قالت صحيفة لاكروا إن السكان المسلمين في مدينة والدواني بشمال الهند لا يزالون في حالة صدمة ويتشبثون بالأمل في عودة التعايش السلمي مع الأغلبية الهندوسية، منذ أن قُتل 6 مسلمين أثناء قمع لأعمال الشغب التي اندلعت بعد تدمير مسجد بالمدينة منذ ما يقرب من 3 أشهر.
واستعرضت الصحيفة -في تقرير لمبعوثها الخاص إلى هالدواني بيير سوتروي- بعض مشاهد الحريق الذي التهم منزلا كان يستأجره عامل بناء مع عائلته، نجوا لأنهم كانوا غائبين في يوم أعمال الشغب.
ولكن المنزل “لم يبق منه شيء”، “ولا حتى ملعقة”، كما روى الخياط المسلم ناظم حسين (44 عاما) وهو يرفع لبنة سوداء زيتية كانت أوراقا نقدية من فئة 100 روبية.
وعلى بعد 10 أمتار على زقاق ضيق يمثل الحد الفاصل بين منطقة بانبولبورا ذات الأغلبية المسلمة ومنطقة غانديناغار الهندوسية، نجا منزل ناظم حسين من النيران بمعجزة.
ولكن أدى إلقاء زجاجة المولوتوف عليه إلى إشعال النار في دراجته النارية، كما احترقت عنزته حية وهي مربوطة إلى وتد. يقول الخياط “لم يحدث هذا من قبل في هالدواني. لقد عشنا بشكل جيد مع الهندوس من قبل. احتفلنا بالأعياد الدينية معا”.
في ذلك اليوم، اندلعت أعمال العنف في هالدواني، وهي بلدة يسكنها مليون نسمة في ولاية أوتاراخاند شمال الهند، عندما هدمت الجرافات مسجدا ومدرسة قرآنية في بانبولبورا، بحجة أنهما مبنيان بشكل غير قانوني.
وألقى حشد من المسلمين الغاضبين على أثر ذلك الحجارة على الآلات ومرافقيها من الشرطة وأشعلوا النار في مركز للشرطة، وأطلقت هذه الأخيرة النارَ وهو ما أدى إلى قتل 6 أشخاص وإصابة نحو 10 آخرين.
سياسة الإخلاء
ويقول الميكانيكي محمد سهيل (22 عاما) الذي قتل والده برصاص الشرطة في المنزل الضيق الذي يعيش فيه مع عائلته: “لم يشارك أبي في أعمال الشغب. خرج ببساطة من المنزل مع أخي لركن سيارته”.
ويضيف: “بعد وقت قصير من خروجهم، اتصل بي أخي ليخبرني أن والدنا أصيب برصاصة في صدغه الأيمن. هرعت إلى الخارج لأجده وهو لا يزال يتنفس، وقد توفي في المستشفى بعد 6 أيام”.
من ناحيته، يقول محمد أمان (21 عاما) إن والده “كان في الخارج لشراء الحليب لابنة أخي عندما اتصل بي أحدهم ليخبرني أنه أصيب”.
وعندما وجدته كان ملقى في بركة من الدماء رفعته على عربة لنقله إلى المستشفى، لكن حوالي 10 من ضباط الشرطة هاجموني وضربوني. توسلت إليهم أن يسمحوا لي بأخذ والدي، لكنهم لم يستمعوا لي”.
وتظل سياسة الإخلاء مدعومة بقوة من قبل السلطات المحلية، تحت قيادة بوشكار سينغ دامي، رئيس السلطة التنفيذية لولاية أوتاراخاند، فهذا العضو القديم في حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، منخرط في حملة تهدف إلى تدمير الأضرحة الإسلامية وأماكن العبادة المبنية بطريقة “غير منظمة”، التي تعبر حسب قوله عن “جهاد الأرض” الذي يفترض أن يقوده المسلمون في الولاية.
ويقول ناشط محلي غاضب رفض الكشف عن هويته خوفا من الانتقام: “عندما كنت صغيرا لم تكن هناك مشكلة في أن أكون مسلما، ولكننا الآن نعيش في خوف”.
ولذلك غادرت هالدواني أكثر من 100 عائلة، “أخذوا ما في وسعهم ثم غادروا كما حدث أثناء التقسيم”، في إشارة إلى الانفصال العنيف بين الهند وباكستان بعد الاستقلال في عام 1947.
ويقول محمد سهيل، إن الحكومة تغذي كل هذا، وهي تريد حدوث هذا العنف بين المجتمعات”، إذ لا يزال التوتر واضحا في المدينة بين المسلمين والهندوس.
ويتابع: “عندما أعبر غانديناغار إلى العمل أرى الهندوس يحدقون بي ولا أشعر بالأمان”، ويضيف الشاب: “في المسجد صاح 4 أو 5 هندوس تجاه المصلين “جاي شري رام” أي “المجد للورد رام”، وهي كلمة الحشد للقوميين الهندوس.
ويتذكر ناظم حسين سماعه هذه الكلمات التي رددها الحشد مرارا وتكرارا يوم أعمال الشغب، في الوقت الذي كان فيه أطفاله يبكون، متحصنين داخل المنزل الذي ولدوا فيه، والذي يفكر الآن في الانتقال عنه إلى مكان آخر رغم أنه يحب هالدواني، ويقول: “لا أريد أن أقول أي شيء سيئ عن الهندوس”.
وعلى الجانب الآخر من الشارع الذي لا يتجاوز عرضه 5 أمتار بين الحيين، تبدو المسافة كبيرة، وقد اتسعت أكثر بسبب الأعلام الزعفرانية التي تضاعفت على الأسطح وفي نوافذ منازل غانديناغار رمزا للقومية الهندوسية، مقابل الأعلام الخضراء التي رفعها مسلمو بانبولبورا مع بداية شهر رمضان، لتبدو المنطقتان وكأنهما تنظران إلى بعضهما البعض مثل قلاع العدو.