشعب” على مناطقها.
ولم يفز أي مرشح لحزب الشعب الهندي في ولايتي تاميل نادو أو كيرالا حتى الآن، سواء في الانتخابات البرلمانية المحلية أو انتخابات المجلس التشريعي المركزي.
ويحاول مودي جاهدا تحقيق تقدم فى ولاية كيرالا، وقد زارها 5 مرات منذ يناير/كانون الثاني الماضي بغرض التأثير فى الناخبين. وللولاية 20 مقعدا في البرلمان المركزي، وتوقع مودي أن يفوز حزبه بنصف هذه المقاعد.
ويحاول حزب الشعب الهندي التقرب إلى المسيحيين فى هذه الولاية والذين يشكلون 18% من سكانها إلى جانب الهندوس الذين يصوتون بصورة تقليدية للحزب الشيوعي أو حزب المؤتمر.
وكان من تأثير تقرب الحزب من المسيحيين أن بعض زعماء الكنيسة أدلوا ببيانات معادية للإسلام والمسلمين، كما عرض بعضهم فيلم “قصة كيرالا” لتجمعات المسيحيين فى مناطقهم، وهو فيلم يدعي أن آلافا من الفتيات الهندوسيات والمسيحيات تمت استمالتهن إلى الإسلام ثم جرى إرسالهن إلى مناطق تنظيم الدولة فى سوريا.
ويوجد في هذه الولاية حزب شيوعي قوي إلى جانب نفوذ تقليدي لحزب المؤتمر، كما يوجد فيها حزب الرابطة الإسلامية الذى يفوز بعدة مقاعد في شمال الولاية حيث يتمركز المسلمون، والذين يشكلون 27% من سكان الولاية.
توقعات الانتخابات
يتوقع مراقبون أن تنعكس التوجهات الإقليمية المتناقضة التي تعانى منها مناطق الهند المختلفة على نتائج الانتخابات القادمة.
وليس من المتوقع أن يحصل حزب الشعب الهندي على الغالبية المطلقة التي يطالب بها ليتمكن من تغيير الدستور الهندي وتحويل الهند الى دولة هندوسية.
وفي أفضل الأحوال، قد يعود حزب الشعب مع الأحزاب المتحالفة معه بأغلبية بسيطة فى البرلمان مع إمكانية أن يستعيد حزب المؤتمر بعضا من المقاعد التى خسرها في الجولتين السابقتين من الانتخابات، حيث يعتقد خبراء أن أنشطة راهول غاندي ورحلاته الطويلة عبر الهند خلال السنة الماضية تدل على تغير رؤية الجماهير تجاه هذا الحزب الذي حكم الهند لأطول فترة بعد الاستقلال.