يشدد محلل سابق في الاستخبارات الإسرائيلية في إحدى دراساته على أن حقل الاستخبارات العسكرية هو الأقل تعقيدا بين مختلف حقول الاستخبارات، وذلك لأن أبحاثه تركز على قدرات الخصم.
ومن هنا فإن الصدمة التي تعيشها إسرائيل حاليا تكمن في إخفاقها الذي حدث بمعركة “طوفان الأقصى” في مجال الاستخبارات العسكرية، والذي تتباهى على الدوام بقدراتها المتقدمة فيه.
وحتى اليوم تعترف تل أبيب بمقتل 1300 إسرائيلي، بينهم جنود وضباط، إضافة إلى نحو 3500 مصاب و150 أسيرا وقعوا بيد المقاومة الفلسطينية التي اقتحمت السبت الماضي مستوطنات إسرائيلية ووجهت رشقات صاروخية لتل أبيب والقدس المحتلة وعسقلان غيرها.
انهيار استخباراتي
“نطرح على بعضنا البعض أسئلة ليس لها إجابات”، بهذا يستهل يوسي هاليفي الخبير بمعهد “شالوم هارتمان” في القدس -والذي كان سابقا جنديا إسرائيليا في قطاع غزة- مقاله بموقع “ذا أتلانتيك” الأميركي.
ويشير هاليفي إلى أن في مقدمة تلك الأسئلة المطروحة “لماذا استغرق الجيش الإسرائيلي يوما كاملا للوصول إلى تلك المستوطنات؟ أين كانت الشرطة؟”.
ويوافقه إيغال أونا -وهو مسؤول كبير سابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشين بيت”- إذ يقول إن ما حدث “أمر لا يصدق، إن الأسوأ من الفشل الاستخباري هو الفشل العملياتي للجيش”.
ويضيف أونا ضمن تحقيق نشرته صحيفة “واشنطن بوست” “لقد انهار الخط الدفاعي الأمامي الأكثر أهمية لإسرائيل، والذي أنفقنا المليارات على التكنولوجيا المزود بها”.
وبعبارات أكثر دلالة، يرى نوعام أمير المعلق العسكري الإسرائيلي بموقع “مكور ريشون” أن إسرائيل تحولت في يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري من قوة استخباراتية كبرى في العالم إلى قوة لا توجد لديها أي استخبارات فعالة.
أكثر إذلالا
من جانبه، يقول المحلل الإسرائيلي بن كاسبيت في مقال بصحيفة معاريف “لقد فوجئت إسرائيل بمفاجأة إستراتيجية بحجم حرب 1973، لكنها أكثر إذلالا”.
ويضيف “قبل خمسين عاما حاربتنا دولتان مستقلتان (سوريا ومصر)، وجيشان نظاميان، وآلاف الدبابات والطائرات بدعم من الاتحاد السوفياتي، أما اليوم فاقتحمت مواقعنا منظمة لا تملك سلاح جو ولا مدرعات ولا بنية تحتية، ومحاصرة ومعزولة من العالم”.
ويشير إلى أن حركة حماس لو كانت لاعبا رياضيا لكان عليها الاعتزال وهي في أوج انتصارها، لقد بحثت حماس عن صورة انتصار فوجدت ألبوما كاملا، وركّعت إسرائيل على ركبتيها، وفق تعبيره.
انهيار الردع الإسرائيلي
ولم تقتصر التحليلات على الخبراء الإسرائيليين، بل حتى نظرائهم الغربيين أدلوا بتقييماتهم للوضع.
يقول بروس هوفمان الخبير الأميركي في دراسات الإرهاب ومكافحة التمرد إنه من غير المسبوق على الإطلاق أن تمتلك منظمة “حماس” القدرة أو الإمكانية لشن هجمات منسقة ومتزامنة من الجو والبحر والأرض.
وأضاف هوفمان في مقال بموقع “مجلس العلاقات الخارجية” أن حماس امتلكت القدرة على إبقاء استعداداتها مجهولة عن إسرائيل التي تمتلك أحد أكثر أجهزة الاستخبارات تطورا في العالم، واستغلت كذلك عنصر المفاجأة “بنجاح مذهل”، وفق تعبيره.
كذلك، كتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي السابق ريتشارد هاس قائلا “إن ما حدث هو فشل ذريع للاستخبارات الإسرائيلية، وفشل ذريع للجيش، لقد انهار الردع”.
