المسجد الأقصى.. روحانيات استثنائية في العشر الأواخر من رمضان

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

القدس المحتلة – في أزقة البلدة القديمة المؤدية إلى الرحاب المباركة، تقفز إلى آذان المارة لهجات فلسطينية كثيرة من شمالي فلسطين إلى جنوبيها، وتلفت النظر الأزياءُ الفلسطينية التراثية التي ترتديها مئات المسنات القادمات من قرى وبلدات الداخل الفلسطيني والقدس.

وفي الأزقة ذاتها تتعالى أصوات الباعة الذين يتنافسون في جذب المصلين إلى بضائعهم، التي تربعت السلع الرمضانية عرشها كالعصائر والمخللات وأنواع الخبز المختلفة، بالإضافة إلى الكعك المقدسي الذي تجذب رائحته كل زائر للمدينة المقدسة.

أمام أبواب المسجد الأقصى لا يسلم الرجال من كافة الأعمار من التضييقات، فيحتُجز معظمهم لفحص هوياتهم الشخصية، وعند اعتراض أحدهم يرد الشرطي “هذه هي التعليمات”، فمنهم من نجح في الدخول إلى أولى القبلتين، ومنهم من يعاد أدراجه قسرا.

يخصص مصلى قبة الصخرة من المسجد الأقصى للنساء حيث تنتشر حلقات العلم وقراءة القرآن (الجزيرة)

سكينة وروحانيات

في ساحات المسجد الأقصى ينتشر الآلاف من المصلين من كافة الفئات العمرية، وفي صحن مصلى قبة الصخرة المشرفة يلتقط مئات المصلين الصور التذكارية مع المعلم المهيب، وحولهم عشرات الطيور التي لم يغفل المصلون عن جلب قوتها فنثروه في الساحات.

يطير الحمام تارة ويستقر على الخزف الذي يزين مصلى قبة الصخرة تارة، ثم يهبط إلى الأرض ويتجول آمنا بين المصلين، في مشهد استثنائي يلفت أنظار البالغين والأطفال.

داخل هذا المصلى المخصص لصلاة النساء خلال شهر رمضان المبارك، تجلس أكثر من ألف امرأة في أجواء روحانية أجمعن على أنه لا يمكن لهن الشعور بها في أي مسجد آخر.

تتدلى المسابح من أيديهن وتلهج ألسنتهن بالدعاء والأذكار، وتتحلق العشرات منهن حول حلقة علم لداعية ألفت النساء وجودها في هذا المصلى منذ عقود.

اقتربت الجزيرة نت من بعضهن للحديث عن رحلتهن الروحانية، ووجدت أن الكثير ممن أتين من مدن وبلدات الداخل الفلسطيني يواظبن على الوصول إلى هذا المقدس بشكل أسبوعي منذ عقود، رغم بعد المسافة ومشقة الطريق بالنسبة للمسنات منهن.

منذ 10 أعوام تحرص المسنة نايفة أسعد (67 عاما) على القدوم من بلدة دبورية في الجليل الشرقي إلى المسجد الأقصى في حافلة تقل عشرات المصلين، تقول نايفة إنها باتت تنتمي عاطفيا إلى المكان وفي رحابه تشعر بالراحة، وإنها تحتسب مشقة الرحلة كأجر وثواب.

5-المسنة نايفة أسعد من دبورية(الجزيرة نت)
نايفة أسعد: منذ 10 أعوام أحرص على القدوم من بلدة دبورية في الجليل الشرقي إلى المسجد الأقصى (الجزيرة)

عبادة ومنافع

“تستغرق الطريق ساعتين ونصف الساعة، وبمجرد وصولنا إلى باب العامود ننتشر في البلدة العتيقة ونشتري من تجارها لدعمهم وتمكين اقتصاد البلدة القديمة”، أضافت المسنة نايفة.

تجلس بجوارها حليمة الأطرش (69 عاما) القادمة من البلدة ذاتها، وتعبر هذه المسنة عن علاقتها بأولى القبلتين بالقول إنه بمجرد صعودها أول درجة من مدرجات قبة الصخرة المشرفة تشعر براحة نفسية ومشاعر لا يمكن وصفها بالكلمات.

“هذا مكان مقدس للأمة الإسلامية جمعاء، وصدري ينشرح عند دخوله وأداء العبادات في رحابه.. عندما أمر بظروف صعبة أتوجه إلى الأقصى وأطلب من الله تفريج الكرب والهموم، وأعود وحملي خفيف بعدما رميته على الله وتوكلت عليه”.

أما أم فريد القادمة من مدينة سخنين في الجليل الأسفل، فقالت “أحب القدس وكل أهل بلدنا يحبون القدوم إلى القدس للصلاة في الأقصى.. لا نشعر بالتعب لأننا اعتدنا الرحلة”.

6-المسنة حليمة الأطرش من دبورية(الجزيرة نت)
حليمة الأطرش: رغم بعد المسافة أجد الراحة بالمسجد الأقصى ولا أشعر بالتعب (الجزيرة)

إنفاذ وصية الرسول

لفتتنا اللهجة البدوية التي تتحدث بها هناء الكمالات القادمة من بلدة “شقيب السلام” البدوية التي تبعد نحو 5 كيلومترات عن مدينة بئر السبع جنوبي فلسطين.

تُسيّر هناء حافلات من بلدتها نحو المسجد الأقصى بانتظام، وتقول إن نساء البلدة ينتظرن بلهفة هذه الرحلة، وكثفن شد الرحال في رمضان، مضيفة “رسولنا الكريم حثنا على التوجه إلى هذا المسجد ونحن نعمل بوصيته، وخلال رحلتنا نحوه أقول للنساء دائما يجب أن نضحي ولا نترك المسجد لأعدائنا”.

في منتصف المصلى، تجلس أم مجدي وأم محمد القادمتان من مدينة الطيرة في المثلث الجنوبي بالداخل الفلسطيني، وتصلان إلى المسجد الأقصى مع الحافلات التي تقل المصلين 4 أيام أسبوعيا خلال الشهر الفضيل.

تؤكد هاتان المسنتان أن عدد الحافلات يصل في بعض أيام الشهر الفضيل إلى 21 حافلة من مدينة الطيرة وحدها، وأنهما تحرصان على الصلاة في المسجد الأقصى لأنه المكان الذي صلى فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء.

يُرفع الأذان في رحاب أولى القبلتين فتقف النساء لتسوية الصفوف وترفع الأكُفّ إلى السماء تضرعا إلى الله بتفريج الكرب وتغيير أحوال فلسطين وأهلها إلى الأفضل.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *