نابلس- لم يكن أحد ليعرف ما حدث ليلة 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مع المواطن الفلسطيني إياد بنات بعد اقتحام جنود الاحتلال منزله في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، لو لم يصور ما جرى بأدق تفاصيله وينقله للعالم مباشرة بعد أن وثَّق ذلك على حسابه بمنصة “تيك توك”.
ويُظهر مقطع فيديو ذاع بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة جنديين إسرائيليين وهما ينهالان بالضرب المبرح على الشاب إياد وسط عائلته وأطفاله، على غرار فيديوهات أخرى بات الفلسطينيون يعمدون لتصويرها ونشرها لفضح جرائم الاحتلال، وأضحى التصوير سبيلهم لحماية أنفسهم من عنف الاحتلال وصلفه.
في تلك الليلة، حاصر جنود الاحتلال منزل عائلة بنات في الحي الجنوبي بمدينة الخليل واقتحموه الساعة الواحدة صباحا، وسارع الشاب لنقل بث مباشر للحادثة عبر هاتفه بعد أن أخفاه عن أعينهم “لإظهار عنفهم أثناء اقتحامهم بيوت الفلسطينيين الآمنة، وتوثيق أي اعتداء يرتكبه الجنود”.
ويقول إياد للجزيرة نت “ضربوني بعنف بأيديهم وأرجلهم وبنادقهم، وبالعتلة الحديدية التي فتحوا بها باب المنزل أمام زوجتي وأطفالي الستة الذين كاد الجنود يقتلون أحدهم بعد أن ألقوا الخزانة فوقه”.
صدى كبير
وإلى خارج المنزل اقتيد إياد وأقارب له من كبار السن واحتُجزوا 4 ساعات، وتم تكبيلهم وتعصيب أعينهم وسط ضرب مبرح أصاب بعضهم بجروح خطيرة.
وعرف التصوير الذي نشره بنات عبر كل منصاته صدى كبيرا، وكان مادة دسمة لمؤسسات حقوقية كثيرة زارته واطلعت عن قرب عما حل به ووثقته، وبالنسبة له كان كافيا كشف جرائم الاحتلال وفضح “الجيش النظامي”، حسب وصفه.
لكن هذه المنصات عاقبته وأغلقت جميع صفحاته، وعندما فتح حسابه على “تيك توك” باسم جديد، أخطروه “بعدم تصوير قوات الأمن العاملة في منطقته، وأن ذلك يحاسب عليه القانون”.
ويقول “أدرك جيدا أنه لن تتم محاسبة جنود الاحتلال، لكن ما جرى كان كافيا لردعهم، وأنا أدعو كل مواطن إلى تركيب كاميرات مخفية داخل منزله لتوثيق انتهاكات الاحتلال”.
وشاء القدر أن يكتفي الاحتلال بضرب إياد دون إعدامه مثلما حدث مع الشابين رامي العبوشي وثائر شاهين (25 عاما لكل منهما) بمخيم الفارعة قرب مدينة طوباس شمال الضفة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري، حيث أطلق جنود الاحتلال النار عليهما من مسافة صفر رغم أنهما لم يشكلا أدنى خطر عليهم.
وأظهر تصوير كاميرا مثبتة بجدار منزل الشهيد ثائر وتصوير آخر بالهاتف، اقتراب آليتين عسكريتين وترجل جندي من إحداهما والآخر ظل داخلها وأطلقا قرابة 12 رصاصة صوب رامي وقتلاه، ثم اقتربا من ثائر وأطلقا عليه 4 رصاصات.
ويقول منصور العبوشي عم الشهيد رامي “لم يشكل الشهيدان أدنى خطر على الاحتلال، وكانا بعيدين عن منطقة الحدث، حتى أن رامي أصيب برصاصة من بعد وسقط أرضا، ثم أجهزوا عليه”.
أهمية التوثيق
العبوشي كان فقد شقيقه الطفل محمد بحادثة مشابهة لكنها لم توثق عام 1989 بعد أن قنصه جندي إسرائيلي بأحد أزقة المخيم وقتله، يضيف للجزيرة نت “حقق الفيديو انتشارا كبيرا، وتجاوز على تليغرام 20 مليون مشاهدة، وهذا يكفي لفضح الاحتلال، ورغم ادعائه فتح تحقيق عسكري مع الجنود فإنه لن يتم إدانتهم أو محاسبتهم”.
وإلى جانب توثيق وفضح وحشية الاحتلال وإعدامه الشهيدين بدم بارد، سيكون التصوير دليلا ملموسا في إجراءات ذويهما القانونية لمحاسبة الجناة.
ويرى كريم جبران الباحث بمؤسسة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية أن مثل هذه التوثيقات مهمة خاصة إذا كانت مرئية، كونها تعكس “وحشية الجنود وممارساتهم غير القانونية، وتفند ادعاءاتهم والأهم أنها تقنع الآخرين بالرواية الفلسطينية”.
ويقول جبران -للجزيرة نت- إنهم كمؤسسة حقوقية توثق انتهاكات الاحتلال يعتمدون على التصوير، كما دعموا مشروعا للتوثيق بالتصوير بالكاميرات قبل الهواتف الذكية. وحتى إن لم يحاسب الاحتلال جنوده، فإن هذه المقاطع كافية لفضح وحشيتهم أمام المجتمع الإسرائيلي.
ويرى الباحث ضرورة نشر التصوير عبر المؤسسات وليس الأفراد “ليخرج من محدوديته لديهم، وليكون أكثر مهنية وقوة وانتشارا عالميا، ويصل للإعلام الدولي”.
ويتفق إحسان عادل رئيس “منظمة القانون من أجل فلسطين” مع جبران حول أهمية التصوير من الناحية الإعلامية والمناصرة وكشف انتهاكات إسرائيل ودحض “ادعاءات أخلاقية جيشها”، وهو ما يحقق تضامنا وتأثيرا عالميا وخاصة على صناع القرار.
مساهمة فعالة
وعلى المستوى القانوني والحقوقي، يمكن لمنظمات حقوق الإنسان الاستناد لهذه التوثيقات، كما يمكن للجان التحقيق والمحاكم الدولية اعتمادها أيضا، وهو ما يعرف -وفق عادل- “بالمصادر المفتوحة للمعلومات” التي يستعين بها المحققون الدوليون من خلال “بروتوكول بيركلي” بشأن التحقيقات الرقمية المفتوحة المصدر.
وقال للجزيرة نت إن الكثير من المواد التي رفعتها وقدمتها إلى المحكمة الجنائية الدولية منظمات حقوق الإنسان تعتمد جزئيا على المصادر المفتوحة، وإن “فيديوهات المواطنين ساهمت في إظهار حقيقة أن استهداف الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة كان من خلال جنود الاحتلال، وليس من حيث وجود الفلسطينيين كما ادعت إسرائيل بداية”.
ودعا عادل إلى استثمار هذه الفيديوهات بإيصالها لجهات الاختصاص والمنظمات الحقوقية في فلسطين، وإلى رفعها للمحكمة الجنائية الدولية عبر موقعها الرسمي، وأكد أهمية التصوير بجودة عالية وحفظ مادة التصوير بنسخ احتياطية وتوثيقها بطريقة آمنة ومقبولة دوليا.
ولفت إلى أهمية تدوين اسم المصور ومن يظهر بالفيديو والزمان والمكان الذي يُفضّل أن تُظهر صورة موسعة تُبين جميع معالمه كالمدرسة أو ساحة عامة تسهل التعرف عليه بسهولة، كي لا تُثار الشكوك حول مصداقيته.