باريس- كثُر الحديث عن الناشطة والمحامية من أصول فلسطينية ريما حسن، التي تظهر في المركز السابع في قائمة حزب “فرنسا الأبية” للانتخابات الأوروبية المقبلة، بسبب مواقفها الثابتة بشأن القضية الفلسطينية وتمسكها بكلمتي “الانتفاضة” و”الإبادة الجماعية” لوصف ما يحدث في قطاع غزة.
وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، أشادت ريما بالاحتجاجات الطلابية التي نظمها طلاب جامعة العلوم السياسية في باريس، لأنهم يمثلون صنّاع القرار في المستقبل، رغم الضغوطات والتضييقات التي تواجهها الأصوات المؤيدة لفلسطين في فرنسا.
كما أكدت المرشحة للانتخابات الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي متواطئ مع إسرائيل ومسؤول عما يحدث في قطاع غزة، معتبرة أن معركتها السياسية تتمحور حول ضمان الحقوق والمطالبة بالعدالة للشعب الفلسطيني.
وفيما يلي نص الحوار:
-
بدأ تداول اسمك كثيرا الفترة الأخيرة، وبدأت معه ضغوطات بسبب مواقفك الداعمة للقضية الفلسطينية، ما تعليقك؟
بدأت هذه الضغوطات قبل بضعة أشهر، حتى قبل أن أدخل عالم السياسة. يصبح الأمر معقدا لمجرد أنك فلسطيني تعيش في مجتمعات تدعم حكوماتها النظام الإسرائيلي، وقد رأينا ذلك في دول عديدة.
لقد كنت بالفعل هدفا للتهديدات بالقتل والاغتصاب وانتشر رقمي الخاص وعنوان منزلي على قنوات تليغرام. وهذا الواقع تفاقم أكثر منذ انخراطي في السياسة لأن الرمز الفلسطيني أصبح أقوى وأكثر وضوحا.
وفي مجالي السياسة والإعلام، تعرضت لافتراءات وأكاذيب كثيرة بسبب القضية الفلسطينية التي أحملها معي في كل مكان. وكمحامية متخصصة في القانون الدولي، أعتبر هذه القضية عالمية وجزءا من المطالب المتعلقة بمسألة حقوق الإنسان.
-
بدأت هذه الضغوطات برفض تنظيم اجتماعات ومؤتمرات بعدة مدن فرنسية، كيف تعاملت مع هذا وكيف قرأت موقف الحكومة؟
أرى أن منعنا من حضور مؤتمرات، دعانا إليها طلاب في الجامعات، انتهاك خطير للحرية الأكاديمية التي يجب حمايتها، إذ يتمتع الطلاب بحرية كبيرة في تنظيم مؤتمرات حول جميع المواضيع التي تهمهم واستضافة الشخصيات التي يريدونها، سواء سياسية أو باحثين أو خبراء.
وقد تم إلغاء هذه الاجتماعات بالفعل بذريعة “الإخلال بالنظام العام” لأن الهدف منها هو الحديث عن القضية الفلسطينية. كما لاحظنا وجود ضغوط تمارَس من قبل رؤساء الجامعات أو الاتحادات الطلابية، وهذا أمر بالغ الخطورة وغير مسبوق.
ولأننا اليوم في خضم حملة انتخابية، نواجه ضغوطا سياسية أيضا وتتزايد الاستدعاءات ضد الناشطين بتهمة الاعتذار عن الإرهاب. ويعتبر حزب “فرنسا الأبية” ـالذي أنتمي إليه- مستهدفا لأنه حزب معارض.
وأعتقد أن الهجوم على نشطاء أو شخصيات المعارضة فضيحة كبيرة في بلد كفرنسا، مما يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية كاملة.
-
هل تعتقدين أن شعارات مثل “فلسطين حرة” أو “دولة متواطئة” فضحت ازدواجية المعايير والموت البطيء لحرية التعبير بالعالم؟
نعم، إن الخطاب الذي ينادي به المتظاهرون والنشطاء والسياسيون المدافعون عن القضية الفلسطينية مثير للقلق ويزعج كثيرا لأن معظم السياسيين نسوا هذه القضية، وهم المسؤول الأول عن الفوضى الحالية.
لقد اصطف هؤلاء خلف الخطابات السلسة والمتمثلة للأوامر التي تقول “نحن بحاجة إلى دولتين من أجل السلام” والذين لم يفعلوا شيئا على مدار 20 أو 30 عاما الماضية. وهذه هي الجهات التي توجعها المظاهرات والشعارات لأننا نذكرهم بمسؤولياتهم وتواطئهم اليوم.
ولقد تم التخلي عن القضية الفلسطينية وأصبحت غير مرئية منذ وقت طويل، وجاءت الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق أهالي قطاع غزة لتكشف ذلك بوضوح أكبر للعالم بأكمله.
وبطبيعة الحال، عندما نكون في بلد لا تسمي فيه حكومته ما يحدث في غزة “الإبادة الجماعية” وتقول في بياناتها إنها لا تفهم سبب قرار محكمة العدل الدولية بهذه القضية، فهذا يعني وجود مشكلة عميقة.
إن دور الاحتجاجات والخطابات السياسية يتمثل في التذكير بالحقائق على الأرض والإبادة الجماعية الحالية والجرائم التي ترتكبها إسرائيل، وهي أمور مختلفة تماما عن موقفهم المتحالف مع إسرائيل. ولهذا السبب، أعتقد أن أكبر عمليات التعبئة اليوم تحدث في المجتمعات الغربية لأنها هي التي لا يزال أصحاب السلطة فيها يدعمون إسرائيل.
وأعتبر أن ذلك ملاذنا الأخير لإرغام الغرب على وقف دعمه لإسرائيل التي تتمتع بإفلات تام من العقاب بفضل الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، والذي يشجعها على شن هجوم في رفح ووضع 800 ألف مستوطن في الضفة الغربية دون التفكير في أي عقوبات سياسية أو اقتصادية ضدها.
وأجد أن المعايير المزدوجة مع روسيا فضيحة لأنها كشفت أن حياة الفلسطيني ليست بنفس مستوى حياة الأوروبي -كما هو الحال مع الأوكرانيين- وهذا هو جبن الحكومات الغربية التي تخلت عن الشأن الفلسطيني. ولكن لحسن الحظ، يرفع الناس أصواتهم في الدول الغربية لتأكيد أن هذا الأمر غير مقبول.
-
تركزين على القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان. لكن في ظل هذا القمع المتزايد، كيف تتعاملين مع هذه المعادلة؟
تشتهر فرنسا بالدفاع عن حقوق الإنسان لكنها لا تطبق ذلك على الجميع، مما يجعلني حريصة على التطرق للقضية الفلسطينية التي تم تجريدها من إنسانيتها لفترة طويلة جدا. ومن موقعي، يقع على عاتقي البحث عن العدالة والاعتراف بحقوق شعبي والمطالبة باستردادها.
ويجب الانتقال من إعلان الاعتراف بالحقوق إلى التطبيق الفعال الذي يشمل خطابات وتدابير سياسية ملموسة. وفي فرنسا، نجد صعوبة في ذلك بسبب العنصرية لأن المجتمع الفرنسي ورث ذاكرة استعمارية، وكل مظاهر العنصرية الموجودة في المجتمعات الغربية هي بقايا الاستعمار.
ومنذ 75 عاما، يُنظر للفلسطينيين على أنهم عرب ينتمون إلى الجنوب العالمي الذي تم تجريده من إنسانيته وتم السيطرة عليه وتعرض للاضطهاد.
-
نلاحظ تصاعد حظوظ الأحزاب اليمينية المتطرفة للفوز بالانتخابات الأوروبية بينما تسكت أصوات مناصري غزة، هل تعتقدين أن القضية الفلسطينية ستكون من بين محركات التصويت؟
نعم، هناك حالة طوارئ وضرورة حقيقية لتحمل المسؤولية، خاصة عندما ننتمي إلى حزب “فرنسا الأبية” المعروف تاريخيا بفكره السياسي اليساري الذي يدعو إلى احترام القانون الدولي، والدفاع عن الشعوب المضطهدة وعن القانون الإنساني.
ومن المهم جدا أن نبقي القضية الفلسطينية بوصلة لتشكيل تفكيرنا السياسي. وأعتقد أنه يمكن أن يكون لها بالفعل تأثير في مواجهة خطاب اليمين المتطرف، لأنها مرتبطة بإنهاء الاستعمار والعدالة والسلام. وتجدر الإشارة إلى أن معظم حلفاء إسرائيل هم أنظمة يمينية متطرفة تدعم الاحتلال.
كما أننا نحارب الأفكار الأخرى التي يعتمدها اليمين المتطرف الموجود في أوروبا وفرنسا، مثل ملف الهجرة. ومن الخطأ الاعتقاد أن القضية الفلسطينية “مجتمعية” فقط، إذ يأتي لرؤيتي أشخاص من أصول مختلفة ـ ليسوا فقط من العرب- وهم من أصل تشيلي أو أفريقي أو مسيحيون، معتبرين أن ما يجمعنا هو الذاكرة الاستعمارية التي عرّضت شعوبا بأكملها للاضطهاد والظلم.
واليوم، تتمثل معركتي السياسية في القول إن فلسطين هي موضوع أوروبي لأن كل الحقائق الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية تجعل الاتحاد الأوروبي مسؤولا جزئيا عما يحدث. فمثلا، هو الشريك التجاري الأول لإسرائيل حيث وصلت التبادلات التجارية بينهما إلى 30%.
وعلاوة على ذلك، لم يصدر الاتحاد الأوروبي حتى الآن قرارا بفرض حظر على الأسلحة، على الرغم من أنه فعل ذلك مع نحو 15 دولة، بحسب حالات الحرب والصراع. كما يضم شركات تتاجر مع إسرائيل وتكسب الأموال على حساب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والمستعمرة.
ولذلك من المهم جدا القول إن الاتحاد الأوروبي اليوم، بموقفه تجاه إسرائيل، متواطئ وحليف ومسؤول جزئيا عما يحدث، وعلينا أن نعمل بهذا الاتجاه داخل البرلمان الأوروبي للمطالبة بالعدالة للشعب الفلسطيني.