الغطرسة هي السبب
بدوره، يقول مارتن إنديك السفير الأميركي الأسبق في تل أبيب ومدير شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا بمجلس الأمن القومي الأميركي إن الإسرائيليين اعتادوا معرفة ما يفعله الفلسطينيون بالتفصيل من خلال وسائل التجسس المتطورة لديهم، لقد كانوا واثقين أن حماس لن تجرؤ على شن هجوم كبير.
وأضاف إنديك في حوار مع “فورين أفيرز” أن “الغطرسة هي التي دفعت الإسرائيليين إلى الاعتقاد في عام 1973 بأنهم لا يُهزمون، وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، وقد تجلت الغطرسة نفسها مجددا في السنوات الأخيرة (..)، لكن الآن تم نسف كل افتراضاتهم”.
ويرى الفريق البريطاني المتقاعد السير توم بيكيت -الذي يعمل مديرا تنفيذيا في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية- أن الهجوم البري لحماس حقق مفاجأة إستراتيجية وعملياتية وتكتيكية.
ويضيف بيكيت -الذي عمل في السابق كبيرا لمستشاري الدفاع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالحكومة البريطانية- أن “من المرجح أن تلك المفاجأة تحققت بمستويات عالية من الأمن العملياتي، غالبا من خلال التعليمات الشفوية، مما أتاح التغلب على قدرات التجسس الإلكترونية الإسرائيلية”.
أين الخلل؟
في محاولة لتفسير ما حدث من إخفاق، يقول رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق في تل أبيب ستيفن سليك إنه نظرا لحجم وتنوع هجمات حماس فمن غير المرجح أن يجري التخطيط والتدريب والتجهيز لهذا العدد الكبير من المقاتلين ثم يفلتوا من أنظمة جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية.
ويرى سليك أنه ”من المرجح أن المعلومات ذات الصلة لم تعالج أو تقيّم بشكل صحيح كمؤشر على الأعمال العدائية”.
ويتسق تحليل سليك مع ما أوردته وكالة “أسوشيتد برس” نقلا عن مسؤول في المخابرات المصرية بأن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاهلت تحذيرات مصرية متكررة ومعلومات استخباراتية عن “حدث كبير” سيقع في غزة، مشددة على أن الأولوية هي للضفة الغربية.
وهو ما أكدته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، مضيفة أن رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل اتصل شخصيا بنتنياهو قبل 10 أيام فقط من الهجوم الكبير وحذره من احتمال قيام المقاومة في غزة بشيء غير عادي.
وبينما تنفي حكومة نتنياهو حدوث ذلك فقد أكد وقوعه رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول بعد تلقيه إحاطة استخباراتية بشأن الأحداث.
تداعيات الهجوم
وستكون للإخفاق الأمني والعسكري الإسرائيلي في التصدي لهجوم حماس تداعيات متعددة، وقد عبر عن بعضها بإيجاز المحلل الإسرائيلي ميرون رابوبورت قائلا إنه “في عام 1973 قاتلنا جيشا مدربا، أما هنا فنتكلم عن أناس ليس بأيديهم سوى بنادق الكلاشنكوف، إنه فشل استخباراتي، ما من شك في أن إسرائيل سوف تحتاج إلى وقت طويل لتتعافى منه من حيث ثقتها بنفسها”.
وقد استفاض أمير تيبون الصحفي المقيم في كيبوتس “ناحال عوز” -والذي شاهد الهجوم بنفسه- في شرح تداعيات الأحداث على المواطن الإسرائيلي قائلا “استثمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مليارات الدولارات في بناء جدار تحت الأرض لمنع حماس من استخدام الأنفاق، وقد سمح لنا هذا الجدار بالنوم ليلا”.
وتابع تيبون “وفي ساعات الصباح من يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول عندما سمعنا إطلاق النار خارج نافذتنا أدركنا أن هذا الجدار فشل فشلا ذريعا، إن العقد بيننا وبين الدولة: نحن نسكن الحدود ونحميها بوجودنا، والدولة تحمينا، إن الطريقة التي تطورت بها أحداث ذلك اليوم هي أسوأ فشل في تاريخ إسرائيل، علينا أن ننتصر في الحرب، ثم بعد الحرب”.
وقال “أعتقد أن الأشخاص الذين ذهبوا للقتال وإنقاذ عائلاتهم، والأشخاص الذين خُطف أحباؤهم داخل غزة، والأشخاص الذين فقدوا منازلهم هؤلاء الناس لن يسمحوا لهذه الحكومة بالبقاء يوما آخر، الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل العام الماضي ستكون لعبة أطفال مقارنة بغضب الجمهور بعد ذلك”.